آخر الأخبار

في انتظار عمرو






في انتظار عمرو

خالد الأسود

نمت القدرة الاقتصادية للشريحة العليا من الطبقة الوسطى وتفجرت طموحاتها في الثلث الأخير من زمن مبارك..

لم يكن نموا مستحقا نظير جهد أو مهارات؛فقط لأن الدولة لعبت اقتصاد السمسرة والفهلوة ببراعة، مجموعة جمال مبارك كانت عبقرية على طريقة الريان والسعد..

 اقتصاد السمسرة وبيع الأصول، وتسقيع الأراضي، وشعوذة القروض خلق مهنا طفيلية بأجور خيالية، كونت شريحة منسوبة للطبقة الوسطى الحقيقية التي بدأ دمارها في زمن الرئيس المؤمن كبير القرية..

تلك الشريحة تربت في الأساس على شرائط الشيخ كشك ومجموعته من شيوخ الصحوة الدينية..

تلك الشريحة تشبعت بثقافة الموت، ارتاحت عقولهم لتحريم الحياة والفن والجمال والمتع والمرأة والحداثة والحريات..

  مع تغير أوضاع تلك الشريحة الاقتصادية أصبحت المحرمات ميسورة، ماكانوا يرتاحون لتحريمه وهم عاجزون أصبحوا لا يستطيعون الاستغناء عنه وهم قادرون ..

 صار ظهور رجل دين مثل عمرو خالد وأشباهه حتما يحتاجونه ليبرر لهم الحياة الجديدة ويلفق بين قناعاتهم المظلمة والحياة التي فتحت لهم أبوابها..
كان أبناء تلك الشريحة في حاجة إلى هذا النوع الجديد من الشيوخ والدعاة..

 نوع يحلل لهم الرفاهيات الجديدة عليهم:  الكافية والنادي بما يرضي الله والشيشة والحشيش بديلا للكحول والبيرة..

نوع من الشيوخ يخترع لهم الحجاب الإسبانش، والسوارية بالبودي كارينا، يسمح للمراهقين بالشقط الشرعي في جمعيات صناع الحياة ورسالة بما يرضي الله..

 كانوا بحاجة لمن يمدهم بلغة دينية يواجهون بها المد السلفي وأفكاره التي تجعل كل المتع (التي أصبحت متاحة ميسورة لهم فجأة) حراما ورجسا..

مجرد وجوده ببدلته وقميصه وسرسعته المصطنعة خلق لهم السلام النفسي المطلوب، ليتمتعوا بالحياة والفن والجمال وهي أشياء يرفضها عقلهم الباطن دينيا..

منحهم الغفران بكلمات يرددونها:
جزاك الله خيرا..
الله الموفق..
جمعة مباركة..
اسمي فلان إن شاء الله..
أحسبه عند الله..
البقاء لله..

وفي نص الكلام الجملة المدمرة للإنسانية(أحبك في الله).

مئات الأدعية التي بمجرد ترديدها يغسلون كل الذنوب ويكتسبون أطنان الحسنات، حتة قماش فوق الرأس تُدخل الأسرة بأكملها الجنة..

انتشر الفن النظيف، الأدب النظيف، الرقص ببدلة شرعية..

ارتاحت أعصابهم، اتفقوا جميعا على الخضوع، تعاهدوا على عدم التفكير، قدسوا السطحية، والإفيهات.

تلك الشريحة من الطبقة المتوسطة غير مهمومة بالحقيقة أو العدل أو الفضيلة، تفضل أن يحترق العالم ويظلوا يمارسون الشوبنج.

هؤلاء يحملون نفس فيروسات داعش، ولكنهم يريدون كل مكتسبات الحداثة والاستحقاقات الإنسانية..

 يوفقون ويلفقون بين أفكارهم من ناحية وبين أشواقهم للحياة بأية لغة دينية وأية مظاهر سطحية.

الطبقة دي انحازت إلى ٣٠ يونيه؛ لأنهم لا يتحملون أن تتجسد أفكارهم (الداعشية) واقعا يعيشونه، هم يؤمنون بها ويعتنقونها وفي نفس اللحظة يعيشون ضدها في ازدواجية غير نبيلة، يستخدمون جميعا كل الحيل النفسية من إسقاط وإنكار وإعلاء على طريقتهم الخاصة وأبدعوا حيلا لم يعرفها علم النفس بعد.

هؤلاء هم داعش الحقيقية، هم قلبها الصلد، زخمها الدافع..

 هم العمق الاستراتيجي للإخوان والسلفيين، ولكن أقل شرفا ووضوحا..

 يرفضون أي تنوير حقيقي، يتمسكون بظلامهم، يبحثون عن أية لغة دينية أو مظهر ديني يمنحهم صكوك الفضيلة والإيمان، يبلونا بعمرو خالد وحسني ومسعود وأشباههم في بحثهم غير  النبيل.

يقدسون مشاعرهم السوقية المبتذلة بهمجية تجاوزتها الحضارة، هم المتصالحون مع ذوي العمامات جميعا، ولا ينتظرون الخير من غيرهم.

هم متفقون مع المجموعة الخاطفة الأزهر حاليا، يرون أنفسهم ضحية للإرهاب لا صناعا له، مقتنعون أنها مؤامرة صهيوصليبية ماسونية روتارية خزعبلية تتلاعب بعقول المغيبين ولم يسألوا أنفسهم لماذا لم يتلاعب أحد بياباني أو هندوسي أو صيني..

يصدقون أنهم أنقياء لأنهم يمثلون الفضيلة ببلاهة ويرجمون العاهرة طيلة النهار ليتتبعوها طوال الليل في الخفاء..

 يرضيهم الحديث عن الحروب الصليبية في القرن العاشر والحرب العالمية وينتشون باسم جماعة كلوكس كلان والروهينجا.. يصدقون أن الخطر في الملحدين والشواذ وكأنهم هم أصحاء..

توليفة السلفية والأخونة بقليل من عمرو خالد تناسبهم أكثر من الإسلام الحقيقي..
لايرضون أن يقيموا العدل حقا، لا يطيقون الفضيلة، لا يستطيعون الصدق، لا يتحملون أن ينظروا في مرآة الحقيقة ليروا الكائن المشوه بالجهل والاستعلاء وعدم القدرة على تلقي الفن والأفكار، لا يتحملون أن يقروا أنهم مخلوقات شهوانية مريضة بالعجز..

ولو أقروا واعترفوا لسهل العلاج.

يصرخون كل لحظة بصوت يسرسع كصوت صانعهم: إحنا حلوين إحنا كيوت، يضخمون المظاهر ليخفوا رفضهم للجوهر، ينتظرون بشبق عمرا خالدا آخر يظبط لهم الخطاب الديني وياريت يظبط لهم الطرحة معاه.

إرسال تعليق

0 تعليقات