الإسلام والدولة (2)
السلطة السياسية.. بين
ارادة الله واختيار البشر
عز الدين محمد
إنّ تصور أنّ سلطة شخص ما تأخذ شرعيّتها من الله هو خطأ كبير، بل وخطير. وهو
خلط غير مبرّر، لأنّ هناك فرقا بين ما يكون تحديده بالنص من الله، وما يكون
باختيار الناس وإرادتهم. هناك دوما من يخلط بين الأمرين، وذلك لأنّ النبيّ (ص) هو
نبيّ وأيضا هو رئيس دولة، وعليه يمكن أن تجتمع السلطتان معا وبنفس الكيفيّة.
لكن صحيح ان النبي (ص) جمع السلطتين فعلا، الا ان قيادته السياسية لم تكن
مثل سلطته الدينية، ويمكن هنا ان نلحظ
امرا هاما جدا قل من التفت اليه، وهو انّ هناك فرقا بين السلطتين من حيث المصدر. وذلك
أنّ النبوّة هي أمر من الله ليس للبشر تدخّل فيه بنحو ما، لذا لم تتوقّف نبوّته
على رضا شخص أو جهة أو عدم رضاها، ولم يكن هناك شورى مثلا للاعتراف أو عدم
الاعتراف بذنبوته.
أما منصب السياسة، فأنت ترى الأمر
مختلفا تماما حيث أنّ النبيّ (ص) لم يمارس سلطته السياسيّة إلا مع البيعة، لم
يبايع النبيّ (ص) الناس على أمر نبوّته، لكنّ الأمر اختلف في السياسة وإدارة أمور
الخلق، فلا بدّ من وجود تفويض على ذلك.
لقد كان هناك تأكيد في القرآن الكريم على مشاركة الجمهور في السياسة، واختيارهم
للسلطة، ليس بالشورى وابداء الراي فقط بل وأيضا بالبيعة. وقد تقول بان البيعة لم
تكن تجعل الفرد العادي يسهم في اختيار السلطان، بل كانت تتضمّن تعهدا بعدم الخروج على السلطة أو على الأقل
تعهّدا بالانسجام معها.
فاقول: نعم هذا صحيح، لكنها تعني ايضا مشاركة الفرد في العمل السياسي بدرجة
ما، كما ان هذا لا يمنع من تطوير الفكرة لا سيما وانها تعني أن رأي الفرد له
اعتبار في تحقق سلطة الحاكم. وبأي حال؛ فهي تتضمن موقفا سياسيا، حيث تجعل رأي
الفرد معتدا به لا سيما وأن بيعة المكره لا اعتبار بها شرعا.
(من كتاب "نقد الاسلام السياسي" )
0 تعليقات