آخر الأخبار

العراق و حركة تموز 1958م (6)








العراق و حركة تموز 1958م (6)



محمود جابر

الانفراد بالسلطة والنرجسية التى أصيب بها عبد الكريم قاسم، جعلته يتصرف فى العراق كملكية خاصة بعيدا عن المواثيق والاتفاقات ومصلحة العراق، نرجسية جعلته يرفض أى شىء قادما من محيطه العربى، ولكن الأمر لم يتوقف عن النرجسية فالثورة التى ألغت حلف بغداد، أعادها عبد الكريم قاسم من خلال عدد من الاتفاقات بينه وبين بريطانيا هذا ما كشف عنه لاحقا، وهذا ما برر سلوكه الحقيقى فى محاولة العداء لمصر وبعد الناصر، وتحالفه مع الثلاثي، بريطانيا إيران تركيا ....



التعثر في السياسة الخارجية وتردي العلاقات مع القاهرة



لم تكن سياسة قاسم الخارجية مبنية على أساس واضح المعالم منطلقة من أساس فكري ولا من برنامج عمل منظم، فقد تميزت بالكيفية والمزاجية منطلقة من " الأنا" أو النرجسية الذي ميزت حقبة قاسم انعكس ذلك بشكل قوي في وضع نفسه بشكل منافس ومعارض ثم خصم وند للرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي كان يتمتع بشعبية كبيرة ليس في مصر فقط بل في العراق ومجمل بلدان الوطن العربي, لأسباب تتعلق بنجاحه في قيام الجمهورية في مصر وتحويلها إلى بلد مناهض للهيمنة الغربية وقيامه بتاميم قناة السويس عام 1956 وصد العدوان الثلاثي ودعوته لقيام اتحاد عربي باسم الجمهورية العربية المتحدة.


حاول قاسم الظهور بمظهر زعيم الأمة العربية حيث حاول منافسة عبد الناصر بدعم ثورة الجزائر ودعم المغرب وطالب بضم الكويت ليس بصيغة الوحدة العربية المتكافئة بل بأسلوب ضمها إلى العراق عندما أرسل برقية إلى شيخ الكويت في 20/6/1961 يبلغه بها إلغاء اتفاقية 1899 الموقعه بين بريطانيا وقائمقام الكويت، ابلغه أن الكويت أرض عراقية وقد عقد مجلس الوزراء العراقي عدة جلسات لمناقشة كيفية احتلال الكويت، إلا أن طلب بريطانيا تعليق الموضوع حسم الموقف لاسيما وان القوات البريطانية كانت رابضة على مقربة من الكويت في البحرين. أما الكويت فمن جانبها قدمت شكوى للجامعة العربية التي قررت حلها ضمن أروقة الجامعة العربية مما أدى إلى امتعاض قاسم و"زعله" حيث لم يجد صدى لزعامته العربية فقرر الانكفاء وعزل العراق عن محيطه العربي والإسلامي!!

وقد غلبت على سياسته الخارجية بتبني مواقف مناقضة أو منافسة لسياسة عبد الناصر حيث ألغى عبد الكريم قاسم عضوية العراق في جامعة الدول العربية، وساءت علاقات العراق مع أغلب الدول العربية لأسباب غامضة.

واخذ بدلا عن ذلك بتنمية علاقاته مع المعسكر الشيوعي بناء على مشورة الحزب الشيوعي الذي طالما لعب دورا في سياسة قاسم الداخلية والخارجية.

ومن العوامل الأساسية لعزل العراق عن محيطة الإقليمي العربي والإسلامي هي عدم إيمانه بالوحدة العربية ولا بالشريعة الإسلامية واعتراضه على الانضمام إلى الاتحاد العربي المسمى الجمهورية العرابية المتحدة عام 1958 عند زيارة وفد شعبي من الجمهورية العربية المتحدة للعراق للتهنئة والمساندة والدعوة للانضمام للاتحاد إلى إحباط كبير لدى المواطن العراقي وأعضاء تنظيم الضباط الوطنيين "أو الأحرار" ذلك لأنهم اقسموا جميعا عند نجاح الثورة بان يسعوا لانضمام العراق للاتحاد.

