آخر الأخبار

توماس سانكارا قصة شعب وقائد.. قصة نجاح وفشل






توماس سانكارا

قصة شعب وقائد.. قصة نجاح وفشل


عز الدين محمد

ليس من الضروري أن تكون دولة ما غنية في ثرواتها لتنجح اقتصاديا، فالأمر يتعلق فقط بالقيادة ومدى جديتها ونزاهتها، وإخلاصها لشعبها. وهنا يمكن عند مثل طالما بهرت به، وهو توماس سانكارا رئيس جمهورية بوركينا فاسو، التي تقع غرب أفريقيا، والي حقق نجاحا مبهرا في زمن صغير وبإمكانيات محدودة وإليكم القصة:

توماس سانكارا ( 1949- 1984) ضابط في جيش فولتا العليا برتبة رائد. شارك عام 1981 مع مجموعة من الضباط بانقلاب عسكري، حيث شكلت وزارة عين فيها وزيرا للإعلام، إلا أنه رفض الامتيازات الحكومية المقدمة له وكان يحضر الاجتماعات على متن دراجة هوائية. سرعان ما تغير موقف سانكارا عندما رأى ان الحكومة الجديدة فاسدة ووقف ضدها، وبسبب معارضته تم تجريده من منصبه ووضع تحت الإقامة الجبرية.

في سنة 1983؛ حدث انقلاب عسكري آخر قاده زميله كومباوري، حيث تم إطلاق سراح سانكارا واختير ليكون الرئيس. ولدى وصوله للسلطة عمل على تحقيق برامج اقتصادية طموحة، وركّز على التغيير الاجتماعي والاعتماد على الذات, غيّر اسم بلاده من فولتا العليا إلى بوركينا فاسو ( أي أرض الرجال الشرفاء). تمحورت سياسته الخارجية على مناهضة ذيول الاستعمار، وتجنب المساعدات الخارجية لا سيما من صندوق النقد الدولي.

أما سياسته الداخلية فقد تركزت على منع المجاعة مع الاكتفاء الذاتي الزراعي وإصلاح الأراضي. لذا صادر أراضي الإقطاعيين وزعماء القبائل، ووزّعها على الفلاحين والغي الضرائب الثقيلة التي تثقل كاهل الفلاح مما رفع المستوى المعيشي للفلاحين. وفي غضون أربع سنوات فقط تضاعف إنتاج القمح والقطن من 1700 كيلوغرام للهكتار الواحد الى 39000 كيلوغرام للهكتار! هذا يعني ان سانكارا لم يكتف بجعل بلادة مكتفية ذاتياً فقط، بل تعاني من فائض في الغذاء وهو ما يعدّ معجزة في دولة افريقية فقيرة. كذلك نصح سانكارا المواطنين بضرورة الاعتماد على النفس، وحظر استيراد العديد من المواد لا سيما الغذائية، ورفع شعار: " من يطعمنا يتحكّم فينا"، كما شجّع على نمو الصناعات المحلية. ولم يمرّ على حكمه الكثير حتى أصبح البوركينيون يرتدون قطنا وطنيا 100%، فكانت المرة الأولى في تاريخ أفريقيا عندما أصبح المواطنون الأفارقة يرتدون الملابس المحلية بدلاً من الملابس الأجنبية المستوردة.

كما تم افتتاح مشاريع واسعة النطاق في مجال الإسكان والبنية التحتية، وإنشاء العديد من مصانع الطابوق والاسمنت من أجل بناء المنازل ووضع حدّ للأحياء الفقيرة.

قام ببرنامج لغرس 10 ملايين شجرة لمكافحة التصحّر. وأعطى أولوية للتعليم بحملة لمحو الأمية في جميع أنحاء البلاد، وقد ارتفعت نسبة المتعلمين في البلاد من 50% الى 90%.

