آخر الأخبار

مين الأستاذ "تامر" دة؟!!






مين الأستاذ "تامر" دة؟!!



نصر القفاص



ضبطت نفسي متلبسا بالبكاء!
كنت أحاول تجنب "هرتلة" الإعلام المصري.. مررت على المواقع الإلكترونية فوجدتها لا تختلف عن حال المناطق العشوائية شديدة الخطورة فيما سبق!! أما القنوات التليفزيونية – كلها فضائية – فهى لا تختلف كثيرا.. ربما لأنها عشوائية خطرة فقط!! وأصارحكم أنني عالجت نفسي من قراءة الصحف منذ فترة ليست بالقصيرة!!

سأتوقف فقط أمام فيلم تسجيلي عن الاحتفال ببلوغ "محمد حسنين هيكل" الثمانين من عمره.. أذاعته قناة "دريم" التي انتهت عملية تخريبها منذ فترة.. وعلى مدى أكثر من ساعة, شاهدت عملا رائعا أعده ونفذه "جمال الغيطانى" بإبداع منقطع النظير.. لأنه قدم "هيكل" من خلال "الأهرام" أو قل أنه استعرض الزمن الذى كانت مصر تمتلك فيه قوة ناعمة.. أخذنى "نجيب محفوظ".. متحدثا عن حكايته مع "الأهرام" وكذلك "جمال بدوى" وأدهشني ما قاله "لويس جريس" و"صلاح حافظ" وتذكرت "سلامة أحمد سلامة" و"لويس عوض" و"يوسف إدريس" و"زكى نجيب محمود" و"يوسف جوهر" وأخذتنى لوحات "صلاح طاهر" و"يوسف فرنسيس" وتذكرت "مصطفى نبيل" و"سامى منصور" و"لطفى الخولى" و"ثروت أباظة".. الكاميرا كانت تدور مع الكلام لتقدم "الأهرام" كمبنى وتاريخ ومنارة صحفية وقلعة من قلاع الثقافة العربية.

الفيلم التسجيلى كان يحتفى بالأستاذ "هيكل" الصحفى والتاريخ والقدرة على الفعل وقوة التأثير مع عمق الوعى.. خاصة وأن المتحدثين أفرطوا فى الحديث عن الدور السادس بالأهرام, وتأثرهم بالذين سكنوه أمثال "أسامة أنور عكاشة" و"فريدة الشوباشى" أطال الله فى عمرها.

فى الفيلم نفسه ظهر "محمود درويش" يلقى شعرا خلال أمسية يديرها "سمير سرحان" وكان "هيكل" ضمن الحضور وإلى جواره "غسان سلامة" كمثقف عربى قبل أن يصبح مبعوثا للأمم المتحدة إلى ليبيا.. وكل الضيوف تحدثوا عن مصر من خلال "الأهرام" ومشوار "هيكل".. وانتهى الفيلم بجملة قالها "نجيب محفوظ" ردا على سؤال: هل تشتاق للدور السادس فى الأهرام؟ فأجاب أشوف مين هناك!!

من حسن حظى أننى عشت بعضا من هذا الزمن.. عرفت معظم المتحدثين, واقتربت منهم بقدر ما كنت أتعلم وأعلم.. أجريت حوارات مع "نجيب محفوظ" و"توفيق الحكيم" وترددت كثيرا على مكتب "يوسف إدريس" و"أنيس منصور" فى الدور السادس الذى استمر يرحب بالكبار من الكتاب والمفكرين, حتى انتهى برحيل "إبراهيم نافع" عن "الأهرام" وانقلب بعدها "الدور السادس" إلى ما أخجل عن وصفه!!

رحت فى نوبة بكاء بقطرات دم من قلبى!!

كانت القنوات المصرية تتخبط ما بين تأبين الرئيس الأسبق "حسنى مبارك" وبين تحويله إلى رمز للحرية والبناء.. ولأن رموز زمن "مبارك" عادوا يسيطرون على الإعلام المصرى, فقد أفرطوا فى الحديث عن الاستقرار الذى كان يسبح فيه الوطن أيامه.. وفقدوا الذاكرة تجاه تفجير كنيسة "القديسين" قبل الثورة عليه بأيام.. تغنوا بالحرية التى كنا نحلق فى سمائها, دون خجل من أن أسوأ عملية تزوير لانتخابات فى تاريخ مصر حدثت خلال الشهور الأخيرة من حكمه.. راحوا يهاجمون جماعة "الإخوان" متناسين أنها لم تتمكن سياسيا واقتصاديا وتسيطر اجتماعيا إلا فى عهده.. وللحقيقة كان تركيزهم على أن معدلات التنمية الاقتصادية, كانت قد وصلت إلى 7,2 % وهى النسبة التى نحلم حاليا ببلوغها.. دون ذكر إلى ما كانوا يناقشونه خلال فترة حكمه حول أن ثمار التنمية ذهبت إلى "الحيتان" من رجال الأعمال والذين عادوا خلال الشهور الأخيرة للإمساك بخناق الاقتصاد الجديد!!

