آخر الأخبار

مفهوم الوطن... بين النصوص الدينية والرؤية الفقهية






مفهوم الوطن... بين النصوص الدينية والرؤية الفقهية

عز الدين محمد

يحتلّ مفهوم الوطن أهمية كبرى في علم السياسة عموما، وفي نظرية الدولة خصوصا. إلا أنّ الفقه الإسلامي بقي اسير نظرة قديمة في هذا الموضوع، حيث  اهتم الفقهاء ببيان معنى الوطن وأقسامه لارتباط معناه بمسائل السفر وما يتعلق به من أحكام الصلاة والصيام وصلاة الجمعة، وما إلى ذلك، وغير ذلك من الأحكام الشرعية المرتبطة بالأوطان. وواقعا لم يتجاوز الأمر ذلك، كما يمكن أن تلاحظ في كتب الفقه.


لكن في هذا الزمن؛ لم يقتصر الأمر عند منظّري الإسلام السياسي على ذلك، فقد حاول كثير من منظّري حركات الإسلام- السياسي التشكيك في اعتبار هذا المفهوم، فالوطن عندهم لا يتعلق بالأرض التي تتشكل عليها الدولة التي يعيش فيها وضمن حدودها، بل بالأمة الإسلامية فقط ككل، لا سيما وأن الحدود لا قيمة لها بحسب هذه الرؤية. وهو ما أدى إلى مشاكل كثيرة على مستوى الوعي، وأيضا على مستوى السلوك.

قد تقول بأنّ هذا أمر طبيعي؛ لأن الفقه يدرس تلك الأمور التي تتعلق بالعبادات، وهي التي تحددها النصوص، وأما موضوع الوطن بالمعنى السياسي فإن الفقه الوضعي والقوانين هي التي تناقش وتحدّد هذا الموضوع.

لكن وبخلاف نظرة الحركات الإسلامية إلى الوطن؛ فقد وردت النصوص التي تؤكد على أهمية الوطن، حيث ذُكرت كلمة الدِّيار بمعنى الأوطان، في قوله تعالى: ( الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ) حيثُ ربط الدِّيار ونسبها للمؤمنين الذي أُخرجوا من وطنهم لشدة ارتباطهم وتعلّقهم به حِسّاً ومعنى، كما قال تعالى: ( وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا ) حيثُ جُعل الإخراج من الأوطان أحد دوافع الجهاد في سبيل الله.

كما وردت أحاديث كثيرة تبرّر حبّ الأوطان وتثبت مشروعيّتهـــا، ففي الحديث أن النبيّ (ص) رجع إلى المدينة، فلما أوفى على المدينة، قال: هذه طابة (أي طيبة وهو من أسماء المدينة المنورة)، فلما رأى أحدا، قال: هذا أُحد، هذا جبل يحبّنا ونحبّه.

كما قال: اللهم حبّب إلينا المدينة كما حببت مكة أو أشدّ.

قال العيني في شرحه للبخاري: وفِيه دلالة على... مَشروعيَّة حبّ الوطن والحنين إِليه.

وقال ابن عبد البر: وفيه بيان ما عليه أكثر الناس من حنينهم إلى أوطانهم وتلهفهم على فراق بلدانهم التي كان مولدهم بها ومنشأهم فيها.

وهذا ما يبيّن لك بأنه لا تنافي بين الإيمان وبين حبّ الوطن أو اعتزاز المرء بقومه كما يبين خطأ نظرية الإسلام ورؤيتها لمفاهيم سياسية خطيرة جدا وضعف رؤيته فيها.   


إرسال تعليق

0 تعليقات