آخر الأخبار

قراءة في الخطاب الفاطمي السنوي الخامس عشر .. االيعقوبي يجسد عمليا الاعتزال المادي والتواصل غير المباشر في الخطاب الفاطمي! (3)








قراءة في الخطاب الفاطمي السنوي الخامس عشر
المرجع اليعقوبي يجسد عمليا الاعتزال المادي والتواصل غير المباشر في الخطاب الفاطمي! (3)

محمد النجفى


في حديث لسماحة الشيخ اليعقوبي مع الفضلاء والخطباء المشاركين في ملتقى ائمة الجمعة والجماعة في محافظات العراق سنة 2009 أوضح سماحته المباينة والاعتزال والمقاطعة التي أمرنا بها مع أهل المعاصي حيث قال:
المباينة والاعتزال والمقاطعة التي أمرنا بها مع أهل المعاصي لا تعني الانشقاق والانفصال لأنه ابتعاد عن تحمل المسؤولية وتخلّي عن أداء الواجب لأن هؤلاء هم ساحة عمل الرسالي الذي يدعو إلى إعلاء كلمة الله تعالى وإذا هجرهم فسيضيع على نفسه فرصة هداية الآخرين إلى تبارك وتعالى. وإنما تعني المباينة والاعتزال في الأخلاق والأفعال والسلوكيات بحيث تتضح معالم الفرق بين المنهجين والسلوكين وان كانا مختلطين بأبدانهم[ 1 ].


كانت دعوة أهل الكهف دعوة صامتة في بداية امرها مع استخدام المباينة والاعتزال والمقاطعة في السلوك أي الاعتزال المعنوي ...

قال المرجع اليعقوبي:
إن كل مؤمن ملتزم بدينه هو جزءٌ من هذا المشروع المبارك وقد يتقدم فيه فيصبح من الدعاة إليه بالدعوة الصامتة (كونوا لنا دعاة صامتين) أي بعملكم الحسن وأخلاقكم الفاضلة وصمتكم الرافض للمنكر والفساد والانحراف ومثل هذا الأسلوب من الدعوة له ظروفه ومبرراته لذلك كان الطغاة وأئمة الجور يحمّلون الأئمة المعصومين (عليهم السلام) مسؤولية كل الحركات الرافضة للواقع الفاسد والظلم الذي كان يمارسه الحكّام المنحرفون رغم إنهم لم يجدوا أي وثيقة تثبت ذلك أو مال أو سلاح في بيت الإمام (عليه السلام) عندما يداهمونه لكنهم يعلمون أن الأئمة (عليهم السلام) بترفعهم عن الدنيا التي يتكالب عليها الطغاة وبسلوكهم الطاهر العفيف ومعايشتهم لألام الأمة وسعيهم الجاد لإنصاف المظلوم ومساعدة المحتاج كانوا يبينّون السيرة الصحيحة لقادة الأمة وأولياء أمورها ويكشفون زيف أولئك الطغاة في ادعائهم ولاية أمر الأمة.

وهكذا فعل أصحابهم البررة فحينما يرفض أبو ذر الغفاري هدية الخليفة عثمان التي أرسلها بواسطة أحد مواليه ووعده بالحرية إن قبلها أبو ذر فلما رفضها قال الرسول: اقبلها فإن فيها عتقي فقال أبو ذر: لكن فيها رِقّي.

فمثل هذا الرفض للتصرف غير المشروع بالأموال العامة والإثراء عل حساب حقوق المحرومين ألفت نظر الأمة إلى انحراف من مات وخلف من ورائه من الذهب ما يكسر بالفؤوس وأمثاله، فتحركت الأمة وثارت لتغيير الواقع الفاسد الذي جسّدته بطانة الخليفة في ما وصفها سيد قطب صاحب تفسير (في ظلال القران) أول ثورة إسلامية حقيقية في التاريخ.

وإذا تيسرت الظروف للرسالي انتقل إلى الدعوة الناطقة (وهل بعث الأنبياء إلا بالنطق والكلام) وهو مضمون ما روي عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) بالكلمة الصادقة والموعظة الحسنة والحكمة [فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى] (طه:44)، وهكذا يتدرج الرسالي حتى يصبح قائداً في المشروع الإلهي العظيم[ 2 ].

وبعدها أنتقل فتية أهل الكهف إلى الدعوة الناطقة فجوبهت بقوة فأصبحت عقيدتهم وحياتهم في خطر فآووا إلى الكهف فحصل الاعتزال المادي والمعنوي قال تعالى: قال تعالى: [إِنَّهُمْ – أي قومهم الوثنيون - إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً] (الكهف:20).

جاء في الخطاب الفاطمي السنوي الذي ألقاها المرجع اليعقوبي قبل أيام قوله:
ان الوسيلة إلى النجاة من بيئة النفاق والفساد والضلال والظلم والانحطاط هو باعتزالها معنوياً وتجنب التأثر بها، وليس من الضروري الانعزال عنها والانزواء في البيت أو أي مكان آخر لوجود ضرورة لممارسة الحياة الطبيعية من حيث طلب الرزق وسدّ الاحتياجات المتنوعة تقتضي الاختلاط بالناس والتعامل معهم حيث لا يوجد تهديد على حياته يدعوه إلى التخفي عنهم، فالمهم إذن هو الاعتزال المعنوي[ 3 ].

إن الفتية أصحاب الكهف لم تكن في زمانهم التقنيات الحديثة الموجودة الآن لذا حينما أصبحت حياتهم وعقديتهم في خطر آووا إلى الكهف فاعتزلوا قومهم أما الآن فإذا أصبحت حياة المؤمن الرسالي في خطر أو عقيدته بسبب الاحتكاك والتواصل المباشر فيوجد اتصال غير مباشر عبر التقنيات الحديثة لهذا جاء في خطاب سماحته (حيث لا يوجد تهديد على حياته يدعوه إلى التخفي عنهم) يعني إذا وجد تهديد يمكن الاستعانة بالتواصل غير المباشر والتخفي لأداء الرسالي وظيفته ...

وقد جسد سماحة المرجع اليعقوبي في الخطاب الفاطمي السنوي الأخير بعض ما جاء في خطابه الفاطمي فرغم وجود تهديد على حياة سماحته بسبب الوضع المربك إلا أنه لم يتخل عن وظيفته الرسالية في إرشاد عباد الله واستنقاذهم من الجهالة وحيرة الضلالة والتواصل معهم فاستخدم التواصل غير المباشر مع الجماهير للمحافظة على حياته ولأداء وظيفته ولكن ما إن انتهى الخطاب المتلفز فاجىء الجميع - سواء المعزين أو القريبين منه وحتى أفراد الحماية - وخرج لأحبائه المعزين وحياهم ورفع يديه مع أيديهم داعين الله عز وجل أن يحفظ العراق وشعبه ويكشف هذه الغمة عنه ويعجل في ظهور صاحب العصر والزمان (عليه السلام) ...




الهوامشــــــــــــــــــ
[ 1 ] خطاب المرحلة ج6 ص60.
[ 2 ] المصدر السابق ج5 ص49-50.
[ 3 ] النص الكامل للخطاب:


إرسال تعليق

0 تعليقات