عمل على تعزيز قطاع الصحة، حيث تمّ تطعيم 2.5 مليون طفل ضد التهاب السحايا والحمى الصفراء والحصبة. وبسبب سياساته الصحية؛ فقد انخفضن معدل الوفيات من (280) من (1000) طفل إلى (145) من (1000) طفل وغيرها من الانجازات على الصعيد الطبي والصحي التي جعلت منظمة الصحة العالمية ترسل رسالة تهنئة الى سانكارا.

كذلك قام بتشييد 77 الف قرية، مع إنشاء 700 كيلومتر من السكك الحديدية، فضلا عن الطرق من أجل ربط سكان الريف مع المدن, وانشأ مستوصفا ومدرسة لكل قرية.

التزم جدا بحقوق المرأة، حيث يعد الرئيس الأول في أفريقيا الذي منع ختان الإناث وزواج القاصرات أو الزواج القسري. كما قام بتعيين نساء في المناصب الحكومية العليا، وأيضا في الجيش. كما قام بتشريع قانون ينص على معاقبة الأزواج اللذين لا يساعدون زوجاتهم في الأعمال اليومية , وأعلن يوما للتضامن مع ربات المنازل بجعل أزواجهن يؤدون نفس أدوارهن لمدة 24 ساعة .

كذلك شجع سانكارا البوركينيين على أن يكونوا سليمي اللياقة البدنية، وقد كان يشاهد وهو يمارس رياضة الركض بشكل منتظم في شوارع واغادوغو.

هذه البرامج كانت تهدف الى إثبات ان البلدان الإفريقية يمكن ان تكون مزدهرة دون مساعدات خارجية او معونات. تأثر بشخصية تشي جيفارا؛ وقد قام بإنشاء محاكم ثورية على غرار تلك الموجودة في كوبا لمحاكمة الفاسدين ومبذري المال العام. كما خفّض رواتب الوزراء وباع أسطول السيارات المستوردة في الموكب الرئاسي، مستعيضا عنها بأرخص أنواع السيارات.

رفض أن تعلق صوره في المكاتب والمؤسسات الحكومية، لأن كل بوركيني هو توماس سانكارا حسب قوله، كما رفض استخدام أجهزة تكييف الهواء في مكتبه، قائلا بأنه يشعر بالذنب وهو يفعل ذلك؛ لأن القليل جدا من شعبه يستطيع أن يملك ذلك.

كذلك، رفض كل الامتيازات الحكومية وجعل راتبة 450 دولار فقط؛ وكان يعدّ أفقر رئيس في العالم آنذاك. قام بإلغاء الضرائب من عامة الناس، وجعلها على الوزراء ومسؤولي الدولة.

رغم التأييد الشعبي الكبير الذي حصل عليه، فقد كان هناك نفور من سياساته من قبل زعماء القبائل الذي فقدوا امتيازاتهم القديمة، فضلا عن وقوف زعماء الدول الافريقية ضده خوفاً من انتشار أفكاره الثورية الى بقية الدول الافريقية؛ ولهذا تحالفوا مع فرنسا التي سئمت من سانكارا بسبب سياساته وشعاراته المناهضة لها، وتم التخطيط للإطاحة به عن طريق صديقه بليز كومباوري الذي قام بانقلاب على سانكارا نفذته مجموعة مسلحة مكونة من 12 ضابطاً حيث أطلقوا عليه النار عندما كان ذاهباً إلى أحد الاجتماعات. وقد أخذوا جثته وقطعوها إرباً إربا؛ ثم دفنوها في إحدى المقابر.

بعد قتله؛ حاول كومباوري التخلص من كل ما يتعلق بسانكارا، حيث قام بتدمير الآثار المتعلقة بحكمه، وأساء لسمعته، ووضعت عائلته تحت الإقامة الجبرية. وأعاد المسؤولين الفاسدين إلى الحكم، وقام بتشريع الضرائب من جديد، واستمر إلى أن سقط عام 2014 اثر انتفاضة شعبية هرب على إثرها الى خارج البلاد.

هذه هي قصة شعب وقائد.. قصة نجاح وفشل، قصة وجع لكنها أيضا قصة أمل.

إرسال تعليق

0 تعليقات