آخر الأخبار

الفاطميون ... ودورهم فى جهاد البيزنطيين والصليبيين (الجزء الثانى)







الفاطميون ... ودورهم فى جهاد البيزنطيين والصليبيين (الجزء الثانى)



محمود جابر

فى الحلقة الماضية تحدثنا عن أهل الفاطميين وعن نشأت الحركة وتطورها وقيام الدولة الفاطمية .... واليوم مع حلقة جديدة عن رد الشبهات ... وجهاد الفاطميين ..


هل الفاطميون كانوا يضطهدون أهل السنة ولا يولونهم المناصب ونصبو الأقباط المسحيين على حساب أهل السنة المصريين ؟

لابد أن نقرر انه على الرغم من الحماس للدعوة في عهد الفاطميين فان الدولة لم تجبر احد على التحول من المذهب السني إلى المذهب الشيعي، أو أنها تعصبت ضد المذاهب الأخرى، وثبت من الدراسات التاريخية وكتب المؤرخين أن كثيرا من القضاة ورجال الدولة كانوا على المذهب السني وخاصة المالكي والشافعي، وقد لاحظ القلقشندى ذلك: إن مذهبي المالكية والشافعية، كانا ظاهرا الشعار في زمن الفاطميين، بحيث أصبح وجود المذهبين الكبيرين معا في ارض مصر تجربة رائدة ".

وثمة أيضا ما يجب أن نذكره هو انه ليس لدينا نصوص صريحة تؤيد أن السب كان فاشيا في عهد الفاطميين، وذلك على عكس ما كان من قبل في عهد العباسيين والأمويين، الذين كانوا يلعنون عليا (سلام الله عليه) من فوق منابرهم. فحينما جاء المعز مصر، لم يلعن لاعنيه، إنما كتب على سائر ألاماكن بمدينة مصر:" خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أمير المؤمنين على بن أبى طالب عليه السلام".

وفى زمن الحاكم حين اقبل الناس على التشيع، وتركوا المذهب السني اخذ بعضهم من أنفسهم يسب الصحابة ومن تقدم على أمير المؤمنين على بن أبى طالب ومن خالفه وحاربه وباينه، فجهروا بلعنهم على المنابر، وكتبوا على الحوائط وسموهم بأسمائهم، وهم عائشة، وأبو بكر وعمر وعثمان، وطلحة والزبير، ومعاوية وعمرو بن العاص، وغيرهم من العباسيين. ويؤيد المقريزى ذلك بقوله: إن هذا اللعن كان من رأى جماعة من المصريين، الذين كتبوا بالاضباغ في سائر المواضع على أبواب الحوانيت والبيوت وسائر المساجد، وعلى المقابر أو حتى في الصحراء مبالغة. والواقع أن الحاكم لم يكن مسئولا عن لعن السلف وسبهم في عهده، وعلى النقيض كان يأمر بمحوه ، ويؤدب بالعقاب من يسبهم إلى حد قتله . وينقل عن الحاكم قوله: لا يسب السلف لقول بعض آبائه الأئمة، ولا تكونوا سبابين ولا عيابين ". وقد اثبت التاريخ والمؤرخون سجلا أصدره الحاكم، ليقرا في كل مكان على جميع الناس في رمضان 398هـ، يظهر فيه منع سب الصحابة.

·       طريق الجهاد الفاطمي بداية من مصر

مصر الفاطمية. لما كانت مصر مفتاح الطريق إلى الحجاز والحرمين الشريفين، فقد ظلت حلمًا يراود الفاطميين بعد أن أقاموا دولة في تونس عام 297هـ، 909م وقضوا على أسرة الأغالبة التي حكمت المغرب الإسلامي نيابة عن العباسيين. وما أن استقر جوهر الصقلي في مصر حتى شرع في بناء القاهرة لتصبح حاضرة للدولة بدلاً من المهدية (المنصورية) القريبة من القيروان. انتقل المعز إلى القاهرة ليؤمن حكم مصر ويكون قريبًا من الحجاز وليوقف تقدم القرامطة الذين وصلوا وقتها إلى حدود مصر الشرقية. إلا أن المعز لم ينعم بعاصمته الجديدة طويلاً إذ توفي بها بعد ثلاث سنوات ليخلفه ابنه العزيز.

