آخر الأخبار

العراق و حركة تموز 1958م (4)







العراق و حركة تموز 1958م (4)


محمود جابر


فى الحلقة الماضية رأينا كيف تمكن الضباط الاحرارمن تنظيم صفوفهم وعمل تحالف إقليمى خاصة مع جمال عبد الناصر مكنهم من الوصول الى السلطة واحكام قبضتهم على بغداد وبذلك نجحت الثورة وتم الاطاحة بالنظام الملكى .

وفى هذه الحلقة سوف نستعرض ردود الافعال من جانب الدول الاجنبية والدول العربية وكيف كانت مصر فى طليعة الدول التى تغنت بالثورة العراقية، وكيف كان سلوك عبد الكريم قاسم مع زملاء الثورة والاطاحة بهم والانفراد بالحكم .



ردود الأفعال العربية والدولية

كان وقع الحدث عربيا ودوليا كبيرا وبدرجات متفاوتة حسب مواقف هذه الدولة أو تلك، فتلقت الجمهورية العربية المتحدة النبأ كالصاعقة وبعث قادتها برقيات التأييد والدعم حتى أن عبد الناصر ألقى خطابا خاصاً أعلن فيه أن أي اعتداء على ثورة العراق يعتبر اعتداءُ على الاتحاد " مصر وسوريا" كما أرسل الوفود الرسمية والشعبية لدعم الحركة بضمنها وفد الأحزاب الشعبية بعد اقل من أسبوع داعين ومرحبين لدخول العراق في الاتحاد العربي " الجمهورية العربية المتحدة" ،.

أما الولايات المتحدة الأميركية فقد أصدرت أوامرها بإنزال قوات الأسطول السادس المتواجد في البحر المتوسط في لبنان للتأهب للدخول إلى بغداد وإعادة النظام الملكي بناء على إستراتيجية أميركية وضعت بشكل بيان سري وقعة الرئيس الأميركي ايزنهاور عام 1952 يتضمن ضرورة تطويق الاتحاد السوفيتي في الشرق الأوسط بعدد من الدول الحليفة والحفاظ على منابع النفط ولو استلزم احتلالها أو إحراقها.

أما الاتحاد السوفيتي فقد كان من أوائل الدول التي اعترفت بالجمهورية الجديدة.

أما بريطانيا التي تلقت صفعة كبيرة وهي التي خططت للهيمنة على العراق لفترة ثلاثمائة سنة من خلال تطوير علاقاتها التجارية والعسكرية وإرسال المبعوثين والتجار والجواسيس ودعم الثورة العربية الكبرى وغير ذلك، فكانت تعتبر العراق جزءً من بقايا مستعمراتها أو الكومنولث، فقد كان وقع الخبر عليها كالصاعقة وبادئ الأمر فقدت توازنها السياسي فقامت بإعلان إنذار لقطعاتها العسكرية في الخليج وخصوصا الكويت والبحرين وبإنزال قوات عسكرية أخرى في الأردن بغية التدخل لإعادة الأوضاع في العراق وحماية الأردن من عمل ثوري مشابه، ثم لاحقاً فضلت استخدام سياسة امتصاص الغضب والتخطيط الهادئ للحفاظ على مكانتها ومصالحها في العراق خصوصا النفطية، فاستنادا إلى مركز الوثائق البريطانية تم التوقيع على اتفاقية بموجبها تحافظ بريطانيا على مصالحها في العراق بضمنها استمرار عمل شركات النفط البريطانيا.

ثم اتفقت بريطانيا مع فرنسا وإسرائيل بلعب ادور سياسية لتقويض الحركة فأخذت في تفتيت التحالف الثوري والوحدوي، فحرّكت ضدهم التيارات الدينية الإسلامية وأظهرت من خلال وسائل الإعلام الموالية لها الموجهة للتيارات الماركسية والشيوعية بأن اللعبة أمريكية وادعت للوطنيين ارتباط الحركة بالخارج، وبالفعل بدأ الخلاف يبدأ بين أفراد الشعب العربي والعراقي خصوصا الذي انعكس على قادة الحركة المنتمين إلى تيارات مختلفة.

الشارع العربي يتغنى للثورة بالأناشيد الوطنية والثورية

رحب بالحركة الشارع العربي من غير الرسمي والقوى والفعاليات الجماهيرية في الدول العربية المصنفة ضمن القوى التحررية والوحدوية ورحب بها خصوم الملكية فبعثت تلك القوى ببرقيات التأييد وانطلقت مظاهرات التأييد وألقيت الخطب الحماسية في التجمعات والساحات في عموم البلاد العربية كما ألقيت الأشعار والأغاني التي تغنت "بالثورة" الجديدة وانشد أغلب فناني مصر الأغاني والأناشيد الوطنية والقومية دعما للحركة وحبا بالعراق وشعبه اهما أنشودة "بغداد يا قلعة الأسود" و"شعب العراق الحر ثار" لام كلثوم، وأناشيد كثيرة للموسيقار محمد عبد الوهاب وشادية وفائزة كامل وكارم محمود وغيرهم تجاوزت خمسة عشر أنشودة.



