مُقاربة ٌ منهجيَّة في بيان
مَدرك حُجيَّة قول الرجالي
(الحلقة العاشرة)
علي جميل الموزاني
والثاني: فيما يتعلق بالتوثيقات والمباني الرجالية
العامة وهي ان كانت إخبار عن سيرة عقلائية أو شرعية قائمة منذ عهد المعصوم فهنا
يُعمل بها بناءً على ما أثبتناه في قبول حجية وقول الرجالي، وأما إذا كانت
اجتهادية أو ترجيحية فلا يتم الركون إليها وتقليد الأقدمين في ذلك فضلاً عن
المتأخرين، وهنا لابد على الفقيه والعارف بقواعد هذا الفن ان يبني له قواعد رجالية
خاصة به وفق ما يراه حجة بينه وبين الله تعالى.
وقريب من هذا ما يتبناه السيد محمد رضا
السيستاني وهو مختار والده فيقول (فالصحيح ــ إذاً ــ ما سلكه سيدي الأستاذ الوالد
(دامت بركاته) من أن توثيق الرجالي وتضعيفه إنما يصلح أن يكون من مبادئ حصول الاطمئنان
أو عدم حصوله بوثاقة الراوي أو بصدور الرواية عن المعصوم (عليه السلام) على اختلاف
المسلكين في حجية خصوص الخبر الموثوق به أو الأعم منه ومن خبر الثقة، فإذا كان
الفقيه ممن يرى حجية الخبر الموثوق به ولاحظ أن النجاشي ــ مثلاً ــ وثق فلاناً من
الرواة فإن حصل له الاطمئنان بروايته أي بصدورها من المعصوم (عليه السلام) ــ ولو
بضميمة بعض الشواهد والقرائن ــ عمل بها وإلا فلا عبرة بذلك التوثيق.
ولو كان ممن يرى حجية خبر الثقة فإن حصل له
الاطمئنان بوثاقة ذلك الراوي لقول النجاشي أو بضميمة بعض الشواهد والقرائن عمل
بروايته ــ وإن لم يحصل له الوثوق بصدورها من المعصوم (عليه السلام) ــ وإلا فلا
يمكنه التعويل على ذلك التوثيق...
إنّ الصحيح أنّ من
لديه ممارسة طويلة وخبرة متراكمة ومتابعة دقيقة، يحصل له الاطمئنان في كثير من
الحالات بصدور الخبر، وإن كان منفرداً، وبوثاقة الراوي وإن انحصر الموثّق في شخصٍ
واحد. نعم، من ليس له إلمامٌ واسع وخبرة تامّة فإنّه لا يحصل له الاطمئنان، ولكن
لا عبرة بعدم حصول الاطمئنان لمثله)(1).
وهو قريب من مختارنا لحجية قول الرجالي
لقولنا بان الدليل على حجيتها هي السيرة العقلائية القائمة على ذلك والتي تشمل قول
الثقة في التضعيف والتعديل شريطة ان يحصل الاطمئنان من قوله في بعض الحالات.
بل يمكن ان يُدّعى دلالة السيرة الشرعية
على حجية قول الرجالي كما يفهم من قول الشيخ الطوسي في العدة بان هذه هي سيرة أصحابنا
في تعاملهم مع الرواة (إنا وجدنا الطائفة ميزت الرجال الناقلة لهذه الأخبار فوثقت
الثقات منهم، وضعفت الضعفاء، وفرقت بين من يعتمد على حديثه وروايته وبين من لا
يعتمد على خبره، ومدحوا الممدوح منهم وذموا المذموم, وقالوا: فلان متهم في حديثه،
وفلان كذاب، وفلان مخلط، وفلان مخالف في المذهب والاعتقاد، وفلان واقفي، وفلان
فطحي، وغير ذلك من الطعون التي ذكروها, وصنفوا في ذلك الكتب واستثنوا الرجال من
جملة ما رووه من التصانيف في فهارسهم، حتى أن واحداً منهم إذا أنكر حديثاً طعن في
إسناده وضعفه بروايته. هذه عادتهم على قديم وحديث لا تنخرم)(2).
ولكن التمسك بهذه السيرة المدعاة مخدوش
بمخالفة الأصحاب لها أمثال السيد المرتضى فلا يصلح التمسك بها, وخصوصاً مع ملاحظة
ما كتبه الشهيد الثاني في رسالته المطبوعة والتي أثبت فيها أن الشيخ الطوسي ادّعى
في عشرات المواضع الإجماع على مسألة معينة لكنه في كتاب آخر قال بعكس هذا الإجماع
الذي ادّعاه(3).
وكيف كان فان التمسك بالسيرة العقلائية بما
قدمناه يكفي في إثبات حجية قول الرجالي في تقييم الرواة.
ولو قيل: كيف يُستدل بخبر الرواة على كبرى
توثيقهم وهو ما يستلزم الدور.
قلنا: بان الأصل في الاستدلال على حجية قول
الرجالي هي السيرة العقلائية والتي تشمل أخبار الرواة بمعناها الوسيع وتأتي بعد
ذلك الأخبار تؤيد تلك السيرة في تمييز خبر الثقة عن غيره مع حصول الاطمئنان في
قوله.
(يتبع)
هوامش ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- قبسات من علم
الرجال, محمد رضا السيستاني, ج١, ص٢٠.
2- عدة الأصول, الشيخ الطوسي, ج١, ص٣٦٦.
3- إضاءات في الفكر
والدين والاجتماع, حيدر حب الله, ج4, ص73.
0 تعليقات