توفي العزيز في الشام سنة 386هـ وهو يحارب البيزنطيين، فخلفه ابنه الحاكم بأمر الله الذي ساد الأمن في أيامه، إلا أنه عرف بأنه كان حاكمًا متزمتًا ورجلاً قوى الشخصية. وهو صاحب القصة التي تقول إنه خرج ذات ليلة من قصره ولم يعد بعد ولم يعثر له على أثر. جاء بعده ابنه الظاهر الذي تولت عمته ست الملك الولاية لبعض الوقت وصية عليه. وقد أظهرا مقدرة في إدارة الدولة وتطويرها ورخائها. إلا أن عهد المستنصر من بعدهما ـ الذي دامت ولايته ستين عامًا ـ كان فترة تدهور اقتصادي هائل سادت فيه المجاعات والخوف والنهب والأمراض. ثم ما لبث الجند أن قفزوا إلى السلطة وتنازعوا فيما بينهم حيث ساندت طائفة منهم بعض أبناء الخلفاء دون آخرين، وبذلك دخلت البلاد في ما يشبه الحرب الأهلية.
في هذه الأثناء ظهر الصليبيون على حدود الشام واحتلوا القدس والتقوا بالجيش الفاطمي في عسقلان. وكان طبيعيًا والدولة الفاطمية يمزقها الخلاف والتناحر أن ينهزم جيشه وتسقط الشام بكاملها. في ذات الوقت كان السلاجقة لا يزالون يتربصون بها. واستغل ولاة شمالي إفريقيا ما صارت إليه حال الدولة فاستقلوا بولاياتهم. إزاء ذلك اهتزت سلطة المركز وتناحر أبناء الخلفاء كلٌ يطلب دعم قوة أجنبية.

شهدت البلاد في العصر الفاطمي نهضة حضارية عمت مختلف جوانب الحياة. فقد تمَّ بناء الكثير من القصور لتكون مقرًا للخلافة والخلفاء كالقصر الغربي والشرقي وقصر اللؤلؤة في القاهرة. وشيد عدد من الجوامع كان الأزهر الذي افتتح فيها 361هـ، 971م هو أهمها. وفي فترات الازدهار الفاطمي طُوِّرت أساليب الزراعة فزادت الرقعة المزروعة وشقت الترع. كذلك شهدت البلاد نهضة صناعية شملت صناعة النسيج والمعادن. وازدهرت التجارة مع الحجاز
عبر البحر الأحمر حيث أصبح ميناء عيذاب مركزًا تجاريًا مهمًا ونقطة اتصال بين تجارة مصر وتجارة الشرق. أما في مجال الإدارة فقد عرف هيكل الدولة عدة دواوين (وزارات) تتولى كل منها إدارة جانب معين: الجيش، الشرطة، بيت المال، القضاء. كذلك بنى الفاطميون جيشًا قويًا وأسطولاً بحريًا ضاربًا إلى جانب أسطولهم التجاري الذي وصل إلى عدن على البحر الأحمر وصقلية في البحر الأبيض المتوسط. ثم أقاموا الحدائق العامة ورصفوا الشوارع ونظموا الاحتفالات والمهرجانات في المناسبات الدينية. وشهد عهدهم نهضة علمية كبيرة فسرعان ما حولوا الجامع الأزهر الذي انشأ وه لنشر تعاليم المذهب الشيعي، إلى جامعة وزودوه بمكتبة هائلة.

* الفاطميون وعقيدتهم في الجهاد:

ينطلق الفاطميون من مسلمة عقائدية، هي أن الله قد اختارهم ليحكموا الأرض كلها، أو على الأقل أن يكون لهم السيطرة على الاراضى الإسلامية.

والجهاد عنصرا من عناصر السياسة الفاطمية الحربية وهو بطبيعة الحال يكون ضد الدول غير المسلمة. فهذا المبدأ الذي أعتبره السنة ضرورة، فإن الشيعة اعتبرته من دعائم الإسلام وذروة سنامه.

