قراءة في الخطاب
الفاطمي السنوي الخامس عشر
الكهف الحصين يصحح
فهم بعض المتوهمين! (4)
محمد النجفى
(ولعل الفتية أصحاب الكهف كان نظرهم إلى الاعتزال المعنوي أكثر من المادي،
وهذا واضح من النتيجة التي توخّوها فإنهم لم يقولوا نلجأ إلى الكهف لنأمن على
أنفسنا ونحفظ حياتنا من القتل - وان كان هذا حقا مشروعاً لهم - وإنما قالوا: [فَأْوُوا
إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ
أَمْرِكُم مِّرْفَقاً] فقدموا الهدف المعنوي وهو تحصيل الرحمة الإلهية الخاصة التي
كانوا يطلبونها من الله تعالى ويصفونها في دعائهم باللدنية، ويسألونه تعالى أن
يمنَّ بها عليهم [إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا
آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً] (الكهف : 10)،
ثم إيجاد حل ينفعهم ويرفق بهم ويجعل لهم فرجاً ومخرجاً من المأزق الشديد الذي هم
فيه، ويخلصّهم من الأعداء المتربصين بهم.)
وقوله (إنَّ شرط نزول الرحمة والنصر الإلهيين يتحقق بمباينة أهل المعاصي
واجتنابهم)
وقوله (هذا اللجوء إلى الكهف المعنوي لتحصيل الرحمة الإلهية الخاصة وحل
الأزمات والنجاة من الفتن والضلالات هو ما أرادته الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها
السلام) من الأمة ودعتهم إليه حينما قالت لهم في خطبتها: (فجعل الله الإيمان
تطهيراً لكم من الشرك، وطاعتنا نظاماً للملة، وإمامتنا أماناً من الفرقة))
وقوله (فالآية الكريمة تعطينا درساً في الرجوع إلى الله تبارك وتعالى
دائماً واللجوء الى كهفه الحصين في الأزمات والشدائد وعند اختلاط الأمور وانتشار
الفتن ليشملهم برحمته الخاصة ويهيئ لهم من أمرهم رشداً، وتبيّن بأن الوسيلة إلى
النجاة من بيئة النفاق والفساد والضلال والظلم والانحطاط هو باعتزالها معنوياً
وتجنب التأثر بها، وليس من الضروري الانعزال عنها والانزواء في البيت أو أي مكان
آخر لوجود ضرورة لممارسة الحياة الطبيعية من حيث طلب الرزق وسدّ الاحتياجات
المتنوعة تقتضي الاختلاط بالناس والتعامل معهم حيث لا يوجد تهديد على حياته يدعوه
إلى التخفي عنهم، فالمهم إذن هو الاعتزال المعنوي.)[ 1 ]
إن بعض المؤمنين ونتيجة لأقوال بعض العارفين والقيادات الدينية ظنوا أن
الظهور المبارك قريب وأن هذه الانتفاضة التشرينية هي مقدمة للظهور المبارك فأيدوها
مطلقا رغم وجود بعض التصرفات المخالفة للشريعة وبدلا من أن يدعموا الانتفاضة
ويؤدوا دورهم في توعية الناس لتصحيح هذه السلوكيات الخاطئة قاموا بدعم هذه
السلوكيات الخاطئة فوقعوا في فخ الشيطان! وحالهم أشبه بحال بعض السلوكيين الذين
كانوا يقومون ببعض الأعمال المخالفة للشريعة ظناً منهم بأنهم يعجلون بامتلاء الأرض
ظلما وجورا وبالنتيجة أنهم يعجلون بالظهور المبارك ليملأ الأرض قسطا وعدلا!!
فجاء خطاب المرجع اليعقوبي ليصحح سلوكهم ويعرفهم أن النجاة والحصول على
النتائج المثمرة أو تحصيل الرحمة الإلهية إنما يكون باعتزال أهل المعاصي معنويا
وقد سبق وأن ذكرت تصحيح سماحته لمعنى المباينة والاعتزال التي امرنا بها حيث قال
سماحته:
المباينة والاعتزال والمقاطعة التي أمرنا بها مع أهل المعاصي لا تعني
الانشقاق والانفصال لأنه ابتعاد عن تحمل المسؤولية وتخلّي عن أداء الواجب لأن
هؤلاء هم ساحة عمل الرسالي الذي يدعو إلى إعلاء كلمة الله تعالى وإذا هجرهم فسيضيع
على نفسه فرصة هداية الآخرين إلى تبارك وتعالى. وإنما تعني المباينة والاعتزال في
الأخلاق والأفعال والسلوكيات بحيث تتضح معالم الفرق بين المنهجين والسلوكين وان
كانا مختلطين بأبدانهم. ولم يبعث الأنبياء (عليهم السلام) ولا استخلف الأئمة لكي
يتقاطعوا مع الآخرين فيعتزلوا الناس ويقبعون في بيوتهم، بل بُعُثوا بالحركة
والمخالطة والعمل لكن من دون ذوبان أو اندماج وخلط أرواق ومداهنة مع أهل المعاصي
والفسق والكفر[ 2 ].
فسلوك هؤلاء الأخوة المؤمنين مخالف للشريعة وما تريده منهم القيادة الرشيدة
وتخلي منهم عن سنة التدافع التي عُدّ المتخلف عن أداء دوره في هذه المواجهة بأنه
لم يبلغ الفتح حيث قال سماحته:
إنّ من أفضل أشكال التأسي برسول الله (صلى الله عليه وآله) وبالإمام الحسين
(عليه السلام) إحياء هذا القانون الإلهي العظيم في كل ساحاته سواء داخل كيان المجتمع
المسلم أو خارجه وبالآليات المناسبة لكل مواجهة، ولا يسعنا القعود عن هذه الوظيفة
المباركة وإلاّ ضاع الدين واضمحل كيان الإسلام كما نبّأت به الآية الشريفة، ومن
تخلف عن هذه المواجهة لم يبلغ الفتح، كما قال الإمام الحسين (عليه السلام) في
رسالته، قال تعالى {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ
لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد : 38][ 3 ].
فيرجى منهم إذا أرادوا الفوز والنجاة ونصرة الحق والتأهيل للمرحلة القادمة
فعليهم مراجعة أنفسهم وتصحيح أخطائهم ...
اسأل الله سبحانه وتعالى بحق محمد وآل محمد أن يوفقنا وإياهم لما يحب ويرضى
نلتقي ان شاء الله في الحلقة القادمة والتي سيكون عنوانها:
الخطاب الفاطمي الخامس عشر واحتمالية الدعوة إلى دخول الكهف المادي
الهوامشــــــــــــ
[ 1 ] النص الكامل للخطاب:
[ 2 ] خطاب المرحلة ج6 ص59.
[ 3 ] خطاب المرحلة ج8 ص408.
0 تعليقات