آخر الأخبار

النهضة الفاطمية دراسة فى خطاب ناصر الزهراء (3)








النهضة الفاطمية دراسة فى خطاب ناصر الزهراء (3)



محمود جابر


الزهراء الفرقان الحي



كنا وما زلنا نعترف بعجزنا، عن أن نقترب من نور شمس النهار، وكبد الحقيقة القاصمة، والقاسمة، القاصمة لظهور أهل الباطل، والقاسمة بين أهل الرضوان، وأهل الطغيان، وما زال الشوق الجارف يحدو بنا مستنيرا بملهم الذكرى، وباعث النهضة من (( ناصر الزهراء)) ألتمس الخطى بحثا عن طريق مهاد ..


مفتشا عن مسحة طازجة وفارقة لكل ما اعتدنا سماعه، وقوله لصورتها التي تلمس الندى، بل هى مبعث الندى النقي، الطاهر الزكي سلام الله عليها من يوم خلق الله الخلق إلى يوم يبعثون يوم الفرقان ..


من وجوه المجتمعين المظلومين - منذ عقود طويلة-  المحتشدين فى ساحة العشرين معظمين شعائر الله، ومشيعين سر الكون الدفين، يبحثون عن فرقان يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام، وصاحب سبل السلام داعيا، ومتشح بالسواد، وباكيا حزينا مسهد، قلبه متحير بين حسرات عديدة، حسرة المعلم والمرشد والدليل المفقود، وحسرة الجموع المظلومة، وحسرة تفوق كل السابقات أنها مظلومية سيدة نساء العالمين ..


الجموع التى سجنت، وقُتلت، واستعمرت، واستبيحت بيوتهم وأموالهم وأعراضهم، يعيشون نفس اللحظة ونفس الإحساس يلتمسون " فرقانا" لا يسوى بين قاتل معتدى والمقتول، ولا بين ظالم ومظلوم، ولا بين السجان والمسجون، ولا بين الخائن والواقفين على التل، أولئك الذين لم يتقاسموا الأدوار لا فى لندن ولا صلاح الدين، ولم يغادره تحت أي ضغط وأي ترغيب، وخصوصاً أبناء العشائر الغيارى الذين حفظوا الهوية الثقافية والأخلاقية والاجتماعية لهذا الشعب الكريم وتكسّرت عند إرادتهم الصلبة كل مؤامرات تغيير معالم الهوية، وكان منها فتح أبواب العراق على مصراعيها في الثمانينات لملايين المصريين وغيرهم وزجّ أبناء العراق الشرفاء في أتون الحروب الصبيانية وبقي الشعب صامداً. وجاءت الانتفاضة الشعبانية المباركة عام 1991 لتكسر قيود الخوف والرعب ولتنطلق الحركة الإسلامية المباركة وتتعاظم، وكان للسيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) الأثر الكبير في هذه الحركة، أبناء السيد الشهيد الذين ثبتوا مع المرجعية الرشيدة حين فرح غيركم بسلطة زائفة زائلة[1].


من وسط تلك الجموع وهم يهتفون " لبيك يا زهراء".....


وإذا بالمذياع يحُث المجتمعين بالصلاة على محمد استقبلا للناصر وخطابه الفاطمي يوم 3 جمادي الثانية 1428هـ الموافق 19 حزيران 2007 .

فقال .... يوم الزهراء عليها السلام يوم الفرقان.

ولا يمكن لليعقوبى أن يتحدث عن ( فرقان الزهراء) دون أن يتطرق للبديهيات فى مظلومية الزهراء، تلك البديهيات المطموسة فى تاريخنا الإسلامي، والتي أسهمت إلى حدّ كبير في دثر الكثير من الحقائق من جهة وتزوير وتلفيق العديد من الحقائق من جهة أخرى، وذلك منذ البدايات الأولى التى سبقت مرحلة التدوين في العصر الأموي حسبما تقتضيه المصلحة للأنظمة السياسية الحاكمة آنذاك وبما يخدم توطيد أركانها في الحكم لأنّها كانت ترى أنّ نشر تلك الحقائق سيؤدّي إلى زعزعة الأوضاع وتأليب الرأي العام، ومن أجل ذلك قامت بالترغيب مرّة عن طريق بذل الأموال والعطايا على المدونين سواء كانوا من نقلة الحديث أم من رواته، وبالترهيب مرّة أخرى بالحبس والقتل والتشريد، ومن يتتبّع التاريخ الأموي والعبّاسي سيجد أمثلة حيّة على ذلك، وعلى ما قاله (( ناصر الزهراء) فى خطبة التشيع الرمزي الثانية .

ومن يقرأ هذه الفترة الحرجة من تاريخ المسلمين فإنّه سيرى بوضوح تزوير الحقائق، حيث نجد عدّة تيّارات متمثّلة بمدوّني الحديث والمؤرّخين وعلماء الرجال ومن يسير في ركابهم ممّن دوّنوا تلك المرحلة ، فالبعض حاول أن يطمس الأحداث ولم يتعرّض لها لا من قريب ولا من بعيد، كما أنّ البعض الآخر كان يزيّف ويحذف حسبما تشتهيه رغبته أو مصلحته، في الحين الذي كان يحاول بعض المؤرّخين تزويق الأحداث وتبرئة ساحة البعض بإيجاد الأعذار الواهية التي لا تتناسب مع سوء الأفعال .

وهذا ما رآه اليعقوبى واضحاً وجليّاً ومن هنا طرح موضوع خطبتها التي ألقتها على المهاجرين والأنصار، وما جاء فيها من الأدلّة الدامغة ما لا سبيل إلى إنكاره أو ردّه .

ومن يقرأ بتمعّن وتفحّص مفردات الخطبة سيجد ضالّته التي ينشدها بعيداً عن التعصّب المذهبي .

وعليه طرح اليعقوبى أمرين مهمّين تاركا للسامع والقارئ حرّية الحكم بما ذكرته كتب الصحاح والتواريخ .

فاليعقوبى بدأ بما جاء فى صحاح السنة والشيعة وما أجمعت عليه الأمة جميعا من حديث النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) .

فقد تواترت في كتب الصحاح عدد غير قليل من الأحاديث في مناقب وفضائل الزهراء(عليها السلام)، ومن يحاول الرجوع إليها سيجد أحاديث مسندة لا غبار عليها معتبرة مأخوذ بها، منها قوله (صلى الله عليه وآله) : " فاطمة بضعة منّي يؤذيني من آذاها"[2]، وعنه (صلى الله عليه وآله) : " فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني"[3].







[1] - خطاب المرحلة رقم (158). 14/ 2/2007.
[2] - صحيح مسلم 4/1903 ، مسند أبي عوانة 3/70 ، المعجم الكبير 22/405 ، وذكرته مصادر أخرى .
[3] - صحيح البخاري 3/1361 ، السنن الكبرى للبيهقي 5/97 ، المعجم الكبير 22/404 ، فضائل الصحابة للنسائي 1/78 ، وذكرته مصادر أخرى .

إرسال تعليق

0 تعليقات