آخر الأخبار

الوعي الديني.. بين العقلانية والأخلاق







الوعي الديني.. بين العقلانية والأخلاق


عز الدين محمد

نظّم الإسلام علاقة العقل بالإيمان بشكل غير مسبوق، حيث أعلى قيمة العقل، وجعل مجال الإيمان بالغيب محدودا جدا ومحصورا.

وأطلق للعقل والتجربة والمنطق مجالا واسعا في فهم الأمور وفي التعامل معها.

أيضا أكد الإسلام على الأخلاق ليس كشعار، وليس كاعتبارات اجتماعية يحددها العرف، بل عمل على تطوير الحس الأخلاقي عند الفرد وبشكل متميز جدا، ورغم تأكيده على مفهوم الذنب وتحذيره منه إلا أنه في نفس الوقت انطلق من رؤية موضوعية للطبيعة الإنسانية وأعطاها مجالا واسعا لتصحيح أخطائها، وهي رؤية أخلاقية إلا أنها انطلقت من منطلق معرفي. وهو ما جعل النبي (ص) يقول لزوجته أم المؤمنين عائشة بعد أن اتهمها البعض بالفاحشة: وإن كنت قد فارفت سوءا مما يقول الناس فتُوبي إلى الله، فإنَّ الله يقبل التوبة عن عباده.


تصور يقول هذا، وهو عربي في مجتمع ذكوري لا يعترف للأنثى بحق الخطأ، ولا حق التوبة وفتح صفحة جديدة في الحياة. الا أن الوعي الديني المزيف جعلنا ننظر الى الأمور بشكل خاطئ وخطير، وهنا سأضرب مثالين تبين لك كيف نتعامل بطريقة متخلفة معرفيا وأخلاقيا مع الأمور:

قبل سنتين أو ربما اقل ظهر فيديو من احد ملاهي دمشق، وقد ظهر فيه رجل قيل بأنه قيادي في إحدى الجماعات الجهادية المقاومة، ومعه فتيات جميلات يلبسن ملابس تليق بالمقام وكان الملهى يصدح بأغنية أو لطمية سمّها ما شئت عنوانها "يا زينب الكبرى" كان الأمر صادما إعلاميا بالنسبة لجمهور الناس، إلا أن ما أثار الانتباه هو ان التعليقات كانت تندد وبشدة بذكر اسم السيد زينب في الملهى!! نعم هذه هي المشكلة، رغم انه من الممكن أن يذكر اسم الله في الملاهى دون ان يثير انتباه احد أو حفيظته.. لم ينتقد احد أولئك الذين يدفعون الناس نحو الموت باسم آل البيت وقبر زينب وهم يتسكعون في الملاهي، أو الذين يسرقون الشعب وهم يلطمون على الحسين.

والمثال الثاني هو ما تعرضت له فنانة مصرية شابة ظهر فيديو يصورها مع مخرج شهير في أوضاع مخلة وقيل بأنها جنسية، وقد تعرضت الفتاة لضغط إعلامي شديد وهو ما جعلها تظهر قبل أيام بوجه بائس وهي تعلن بان الانتحار صار الطريق الوحيد أمامها للتخلص مما هي فيه بعد أن تخلى عنها زملاؤها في العمل وكل من حولها.. كان أمرا غريبا ولا أخلاقيا اشد مما اقترفته هي، فالفتاة أخطأت، لكن نشر الفيديو هي خطأ اكبر، والخوض في الموضوع هو خطأ اكبر من ذلك رغم أن ما فعلته ليس شيئا غريبا لهذه الدرجة في الوسط الفني.

المشكلة الأخلاقية ترجع الى فهم ديني خاطئ، اختلط فيه الديني بغيره، والأخلاقي بغيره، وهو ما جعلنا نعيش وهم أننا متدينون، بينما نحن نعيش حالة من الازدواجية والنفاق ومحاولة اظهار أنفسنا كأشخاص متدينين حتى لا يرفضنا المجتمع الذي لا يقبل أمورا كهذه بينما يقبل الخائن أو سارق قوت الشعب.

لذا أستطيع أن أقول بأن المشكلة الأخلاقية فيها جانب معرفي، ويمكن أن أقول بأننا لن نكون كائنات أخلاقية فعلا ما لم نكن عقلانيين.

( ملاحظة: من البداية أرفض أي نقد لوضع هذه الصورة في المنشور لأنّها معلنة ومنتشرة ولأن نقدا كهذا سيكون من قبيل ما انتقدته في المنشور وهو النظر الى الشكليات فقط)

إرسال تعليق

0 تعليقات