فهمت خلال متابعتى للقنوات المصرية أن التوجه السياسى فى مسألة رحيل "حسنى مبارك" كان منضبطا ويقضى بالتركيز على أنه أحد أهم قادة انتصارات أكتوبر العظيمة.. وتلك حقيقة.. لكن الذين نفذوا هذا التوجيه أفرغوا ما فى جوفهم من "عفن" إعلامي وفكرى وثقافى.. ولا أقول سياسى, باعتبار أن علاقتهم بالسياسة لا تتجاوز فهم "نجاح الموجى" فى مسرحية "المتزوجون"!! ولأنهم دببة فقد شرعوا فى قتل الحاضر وتشويه المستقبل.. وذلك أحدث تناغما بينهم وبين "الجزيرة" والقنوات "المفقوسة" عنها فى "الدوحة" و"اسطنبول".. فهنا تباروا فى إبراز صورة "مبارك" على أنه "ملاك بجناحين" على حد وصف محاميه "فريد الديب" وهناك كالوا له الاتهامات باعتباره واحد من قادة "بيت الوطنية المصرية" التى هى المؤسسة العسكرية.. ليتحول المعنى النبيل من تكريم قائد عسكرى, إلى مزاد سياسى رخيص مطلوب من "الشعب المصرى الشقيق" أن يشترى بضاعته الفاسدة!!

لا أحب أن أخوض فى الحديث عن "مبارك" الذى نطلب له الرحمة, بقدر ما نترحم على كل الموتى.. ولا يهمنى – أو يشغلنى – خصومة وأنصاره.. لأن ما يهمنى هو الإعلام الذى لا يفرق كثيرا عن "يونس شلبى" فى مسرحية "مدرسة المشاغبين" عندما هلل فرحا "أبويا أتحرق.. هييه"!! فهذا الإعلام خلال أسبوع واحد نجح فى أن يقسم مصر إلى فريقين متصارعين حول فنان اسمه "محمد رمضان"!! ونجح فى تحويل فضيحة مباراة بين الأهلي والزمالك إلى صراع ديوك مجنون.. وكم كان غريبا أن يختفى وزير الدولة للإعلام تماما.. أخذ ساترا من الصمت, بينما تكلم "مكرم محمد احمد" المجلس الأعلى للإعلام مطالبا بالحرية..

 ليكرر لعبته بالهجوم كخير وسيلة للدفاع, أملا فى أن يحافظ على مقعده.. واختفى تماما "كرم جبر" رئيس الهيئة الوطنية للصحافة, باعتباره يجهز نفسه لخلافة "مكرم محمد احمد" وحاول "ضياء رشوان" أن يحافظ على حظوظه فى انتخابات نقابة الصحفيين.. كما اختفى وزير الشباب والرياضة ووزيرة الثقافة.. وهذه الصورة "السريالية" جعلتنى أتذكر "يحيى الفخرانى" فى فيلم "الكيف" عندما سألوه: "إنت جاى تعزى وللا جاى تهرج؟!" فقال: "جاى أهرج" ثم انفجر ضاحكا!!


لا أجد غير البكاء وسيلة للتنفيس

فهذا وطن تقدم بسرعة شديدة نحو القضاء على العشوائيات حول القاهرة والمدن الكبرى.. ويتقدم بالسرعة ذاتها فى بناء عشوائية إعلامية وثقافية ورياضية.. كيف يحدث ذلك؟!! الإجابة ندور جميعا بحثا عنها.. لكن طبول حرب "محمد رمضان" و"الأهلى" و"الزمالك" ورحيل "مبارك" وما سبقها من أحداث وما سيعقبها, يفرض علينا صداعا يجعلنا نعيش حالة عجز عن التفكير.. ويأخذنا بعيدا عن الحقيقة التى أصبحت كقرص الشمس.

مستحيل أن تكون مصر التى تملك "الأهرام" و"ماسبيرو" بهذا القدر من السذاجة الإعلامية والفكرية.. ولا يمكن أن نصدق ذلك الواقع الثقافى المزرى, فى دولة كانت تحرك الدنيا من حولها بثقافتها ومثقفيها.. لكنه الواقع.. لأن الذى يدير الإعلام المصرى مواطن اسمه "تامر مرسى" كلنا نحاول أن نعرف من هو؟!! وهذا المواطن نفسه يملك مفاتيح الإنتاج السينمائى والدرامى.. وما جعلنى أبكى أنه هو المواطن الذى قدم عبر إحدى القنوات التى يديرها, هذا الفيلم التسجيلى عن "هيكل" و"الأهرام" وذلك لا يعنى سوى شىء من اثنين.. إما أنه "شاهد ماشفش حاجة".. أو أنه يتعمد قتلنا كمدا وغيظا وحزنا على وطن تتزايد فيه حالة التوتر والغضب.. لأن "مستقبل الوطن" تحول إلى لعبة يلهو بها الصغار.. وليس "مستقبل وطن" المسخ السياسى الذى يقال عنه حزب, والذى تتفق الأغلبية على أنه لا يكف عن إشعال الحرائق.. والمؤسف أن البرلمان وافق برفع أيدى بضع عشرات من أعضائه على ضرائب جديدة مطلوب من الشعب أن يدفعها!!

إرسال تعليق

0 تعليقات