آخر الأخبار

جمال حمدان وعروبة مصر





جمال حمدان وعروبة مصر

نجم عبد الكريم

الواقع إن مصير العرب مصري حضارياً، كما أن مصير مصر عربياً سياسياً. فالعرب بغير مصر كالجسم بلا رئة، ومصر لا مستقبل عالمي لها خارج العرب.

ومصر بالذات محكوم عليها بالعروبة، ولكن أيضاً بتحرير فلسطين، وإلا فبالإعدام. فمصر لا تستطيع أن تنسحب من عروبتها حتى لو أرادت – كيف؟ - وهي إذا نكصت عن استرداد فلسطين العربية كاملة من البحر الى النهر وهادت وهادنت، خانت وحكمت عليها بالضياع، فقد حكمت أيضاً على نفسها بالإعدام، بالانتحار، وسوف تخسر نفسها ورصيدها الماضي، والمستقبل، والتاريخ، والجغرافيا.

لكن مصر، رغم ثلاثية النكبة والكارثة العظمى، لا يمكن أن تركع وتستسلم للعدو تحت أي شعار زائف أو ستار كاذب. ومصر مستحيل أن تكون خائنة لنفسها ولشقيقاتها، وليس فيها مكان لخائن أياً كان موقعه. ورغم كل شيء فإن كل انحراف حدث في مصر – الى زوال – وإن عجز الشعب، يفعلها التاريخ نفسه.

غير أن على مصر، كما على العرب، أن ترتفع وترتفع الى مستوى التحدي والمسؤولية: الأولى: بأن تعطي العرب قيادة عبقرية جديرة قادرة، لا قيادة قميئة عاجزة خائرة، والثانية: بأن تعطي مصر كل شحنة وطاقة من القوة المادية والمعنوية تدير بها الصراع. إن مصير مصر ومكانتها في العالم سيحددها مصيرها ومكانتها في العالم العربي، ومصيرها ومكانتها في العالم العربي سيحدده مصير فلسطين.
ثم يسترسل جمال حمدان بهذا التحليل القومي المتوهج.. والذي أشرت الى أجزاء منه في مقالتي (كامب ديفيد رأس الحية يا قادة مصر) فيقول:

ولقد خلق البترول العربي نمطاً جديداً، وقد كان ثانوياً مؤقتاً من توازن القوى السياسية داخل العالم العربي، وهذا الاختلال أثار وعرَّى كل كوامن الحساسيات الوطنية بين العرب، حتى ليوشك أن يتحول الى عامل تفريق للعرب بعد أن كانت مأساة فلسطين عامل تجميعهم. وبين هذا وذاك فإن فلسطين نفسها مهددة بخطر الضياع المطلق، ولكن كذلك مصر، فضلاً عن العرب عموماً.

فحجم مصر بين العرب مهدد في عصر البترول الخرافي بالتضائل النسبي (لا المطلق): الدخل القومي والموارد والانتاج، والموقع الاستراتيجي، وقناة السويس، والرقعة الزراعية، حتى عدد السكان.. الخ. وليس أمام مصر من فرصة ذهبية لاستعادة كامل وزنها وزعامتها إلا بتحقيق نصر تاريخي مرة واحدة والى الأبد بتحريرها فلسطين كاملة، تماماً كما فعلت مع الصليبيات والمغوليات في العصور الوسطى. ولن تصبح مصر قط دولة حرة، قوية، عزيزة، متقدمة، يسكنها شعب أبي كريم متطور إلا بعد أن تصفي وجود العدو الاسرائيلي من كل فلسطين. فهذا وبه وحده تنتقم لنفسها من كل سلبيات تاريخها وعار حاضرها. الى أن تحقق هذا فستظل دولة مغلوبة مكسورة راكعة في حالة انعدام وزن سياسي تتذبذب بين الانحدار والانزلاق التاريخي، دولة كما يصمها البعض شاخت وأصبحت من مخلفات التاريخ تترنح وتنزاح بالتدريج خارج التاريخ. وذلك – نحن نثق – لن يكون.

• ورد ذلك في صفحة (80 – 81 – 82) من كتاب شخصية مصر لجمال حمدان.


إرسال تعليق

0 تعليقات