إعلان الجمهورية العراقية

عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء والحاكم الفعلي للعراق..

أعلنت الجمهورية العراقية ولأول مرة من خلال البيان الأول للثورة، وكانت هنالك محاولات لصياغة نص البيان الأول ففي المحاولة الفاشلة للتنظيم لقلب نظام الحكم عام 1956 اشترك كل من الشخصيتين المثقفتين الأستاذ محمد صديق شنشل والسيد فائق السامرائي لوضع بعض البنود الخاصة بالبيان الأول للحركة. إلا أن فشل المحاولات السابقة لقلب نظام الحكم الملكي أدت إلى إهمال تلك الصيغة من البيان في حينه. وعند الشروع بالحركة بادر عبد السلام عارف بصفته أحد قادة التنظيم وعضوا في اللجنة العليا، بان يتبنى صياغة البيان نظرا لإتقانه اللغة العربية، وتمتعه بصوت خطابة جهوري، ونظرا لأنه سيقوم بمهمة تنفيذ "الثورة"، فقد قرر من جانبه وضع البيان وإذاعته عند نجاحه بالسيطرة على مبنى دار الإذاعة العراقية.

وبعد نجاحه في السيطرة على بغداد أذاع عبد السلام عارف بنفسه البيان الأول. وأصبح بعد الآن اسم العراق الجمهورية العراقية.

وتولى العميد الركن عبد الكريم قاسم منصب رئيس الوزراء ووزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة والعقيد الركن عبد السلام عارف نائب رئيس الوزراء ونائب القائد العام للقوات المسلحة ووزير الداخلية. وتم توزيع الحقائب الوزارية والمسؤوليات حسب ادوار الضباط من أعضاء تنظيم الضباط الوطنيين وإسهامهم بالحركة.


نهاية الملكية في العراق
بعد إعلان قيام الجمهورية العراقية يكون النظام الملكي قد انتهى حكمه في العراق، لاسيما قد سيطر الجمهوريون من أعضاء تنظيم الضباط الوطنيين على مقاليد الأمور في العراق وأحكموا سيطرتهم على جميع المؤسسات والمراكز الحيوية في بغداد والمحافظات ومنها المعسكرين الاستراتيجيين الرشيد في جانب الرصافة والوشاش في جانب الكرخ وبعد السيطرة على وزارة الدفاع والبلاط الملكي والقصر الملكي وقصر نوري السعيد. وقد تم تشكيل محكمة خاصة لمحاكمة رموز العهد الملكي.
مؤسسة من أعضاء تنظيم الضباط رفعت الحاج سري والطبقجلي وآخرين أثناء تنفيذ حكم الإعدام بهم في ساحة أم الطبول.

تميز أسلوب عبد الكريم قاسم في تفرده بالحكم بعدة أشهر معدودات من قيام الحركة وإعلان الجمهورية، تمثّل جليّا من خلال إبعاده لزملائه أعضاء التنظيم والتيارات الوطنية الأخرى المشاركة في الحكم وخصوصا قادة التنظيم وشخوص الثورة وعلى وجه الخصوص عبد السلام عارف ورفعت الحاج سري (الديّن) ونجيب الربيعي وناجي طالب وناظم الطبقجلي وعبد الرحمن عارف وعبد الكريم الفرحان وصبحي عبد الحميد وعبد اللطيف الدراجي ورجب عبد المجيد وعبد الوهاب الشواف وعارف عبد الرزاق وصالح مهدي عماش وإبراهيم الداود وأحمد حسن البكر وحردان عبد الغفار، إضافة إلى الوزراء الذين ينتمون إلى تيارات وطنية مختلفة.


وتطوّر الأمر إلى تصفية منافسيه ومعارضيه من زملائه من الضباط الأحرار مثل محاولة إعدام عبد السلام عارف وتنفيذ أحكام الإعدام بقادة التنظيم الآخرين من أمثال ناظم الطبقجلي ورفعت الحاج سري والإجهاز على عبد الوهاب الشواف وهو جريح في المستشفى وإعدام مجموعته.

وكان أخطر قرارات قاسم والتي جعلت مصداقيته على المحك، هي اعتقال وإصدار حكم الإعدام بالشخصية الوطنية رشيد عالي الكيلاني باشا وهو في سن الرابعة والثمانين.

