الإصلاح الديني... والمؤسسة
الدينية
عز الدين محمد
التجربة المرة التي مر بها بلدنا ومرت بها المنطقة ككل بسبب فشل الحركات الإسلامية
بكل نسخها جعلت الناس بين توجهين: الأول يدعو إلى ترك الخيار الديني تماما وإهماله،
والثاني يدعو الى رؤية دينية يتم فيها اختيار ما يناسب الزمن وترك ما لا يناسب
بطريقة انتقائية تفتقد للمنهج ( وربما يمكن عد المرحوم شحرور ممثلا لها).
الخيار الأول لا يمكن أن ينجح في النهاية فهو لا يعدو أن يكون خيارا وهميا
بسبب عمق القناعات الدينية في مجتمعاتنا، والثاني أيضا لا يمكن أن ينجح لكونه
يفتقر لمنهج عميق وواضح ومحدد.
الاختناق أو الانسداد الذي مرت به الأمة كان عظيما وخطيرا، وهو ما سبب
تخلفا كبيرا علميا وفكريا وسياسيا وحتى أخلاقيا، وهو ما سبب أيضا فشلا كارثيا
مرعبا.
ما نحتاج إليه فعلا وواقعا هو مراجعة كثير من أفكارنا، لكن بمنهج حتى لا
يكون طرحنا فجا يفتقر النضج والأصالة والعمق ( كما في طرح شحرور وغيره).
نحتاج أن نراجع أفكارنا عن مناهج التعليم الديني، وعن أصول الفقه
والاستنباط، وفهم النصوص. نحتاج أن نعيد النظر في فقه المرأة، والأحوال الشخصية،
ومفهوم تطبيق الشريعة، والسياسة والدين، والتعددية، ومفهوم الجهاد، الجنس، الربا....
وأمور كثيرة أخرى.
نحتاج أن نناقش بعمق مسائل النبوة والوحي، العصمة، الإيمان والعقل، وغيرها.
نحتاج ان نعمل على تأسيس بنية أخلاقية للمجتمع، بعد ان اهتزت الأخلاق الدينية بشكل
خطير.
نحتاج الى الإصلاح فعلا، نحتاج إلى التأكيد على الجانب الإنساني وأن نعمل
على تجاوز كثير من إشكاليات الفقه القديم التي لا معنى للوقوف عندها. وحقيقة فأنا
اعتقد بأن الإسلام كدين يمتلك مرونة كبيرة لطرح أفكار تنسجم تماما مع روح العصر،
لكن وفق منهج علمي وليس بطريقة انتقائية لا تملك ما يكفي من إمكانيات الإقناع.
نحتاج ان نستفيد من التجارب الفكرية كما انتفع بها من قبلنا، وأن نمارس
نقدا لأفكارنا، لكنه نقد لا ينطلق من موقف تحامل أو رفض، بل ينطلق من التفهم
ومحاولة تفكيك الأوهام المقدسة التي لا أصل لها، أو إعادة مناقشة طريقتنا في الطرح.
الدين هو المؤثر الأكبر على وعي مجتمعاتنا، إلا أنّ الدين الموجود الآن هو
منتج المؤسسات الدينية، وهي مؤسسات مريضة هرمة، سيطرت عليها النمطية.
لهذا فإننا أمام مسؤولية كبيرة، وأمامنا عمل طويل وشاق، لكن لا بد أن نتذكر
بأننا في حاجة الى منهج، العمل الاعتباطي لن ينتج شيئا.
0 تعليقات