وكانت مقولة عبد الكريم قاسم لها أثرها السلبي في النفوس وهو في مستهل تبوئه لمنصب رئاسة الوزراء ولم تكن هنالك أي مشكلات سياسية بين بغداد والقاهرة، عندما قال "لن أكون تابعا لأحد" مما أدى برئيس الاتحاد جمال عبد الناصر بإدلائه بتصريح قال فيه " على الرغم من أن ميثاق الجمهورية العربية المتحدة ينص على إجراء الانتخابات الحرة لاختيار رئيس الاتحاد إلا أنني ومن موقعي هذا أتنازل عن رئاسة الاتحاد لفسح المجال أمام العراق بالانضمام للجهورية العربية المتحدة مثلما تنازل من قبل الأخ الرئيس السوري القوتلي وبهذه المناسبة أتشرف بدعوة الأخ رئيس الوزراء العراقي الزعيم عبد الكريم قاسم لزيارة القاهرة لترتيب توليه رئاسة الاتحاد".

كان لهذا التصريح صدى كبير في الشارع العراقي والعربي إلا أن عبد الكريم قاسم مرة ثانية صرح بإجابة محبطة قائلا " لن اذهب إلى القاهرة ربما سيتم خطفي أو قتلي".

فاحس المواطن هنالك سياسة مبيتة مبنية على الإصرار بالابتعاد عن المحيط العربي.

وتعزز هذا الاعتقاد عند تنامي الخلافات مع دول العربية المحيطة بالعراق حيث بدأت تسوء العلاقات بين عبد الكريم قاسم والعاهل السعودي فيصل والرئيس السوري القدسي "قبل مجيء البعثيين لسوريا" والملك حسين بن طلال عاهل الأردن والرئيس المصري عبد الناصر علاوة على أمير الكويت الشيخ عبد الله السالم الصباح حيث دعا إلى ضم إمارة الكويت والتي قررت بريطانيا الانسحاب منها بعد أن كانت تحت وصايتها.

وفي عام 1961 وبعد تنامي عزله العراق عن الدول العربية والإسلامية، قرر عبد الكريم قاسم الانسحاب من الجامعة العربية، وعوضا عن ذلك بدأ ينمي علاقاته مع تركيا وإيران ومنظومة الدول الشيوعية بزعامة الاتحاد السوفيتي.

 وقد واجهت حكومة الجمهورية العربية المتحدة سياسة رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم وتصريحاته المتكررة عن وجود مؤامرة من دولة الاتحاد المصري السوري لتخريب العراق وذلك من خلال سلسلة مقالات وتصريحات أهمها سفير العراق لدى القاهرة فائق السامرائي الذي استقال من منصبه احتجاجا على "سياسة حكومته المتخبطة" ،والرسائل المفتوحة التي أرسلتها القاهرة إلى بغداد عن طريق جريدة الأهرام بقلم رئيس تحريرها الإعلامي محمد حسنين هيكل.


كان عبد الكريم قاسم دائم التدخل في أعمال وزير الخارجية هاشم جواد الذي لم يتميز بالدبلوماسية والعمق السياسي، وحيث واجهت سياسة العراق الخارجية عدة أزمات خطيرة، كان من أهمها الأزمة التي أثارها مع الكويت عند استقلالها في 19 يونيو/ تموز 1961، حيث طالب بضم الكويت إلى العراق، ولكن الجامعة العربية استطاعت أن تسيطر على الأزمة وتحتويها لتُحل في إطار عربي مما أدى إلى "زعل" قاسم وانفعاله مقررا سحب عضوية العراق من الجامعة العربية وقطع علاقاته الدبلوماسية مع العديد من الدول العربية التي وقفت مع الحل العربي, وقد عزلت هذه الأزمة العراق وظهر بمظهر المتخبط في السياسة الخارجية.

