آخر الأخبار

النهضة الفاطمية دراسة فى خطاب ناصر الزهراء (2)






النهضة الفاطمية دراسة فى خطاب ناصر الزهراء (2)

محمود جابر

تاريخ القيام الفاطمي من زاوية المفهوم عند الشيخ اليعقوبى، أي المعنى المتجسد فى الواقعة المادية، والذي يبدو وكأنه المحرك لكل تطور، ويسير على خط معلوم نحو الظهور والتجلي، ظهور القيادة الصالحة وتجلى القادم الموعود .. وقد اعتمد صاحب النص للوصول إلى أهدافه في الظهور والتجلي إلى طرق ثلاث :

-الأول: يرمي إلى الكشف عن منطق باطني بين سطور الحوادث قد لا تراه عين القارئ العادي أو المنحرف، ومن ليس لديه مفهوم لجملة الحوادث.

-الثاني: يقارن بين الوقائع، ويميز المهم عن التافه استنادا إلى مفهوم محوري يمثل قيم كلية مثل (العدل،المساواة ..).

-الثالث:يعتمد الاستقراء ولا يختلف عن التاريخ المقارن، ويتسم هذا النوع من الكتابة التاريخية بأنه يحاول الكشف عن قوانين تنطبق على كل الأمم، منطلقا من خطأ الجزئيات إلى تصحيح الرؤيا من خلال النسق العام وهذا العمل لا يقوم به إلا من كان خبيرا مدققا .

...لكن التاريخ لا يهم المؤرخ وحده، يهم المجتمع ككل،وهل يستطيع أن يحفظ الذكر من يجهل مزالق الفهم.

والنص محل الدراسة عبارة عن خطب سماحة المرجع اليعقوبى فى يوم (القيام الفاطمي) والذي يلقيه سماحته في ذكرى استشهاد الزهراء (عليها السلام) في 3 جمادى الآخر من عام هجري بدأ ذلك من عام 1427هـ، 2006م، وحتى آخر خطاب فاطمي 3 جمادى الآخر 1440هـ، 9/2/2019م، والخطاب يهدف للاحتفاء بنهضة السيدة الزهراء في مواجهة السقيفة وأصحابها الناكثين على بيعتهم لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومدخل هذا الاحتفاء هو التاريخ الذي بدا للبعض أنه لم يذكر هذه النهضة وهذا الدور، بيد أن الأمر من وجهة نظر اليعقوبى على العكس من ذلك تماما، ولكن يحتاج إلى قراءة منصفة ومدققة. قراءة بحث واستقراء وتحليل، لان اهتمام الإنسان بدراسة تاريخه وتدوينه، ينبع من وعيه بحاضره ومستقبله، الذي لا يتحقق دون وعى بماضيه، ومن هنا كان اهتمام اليعقوبى بدراسة وتحليل سيرة القيام الفاطمي.

وقراءة اليعقوبى لسيرة السيدة الزهراء على جموع المشيعين من كل عام ليس مجرّد سرد لأحداثٍ ووقائع؛ إنما هو دراسة وتحليل هذه الوقائع، ومعرفة السبب وراء حدوثها، وتأثيرها على الأمة، ودورها سلام الله عليها في صناعة مستقبل هذه الأمة؛ وهذا ما يعرف بفلسفة التاريخ التي تهتمّ بدراسة الوقائع دراسةً كليّةً، لتستنبط القوانين التي تحكم حركة المجتمعات وتقرأ دور الإنسان في صناعة التاريخ الذي هو ذات دلالة بالغة فى الحاضر والمستقبل .

يقول في خطابه الأول " إن احتفالنا بذكرى استشهاد الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء ليس إثارةً لتأريخٍ مضى وأصبح إرشيفاً، وإنما يعني الاهتداء لطريق الحق الذي رسمته ورضيت عنه صلوات الله عليها ما دام رضاها علامة على رض الله تبارك وتعالى ورفضها دليلا على غضبه سبحانه.

ويعني العودة إلى التوحيد الخالص والتحرر من عبودية الذات والأطماع والهوى والأنانية والمصالح وطاعة الطواغيت وتقديس السلف وغيرها من الأصنام التي تغلّ العقل والقلب عن الانفتاح على الحرية الحقيقية.

