آخر الأخبار

مناقشة أصولية عالية: حجية العقل (4)






مناقشة أصولية عالية: حجية العقل (4)

علي الأصولي

المقصد الأول في المستقلات العقلية

المستقلات العقلية التي يدور حولها البحث في الاستكشاف عن الأحكام الشرعية، منحصرة في مسألة( التحسين والتقبيح العقليين ) وهي المصدر الوحيد لمرجعية المستقلات العقلية،

والبحث في هذه المسألة بالأصل ليس بحثا أصوليا بل يتعلق بالجانب والبحث الكلامي، إذ هي من مبادىء علم الكلام وقد بحثت هناك لارتباطها بمبحث العدل الإلهي وتعليل أفعال الله وتعلقها بالأغراض ونحو ذلك مما له صلة وهذه المسألة،

نعم أقحمت مسألة التحسين والتقبيح في الأصول لصلتها الوثيقة بمبحث الدليل العقلي، أو العقل كدليل وعلى اي حال المسألة لا تمهد لاستنباط الحكم الشرعي أو قل لا تقع في طريق الاستنباط الحكم الشرعي حتى يصح عدها مسألة أصولية بحته،

وكيفما كان : لا كلام بأن الحكم أولا وأخيرا لله وصريح قوله تعالى ( ان الحكم إلا لله ) من الوضوح بمكان، وعليه إجماع أهل القبلة،
والاختلاف في طريق نفس المعرفة هل الشرع وحده كاف لبيان الحكم الشرعي أم للعقل قابلية لبيان ذلك ولو على نحو الاستكشاف، وغيرها من الأسئلة التي لا تتضح معالمها إلا بعد تفصيل مسألة التحسين والتقبيح العقليين،

عرض المطلب وتحرير محل الأشكال:

الأفعال بما هي هي ، أو بحسب ذاتها أو ذواتها هل تتصف بجهات الحسن والقبح ؟

وهل للأفعال قيمة ذاتية في نظر العقل ؟ بصرف النظر عن حكم الشرع ، أو ليس لها أي قيمة ؟

أو أن القيمة هي ما أضافه الشرع لهذه الأفعال، حيث هو المعيار في التحسين والتقبيح، وعلى فرض القيمة الذاتية هل للعقل الإدراك بعد فرض استقلاله التلازم بين حكم الشرع وحكم العقل، وعلى تقدير الملازمة فهل يمكن إثبات الحكم الشرعي ويكون حجة بالتالي على الفرد ؟  وغيرها من الأسئلة التي من خلالها يتم الوصول للمطلوب،
المبحث الأول:

المقام الأول : معنى الحسن والقبح وتحرير محل النزاع:

التحسين لغة من الحسن، وهو الجمال، أما التحسين فهو الحكم بالحسن، وضده القبح كما في اللغة والتقبيح هو الحكم بالقبح، - القاموس المحيط بتصريف – ولا يختلف المعنى الإصلاحي عن المعنى اللغوي،

وأما الاطلاقات لهذين اللفظين فهو على معان ثلاثة:

الأول: الحسن صفة كمال كالعلم والشجاعة، والقبح صفة نقص كالجهل والبخل، أو قل كل ما كان راجعا للكمال النفسي الإنساني فهو حسن وكل ما كان راجعا للتسافل النفسي الإنساني فهو قبح، وعلى هذه الضابطة فالأفعال وأضدادها يقعان للوصف اختيارا وعلى هذه الإطلاقات فلا نزاع في الحسن والقبح في هذا المعنى .

الثاني : يطلق الحسن والقبح على الطباع منها الملائمة ومنها المنفرة، فالحسن على هذا الإطلاق أو المعنى، ما يلائم ويوافق الطبع والغرض؛ والقبيح ضده، وبهذا المعنى فالأفعال والصفات لهما مدخلية في تحديد الطبائع الملائمة والمنفرة كالصوت الحسن من الصوت القبيح، أو المنظر الحسن والمنظر القبيح، وأساس الحكم بهذا المعنى هو النفس وميولاتها وما يوافق الغرض والمصلحة والابتعاد من جلب المفسدة،

ولذا عبر جملة من الباحثين عن هذا المعنى بالمصلحة والمفسدة، وكيفما كان ، الحسن والقبح بهذا المعنى ليس لهما واقع خارجي بل إدراكهما متوقف على وجود المدرك وذوقه والذوق مختلف باختلاف الانظار والأذواق،

والأحكام في هذا الفرض هو مسرح للنسبية فما نراه قبيحا قد يراه الآخر جميلا وما تراه أنت مصلحة أراه أنا مفسدة وعلى هذا فقس؛ وهذا المعنى النسبي لا نزاع فيه أيضا فلا أجد من يقول ان إدراك الحسن والقبح بهذا المعنى متوقف على بيان الشارع وتقريره،

الثالث : وهو محل النزاع بين الأشاعرة والعدلية؛ وهو ما يستحق فاعله المدح وما يستحق الذم والأول حسن والثاني قبح ، الفعل الذي يستحق فاعله المدح والذم عقلا كالعدل والظلم، ومقولة الاستحقاق متأخرة رتبة على العلم بطبيعة الحال فلا تعرف استحقاق المستحق مدحا أو ذما إلا بعد العلم بالفعل قالت العدلية العقل هو الذي ما يناط به العلم والإدراك لهذا الفعل أو ذاك مدحا أو ذما، وخالفهم الأشاعرة حيث لم يتقبلوا هذا التقرير وعلقوه على بيان وتقرير الشرع أولا،
إذن: النزاع بين الفريقين مداره الايجاب الجزئي والسلب الكلي، أصوليو الشيعة يذهبون إلى إستقلال العقل بإدراك هذا وقد لا يستقل العقل بإدراك ذاك؛  كحسن الصدق وقبح الكذب وكحسن صوم آخر يوم من رمضان وقبح صوم اليوم الذي بعده ، واتفق معهم الاتجاه الاعتزالي، وخالفهم الأشاعرة بالسلب الكلي كما نوهنا، وعلى هذا الإطلاق دارت الأبحاث الكلامية.




إرسال تعليق

0 تعليقات