نحو رؤية جديد في
الفقه
صلاة الاستيجار (2)
عز الدين محمد
مما ظهر واستحدث عند متأخري فقهاء الإمامية حتى شاع في رسائلهم العملية ما
يعرف بصلاة الاستيجار، وهي أن يُستأجَر شخصٌ مقابل مال لأداء الصلاة أو غيرها من
العبادات عن ميت عليه قضاء عبادة.
ورغم شهرة هذا الأمر بين الفقهاء في الأزمان المتأخرة إلا أنه لم يرد في
ذلك أي دليل على الإطلاق، إلا أنّ القوم احتجّوا لمشروعيّتها بأمرين:
الدليل الأول: أن امرأة سألت النبي (ص): إن أبي أدركه الإسلام وهو شيخ
كبير لا يستطيع ركوب الرحل والحج مكتوب عليه أفأحج عنه؟ قال: أرأيت لو كان على
أبيك دين فقضيته أكان يجزي ذلك عنه؟ قال: نعم. قال: فحج عنه.
بدعوى عدم الفرق بينهما لكونهما (أي الصلاة والحج يشتركان في كونهما عبادة)،
وهو كاف في دفع الإشكال الذي يطرح بعدم تصور تحقق قصد القربة المفترض في العبادة
مع الاستئجار. لكن هذا استدلال غير صحيح لسببين: الأول إنه قياس وهو غير مقبول وفق
أصول الأمامية، وثانيهما: أن القياس لا يجوز في العبادات، لأنها لا تثبت إلا بنصّ
صريح، وهو غير موجود.
الدليل الثاني: عموم أدلة الوفاء بالعقود، وهذا غريب؛ فإنّ مثل هذا
العقد لم يثبت أصلا حتى يستدل له بوجوب أداءه بذلك، وذلك أنّ الروايات التي أكّدت
على قضاء ما على الميت لم تتطرق أبدا لذلك، فليس من دليل أبدا على مشروعيّتها،
وعدم الدليل دليل العدم.
لذا، فقد تردّد في اعتبارها بعض الفقهاء منهم الفيض الكاشاني الذي قال في
كتابه الرائع "مفاتيح الشرائع": هل يجوز الاستئجار لهما ؟ المشهور نعم ،
وفيه تردد لفقد النص فيه وعدم حجية القياس حتى يقاس على الحج أو على التبرع ، وعدم
ثبوت الإجماع.
وكذا المحقّق السبزواري الذي قال في كتابه "الذخيرة": هذه
المسألة التي لم تشتهر في سالف الاعصار وقد خلت منها مصنفات القدماء والعظماء.
ومنهم من حرّمها، وهو الشيخ الخالصي، وهو الأصحّ. والدليل هو نفس ما ذكره
الفيض الكاشاني، وهو عدم الدليل، ومع عدم الدليل فلا حكم، وكما يقال فان عدم
الدليل دليل العدم.
تبقى هناك مسألة، وهي أني أؤكد دائما في منهجي على ضرورة ملاحظة واقع
المسألة، وليس جانبها النظري فقط، لأنّ التنظير قد لا يكون منشئا للحكم، بل مجرّد
تبرير له. لذا فمن المفيد أن نشير إلى أن كثيرا من طلبة العلم وبسبب وضعهم المادي
الضعيف يلجؤون الى هذه العبادة، فهي تمثل أهمية اقتصادية لكثير من الطلبة وفقراء
المؤمنين.
0 تعليقات