أما خطواته اللاحقة كانت تتمثل في إفساح المجال للشيوعيين بالسيطرة على الحياة العامة ومركز القرار، حيث استمرت الميليشيات الشيوعية بحملات متواترة مع قرارات المحكمة الخاصة التي كان يديرها المهداوي، لتطهير وتصفية الخصوم ابتداءً من بقايا رموز العهد الملكي وانتهاءً بالتيارات المتنافسة والشخصيات الوطنية والعسكرية على اختلاف توجهاتها إسلامية كانت ام قومية. حيث تصاعدت وتيرة عمليات الاضطهاد وأعمال العنف بأساليب مختلفة كالسحل بالحبال والتعليق على أعمدة الكهرباء ودفن الأحياء حتى بلغت إحصائية الضحايا ما قارب العشرة آلاف مواطن، مما أثار حفيظة المنظمات الدولية والإنسانية، حيث تلقّى رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم برقيات الاحتجاج على أعمال العنف هذه التي كانت تؤججها المحكمة الخاصة بعد كل دورة محكمة. ففي إحدى المقابلات الصحفية أبدى عبد الكريم قاسم تأييده لما يحدث، لإنه شكل من أشكال الحفاظ على السلطة.

فمن جهته كان قاسم وأثناء الحكم الملكي يميل للتكتل مع خلية تنظيم الضباط الوطنيين من ذوي الميول الشيوعية ومن ذوى الانحدار الفلاحي من طبقة ما يسمى بالشروقيين. حيث كان ميّال للسماع عن العقيدة الشيوعية ومعجبا بتجربة الاتحاد السوفيتي. والعديد من المؤرخين والسياسيين يلقون بمسؤولية مقتل الملك وأفراد عائلته والطريقة التي تمّت بها على كاهل هذه الخلية حيث لم يكن مخططا لها من قبل تنظيم الضباط الوطنيين بأن تكون دموية بذلك الشكل. تحول عبد الكريم قاسم من زعيم للثورة إلى زعيم أوحد، وشيئا فشيئا تفرد بالسلطة حتى أصبح "ديكتاتور" جمع بيده كل السلطات، فاستحوذ على مركز صناعة القرار وبدأ بجمع الصلاحيات بيده مجرداً إياها من زملاءه. فأصبح هو رئيس الوزراء ووزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة وكان يتباهى بذلك من خلال مقابلاته ووسائل إعلامه التي نعتته "بالزعيم الأوحد" وتصريحاته التي كان يكرر فيها عن أسلوبه في الحكم "بأنني اعتبر العراق وحدة عسكرية والشعب هم جنودها". وعند نجاح الحركة وقيام الجمهورية، حين كان العمل في القيادة جماعيا قبل تفرده بالسلطة سمحت وزارة الداخلية التي كان عبد السلام عارف وزيرا لها بتأسيس بعض الأحزاب مثل الحزب الإسلامي العراقي وحزب الدعوة الإسلامية، إلا أن عبد الكريم قاسم وبعد حصر الصلاحيات بيده ألغى هذه الأحزاب ولم يفسح المجال لعمل أحزاب جديدة سوى الحزب الشيوعي العراقي الذي شاركه في السلطة.

تم محاكمة الرجل الثاني في الدولة عبد السلام عارف بتهمة الشروع بقلب نظام الحكم عند مجيئة لبغداد على إثر مرض والده والذي توفي على إثره حيث دحض عارف هذه التهم مبرزا البرقية التي بعثها له أخيه عبد السميع حول ضرورة مجيئه الفوري بسبب مرض والده، ثم تمت محاكمة مجموعة العقيد الشواف الذي حاول التمرد على الحكومة في الموصل ولقي حتفه في المواجهات المسلحة وحوكم من معه بالإعدام والسجن حسب دورهم في التمرد. وقد زج معهم العديد من الخصوم السياسيين بغية التصفية السياسية أهمهم مجموعة العميد الركن ناظم الطبقجلي ثم المحاكمة المثيرة للجدل للشخصية الوطنية رئيس الوزراء الأسبق رشيد عالي باشا الكيلاني. وقد هزت تصرفات المحكمة مصداقية النظام الجمهوري الجديد وشوّهت صورته وكانت مؤشرا لمرحله جديدة من الصراع بين التيارات السياسية المختلفة داخل النظام الجديد والتي انتصر في جولتها الأولى عبد الكريم قاسم ضد خصومه من اعضاء تنظيم الضباط الوطنيين وعلى رأسهم عبد السلام عارف وناظم الطبقجلي ومجموعة عبد الوهاب الشواف ثم رشيد عالي باشا الكيلاني.

وكانت المحكمة تمثل تيار عبد الكريم قاسم وهو يصفي خصومة من التيارات المعارضة من خلال جلساتها.





إرسال تعليق

0 تعليقات