إلا أن دار الوثائق البريطانية قد كشفت عن العديد من الوثائق السرية عن إبرام عبد الكريم قاسم لعدد من الاتفاقات وأهمها المعاهدة مع بريطانيا والخاصة برعاية المصالح البريطانية باعتبارها الدولة العظمى في ذلك الوقت وذات الوصاية الاستعمارية السابقة على العراق، ولقاءاته السرية مع السفير البريطاني التي وصلت إلى حد زيارته بالزورق البخاري من الباب الخلفي للوزارة المطل على نهر دجلة حيث كانت السفارة البريطانية تقع في الجهة المقابلة للنهر في منطقة الشواكة، وقد أشار مؤسس تنظيم الضباط الوطنيين " الأحرار" رفعت الحاج سري الدين أثناء محاكمته بأنه يطلب من المحكمة أن تسأل الحكومة ورئيسها، لمصلحة من تعقد الاجتماعات وتبرم المعاهدات السرية مع السفارة البريطانية. وبعد نجاح حركة 8 فبراير / شباط 1963 كشفت الصحف في حينها بعض من هذه الاتفاقيات.

الإضرابات اليومية

وبسبب تفاقم الوضع الداخلي الاقتصادي والاحتقان الاجتماعي والسياسي بسبب إبعاد وتنحية أعضاء تنظيم الضباط الوطنيين وعدم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في ميثاق العمل الوطني للتنظيم وسلسلة الإعدامات للشخصيات المعروفة والوطنية وتداعيات المحكمة العسكرية وأسلوبها المهين وسياسة الحكومة وممثليها من الوزراء في قمع القوى المعارضة، وتبني الإجراءات وقرارات القريبة من التطبيقات الشيوعية كقانون الأحوال الشخصية ومصادرة الأراضي الزراعية ذات الملكية الصرفة من أصحابها وتوزيعها على الفلاحين الذين يعملون لديهم بالأجرة، علاوة على تمكين المليشيات والتنظيمات الشيوعية من الحكم والتي كانت تتصرف بأسلوب استفزازي بعم احترامها للمشاعر الدينية في المناسبات المقدسة واهانة رجال الدين والمصحف الكريم من خلال ممارساتها اليومية ومن خلال المسيرات والمظاهرات ذات الطابع الاستفزازي التي عرفوا بها مما أدى إلى امتعاض العديد من المرجعيات الدينية من كافة الطوائف والأديان.

وكذلك بسبب تخبط الحكومة في السياسة الخارجية التي توجت بعزل العراق عن محيطه العربي والإسلامي بعد قطع العراق لعلاقاته الدبلوماسية مع العديد من الدول العربية ومنها دول الجوار العربي، وقرار رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم الارتجالي بسحب عضويته من الجامعة العربية، مما أدى إلى إيقاف برامج التعاون واتفاقيات المبرمة والخاصة بالعديد من الجوانب التجارية والاقتصادية والاستيراد والتصدير وغيرها. وكذلك أيضا بسبب سياسة الحكومة بعزل العراق دوليا من خلال اقتصار العلاقات الدولية مع الاتحاد السوفيتي ومنظومة الدول الشيوعية المتحالفة معه، كل تلك العوامل وغيرها أججت مشاعر الجماهير والطبقات المثقفة التي انطلقت في إضرابات يومية متخصصة، كإضراب المعلمين ثم إضراب الطلبة ثم إضراب العمال ثم إضراب الموظفين وهكذا، وأصبح نظام الحكم مترنحا وقاب قوسين أو أكثر من الانهيار، جراء عزلته الداخلية والخارجية، ولم يبقى مع النظام سوى المليشيات الشيوعية، وبعض القطعات العسكرية من التي تدين بالولاء لشخص رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم، وبعض الطبقات الفلاحية من المستفيدين من حكمه بسبب ما قدمه لها من امتيازات.











إرسال تعليق

0 تعليقات