ويعني رفض الظلم والفساد والانحراف والتسلط على رقاب الأمة بغير حق.

ويعني الوحدة الحقيقية للأمة تحت راية القيادة الحقّة حيث قالت عليها السلام (وجعل الله طاعتنا نظاماً للملّة وإمامتنا أماناً من الفرقة).

ألا ترون إلى هذه البشرية الضالة التائهة التي مزّقتها الحروب وتفشّى فيها القتل، ونحن في العراق نفقد يوميا العشرات من الأبرياء ولم تنفع ألف مصالحة وطنية ومؤتمر للوفاق وآخر للحوار ومؤتمرات للوحدة وغيرها من الأسماء والمسميات الخاوية لأنها غير مبتنية على أساس صحيح؟ ولأنها لا تصدر عن نوايا صادقة ولا تراعي المبادئ الإنسانية العليا، وإنما تُقَنن لترعى المصالح الشخصية والفئوية وترسخ الأنانيات وتحكّم شريعة الغاب حيث لا مكان إلا للعنف والعدوان والظلم"[1].

أما وصفنا اليعقوبى المرجع بـ (المؤرخ)، فى هذه المقدمة لأنه يعيد قراءة تاريخ وسيرة السيدة الزهراء ولكن هذا العمل ليس مقصودا لذاته بقدر ما هو انتصار لسيدة نساء العالمين لهذا فقد وصفناه فى عنوان وفصول هذه الدراسة بـ (ناصر الزهراء) وهو وصف يستقيم مع الحال، وهو عين المقال، لأن السابقين قعدوا عن تشيع جنازتها، وما حرم من جنازتها الأولى والتالية إلا كل محروم، وما حرم من القيام بحقها، والتذكير بوصفها إلا كل جاحد، ولما كان المؤمنين عليهم أن يتذكروا وان يحيوا الأمر الذي طالبهم به أئمتهم الأطهار بقولهم " رحم الله من أحيا أمرنا" وهل أمر الإسلام إلا فاطمة (!!)... من هنا أطلقنا عليه وصف (( ناصر الزهراء )).

أما عملنا في هذه الدراسة فهو شرح وتفصيل ما أجمل في الخطاب، واستخلاص العوامل والروابط بين كل هذه الخطابات البالغ عددهم أربعة عشر خطابا، وكافة خطابات المرحلة المرتبطة بالخطاب الفاطمي، وبيان الأبعاد الإستراتيجية فيهم، وكشف الإشارات  والتوجيهات التي حوتها تلك الرسائل الإعلامية التي لا أظن أنها كانت موجهة لعشرات الآلاف أو المئات الذين حضروا من أهل العراق، ولكن أراد اليعقوبى من وراء هذه الخطابات أن يبعث برسائل لملايين المسلمين فى أرجاء المعمورة، لإبلاغ رسالته التي هي رسالة آل البيت (سلام الله عليهم)، وربما يرجع السبب فى هذا التقصير لمناخ الاستقطاب الذي يتعامل مع القول ليس من باب القول ذاته ولكن من باب من القائل (!!)، وربما حدث بعض التقصير الإعلامي من البعض، ونحن من خلال هذا العمل نحول تحريك المياه حول هذا النص الذي حوي دروسا عظيمة وتوجيهات يحتاجها الجميع ليس في العراق وحده ولكن في كل أرجاء العالم الإسلامي، ولا أبالغ أن أقول هذا النص يحتاجه كل إنسان شريف يبحث عن العدل ويرفض الظلم ويريد أن يتعلم دروس المستقبل .

الخطاب نصاً وتحليلاً قصد منه كل هذا, وكل ما نرجوه منك عزيزي القارئ أن تدرسه وتقرأه بعيداً عن أجواء الاستقطاب والاحتراب الذي لا طائل من ورائها إلا تمزيق أمة أراد الله لها الوحدة والاتحاد حتى يقضى الله أمره ...




[1] - فاطمة الزهراء ميزان الحق ... خطاب سماحة المرجع اليعقوبى فى يوم الخميس 3/جمادى الثانية/1427 المصادف 29 / 6 / 2006. اليعقوبى الموقع الرسمى .





إرسال تعليق

0 تعليقات