أن الذي دفع الفاطميين إن يتمسكوا بالجهاد هو أن خلفاء المشرق كانوا قد أهملوا، فكان الخلفاء العباسيون يلجأ ون إلى الهدنة مع أعداء الإسلام، يتقربون منهم، ولاسيما مع البيزنطيين أو الروم، عدوة الإسلام الأولى في ذلك الحين، حيث عرف ملكهم طاغية الروم. بل إن ضعف العباسيين، جعل هؤلاء يقيمون بينهم وبين هؤلاء دولة حاجزة، تقوم بالجهاد لحسابهم، وهى الدولة الحمدانية، التي قامت في منطقة الثغور الشامية، وهى الأسرة التي تولت أمرة الأمراء في بغداد. وقد استفاد الروم من ضعف العباسيين، وعملوا على استعادة أملاكهم القديمة، التي كانت في الشرق قبل الفتوحات الإسلامية، فقد كانوا يعتبرون أنفسهم حراس المسيحية في الشرق، بل إن هذه الدولة منذ نشأتها، كانت تعتبر إمبراطورها هو البابا. وخصوصا إن الروم قد سوا مشاكلهم مع جيرانهم من الروس والبلغار، بحيث أن غارات الروم في بلاد الإسلام وقت ظهور الدولة الفاطمية، أصبحت تمثل خطرا شديدا على بلاد الإسلام، واتخذت مظهر نزاع ديني بين المسيحية والإسلام، وهو الذي تطور إلى ما عرف بالحروب الصليبية. معنى هذا أن الثغور الإسلامية، لم يعد فيها عاصم من هجمات الروم غير الدولة الحمدانية، وهذه كانت وسائلها محدودة في المقاومة. لذلك كان من أسباب مجيء الفاطميين إلى مصر، هو جعلها قاعدة عسكرية لصد هجمات الروم ضد بلاد الإسلام في الشرق، على حسب قول المؤرخ ابن تغرى بردى، هو استيلاء الروم على الشام، وكان المعز نفسه لما جاء إلى الإسكندرية، يلمح بالكلام عن حرب مقدسة ن مع جماعة من الفسطاط أتت لاستقباله، فقال: إنه لم يسر لا زياد في ملك ولا رجال، ولكن للجهاد، ويقصد الجهاد ضد الروم. وحينما كان المعز في المغرب، قبل أن يأتي إلى مصر، حث الإخشيد على الجهاد ضد الروم، الذين استولوا على إقريطش – كريت – وحولوها من مسلمة إلى مسيحية، من يومئذ إلى الآن. ولدينا وثيقة بالعربية، تبين تبادل المراسلات بين ملك الروم رومانيوس والإخشيد، بقصد تصريف التجارة، وحتى قبل الإخشيد كان ملوك الروم يراسلون خمارويه. فضلا عن أن الفاطميين قاموا بالجهاد ضد الروم وهم في المغرب، بما كانوا يرسلون من أساطيلهم في البحر الأبيض.

وكان عصب الجهاد عند الفاطميين، مثلما كان عند غيرهم من حكام مصر المستقلة، هو جعل قاعدتها مصر والشام ( الإقليم الشمالي والإقليم الجنوبي ). ويعتبر الفاطميون أول من عمل على الوحدة بين الإقليمين في التاريخ الإسلامي، وذلك على الرغم من الدسائس التي كان يقوم بها أعداء هذه الوحدة من العباسيين في بغداد، أو من عرب الشام أنفسهم، أو حتى من عرب الحجاز، بحيث إن جميع خلفاء الفاطميين قاتلوا من اجل الإبقاء على وحدة مصر والشام. والدليل على تمسك الفاطميين بوحدة الإقليمين، توحيد العملة، وجعل ميزانيتهما واحدة، وتوحيد نظام القضاء وغيره من نظم الدولة.و أكثر من ذلك، نشر دعوتهم في الشام على نطاق واسع، وهى الدعوة التي لا تزال باقية حتى الآن، على الرغم من زوالها نهائيا من مصر. فقد كانت وحدة مصر والشام ن هي الأساس لما يجب أن يكون عليه الحال، كما دق ناقوس الخطر، من قبل أعداء الإسلام.
كما لأننا يمكن أن نقول أيضاً، إن موقع مصر الجغرافي كان يتدخل بالضرورة لرسم سياسة الفاطميين الحربية والدفاعية.حقا إن العالم الذي يحيط بمصر قد تغيير، فهو لم يعد عالما بابليا أو أشوريا أو مسيحيا، وإنما هو عالم إسلامي يرتبط بعضه ببعض بدين واحد ولغة واحدة، ومع ذلك، فأن موقع مصر المحوري كان يتدخل دائما في السياسة الحربية والدفاعية لحكام مصر، بصرف النظر عن التغيير الذي يحيط بمصر. فهو يجعلهم يتجهون دائما إلر الشرق ن أكثر من الغرب، وذلك لوجود عوائق طبيعية في الغرب غير موجودة في الشرق. ونلمس هذا الاتجاه في سياسة حكام مصر المسلمين، أنصاف المستقلين، من الطولونيين والإخشيديين، وذلك قبل مجيء الفاطميين من المغرب، وعلى العكس فان حكام مصر الإسلامية لم يهتموا اهتماما كبيرا بجنوب مصر في السودان، مع انه كان الشغل الشاغل لحكام مصر القدامى ن وذلك لان السودان بقى مسيحيا في العصور الوسطى، ولم يشارك المنطقة في أسلامها واستعرابها.

ونستطيع إن نلمس القوة في تحقيق أهداف السياسة الحربية الفاطمية غلى النصف الأول من حكم الفاطميين في مصر، وبالتحديد ألي ولاية الإمام المستنصر بالله، وهو الخامس من الأئمة الفاطميين.

* صقلية والجهاد في جنوب أوروبا

إذا تكلمنا عن جهاد الفاطميين لابد أن نذكر صقلية، وصقلية جزيرة مثلثة الشكل، مقابل الساحل المغربي، وقد سعى المسلمون إلى السيطرة عليها منذ أن فتحوا المغرب، وقدروا أهميتها الجغرافية، ولاسيما أن الروم كانوا قد انسحبوا إليها بجيوشهم من المغرب، واتخذوا من موانيها قواعد للقرصنة، وانشأوا فيها مخابئ لمراكبهم، ولكن لم يتيسر فتحها، إلا في عهد الاغالبة، وهى التي استقلت بافريقية ( تونس )، قبل مجيء الفاطميين.

حين أسس الفاطميون دولتهم في المغرب بعد القضاء على الاغالبة، استولوا على صقلية ومالطة وقلورية، عن طريق مؤيديهم من البربر، كإرث عن دولة الاغالبة، وأدرك الفاطميون أهمية هذه الجزيرة في الجهاد، الذي وجدوا انه دعامة من دعائم الإسلام والعقيدة عند الشيعة.

وقد ترددت أحاديث نبوية، نقلب عن الأئمة الفاطميين أنفسهم عن أخذ رومية، وهى غير الأحاديث النبوية التي ترددت عن أخذ القسطنطينية، وأن أخذ رومية يكون على يد المهدي الفاطمي المنتظر، ولا ريب فقد احتلت رومية مركزا مهما في أوروبا، بسبب اعتمادها في نفوذها على الفرنجة، الذين أصبحوا منافسين أقوياء للروم، في ميدان الزعامة على المسيحية.

وفى الواقع أن الفاطميين، استطاعوا أن يجاهدوا جهادا عظيما من خلال صقلية، فقد كانوا يغزون مدنا رومية في صقلية، كما أرسلوا حملة بقيادة سالم بن راشد ثبتت سيادتهم في قلورية. كذلك استطاعوا غزو السواحل الإيطالية، ففتحوا جنوا في 333هـ / 945م، وكذلك قورسقة وسردانية ن كما وصلوا ساحل الريفييرا، وهو الذي عرفه العرب باسم: البر الكبير من العدوة الشمالية، والعدوة هو المكان المتباعد. ويصف لنا ابن هانئ الشاعر الأسطول الفاطمي في عهد المعز بقوله:

عليها غمام، مكفهر صبيره ** له بأرقات جمة ورعود
إذا زفرت غيظا ترامت بمارج ** كما شب من نار الجحيم وقود
فأفواههن الحاميات صواعق ** وأنفاسهن الزافرات حديد
وحافظ الفاطميين على صقلية أيما محافظة، وذلك لاستمرار الجهاد، والذي جعل أمور الجهاد تسير بنشاط، هو وجود دور صناعات السفن في مصر، حيث أن نواة الأسطول الفاطمي الكبير نشأت في مصر على يد صناعها المصريين، والمعز نفسه أنشأ دار صناعة في مكان على النيل اسمه، المقس، كان من اكبر دور الصناعات البحرية، إذ كان يتسع لستمائة سفينة، ولم ترى مصر مثل هذا العدد من السفن من قبل. وكان لهذا الأسطول ديوان يسمى: " ديوان الجهاد " ، ورجاله يسمون المجاهدون في سبيل الله "ن وكان الخليفة / الإمام يقوم بوداعهم بنفسه ويوزع الخلع والألقاب في حفل وداع مهيب ، وكان هذا الأسطول الفاطمي في مصر هو الحارس لصقلية الإسلامية العربية الفاطمية .

ولقد بقيت صقلية قاعدة للجهاد في أوروبا حتى بعد العزيز وإثناء حكم الحاكم، بفضل أسلوبه الرائع والماهر في إدارة شؤون الإمامة.
لكن سرعان ما تبدلت الأحوال بسبب التآمر من جانب الانفصاليين المغاربة والبربر، الذين استغلوا الأزمات التي تمر بها الدولة الأم في مصر فراح احدهما يعلن الاستقلال والأخر يتحالف مع الفرنجة والنورمان إلى أن ضاعت صقلية من أيد المسلمين .



إرسال تعليق

0 تعليقات