علام القلق ورحمة
الله أوسع
علي الأصولي
نقل لنا شاهد عيان آخوندي في الأزمنة القريبة لزماننا نوعا ما، حول حدوث
وباء رهيب حل في النجف الاشرف، واجتاحها طولا وعرضا، حتى بلغت القلوب الحناجر من
الهلع والفزع،
حتى وصل أن يدفن في اليوم الواحد أربعمائة إنسان من النجف وضواحيها، بحيث أن
خيام متعددة نصبت في الميادين لغسل الموتى،
ولم تكن الفزعة مقتصرة من كثرة الأموات وانعدام الدواء وقلة الحيلة بقدر ما
صاحبة كل ذلك أجواء الغروب الغريبة آنذاك إذ تغطى سماء النجف في وقت المغرب بسحب
حمراء وصفراء ونارية مع جو حار جدا - ولك أن تتخيل ذلك - يذكر لنا هذا الطالب بأن
باب غرفته مطل والمفضي إلى طريق الماء حيث دكة غسل الأموات،
يذكر أن كل خمس دقائق اسمع أصوات التهليل، مما يدل على أن الميت شخصية
كبيرة، مع أن الفقراء ومتوسطي الحال يأتون به بلا ضجة ولا تهليل والاقتصار على
الحمالين فقط،
يقول في لليلة من الليالي كان عندي سيد من أهل أصفهان في ضيافتي وفي أثناء
الليل ونحن على السطح انتبابني الإسهال ثلاث مرات وفي الثالثة شعرت بالانهماك
الشديد في ركبتي حيث لم تتمكنا من حملي إلى السطح مما اضطررت الاستلقاء والبقاء
على السلم، في رواق الحجرة على الطابوق،. مستعدا للموت، فاستدعيت السيد الأصفهاني
فنزل ليعتني بي ، وكان هو الآخر ينتظر حلول الصباح ليهرب!!
وكانت ميتة الوباء سيئة بالغربة، وما أن جاء الصباح حتى توارى السيد
الأصفهاني، بينما بقيت وحدي منتظرا الموت مع الوهن الشديد، إلا أن عزرائيل لم
يشرفني بزيارته،
ونهضت وذهبت للطبيب ووصف لي شرابا فاشتريته من العطاء وفي باب الدكان شربته
كله، فتوقف الإسهال وأصبح عندي حالة غثيان مع عدم التقيء،
وأنا في هذه الحالة لم ينفك ذهني عن التفكير بالموت وانتابني قلق شديد لأني
إذ لم أمت اليوم فغدا،
وما زال التفكير بالموت مسيطرا على ذهني ورتبت بعض الأجوبة لسؤال القبر
وأحسب أعمالي من صلاة وصوم ودرس وواجبات ومستحبات وزيارات بل حتى حسبت الخطوات
التي خطوتها من سبزوار إلى كربلاء ثم النجف بالحسابات التقديرية، وبكيت كثيرا
وذهبت للحرم العلوي متوسلا بغربتي واستحلفت الأمير (ع) بالضيافة،
ومع كل ذلك لم يكن لي اطمئنان لأعمالي وقد صاحبتي رؤيا وأنا في هذا الحال
وشاهدت بعض الأموات ومنهم أمي، إلا أن قررت الذهاب لكربلاء لكسب الحسنات وازالت
السيئات وفعلا توجهت للزيارة، مع أني مؤمن لا استطيع الاحتجاج بأعمالي وتكاليفي
بينما المستحبات وزيارت المشاهد ترجح من كفة الميزان،
واستمر الوباء من أواخر الربيع حتى نهاية الخريف حيث كان فتاكا في البداية
إلا أنه تباطأ بعد أكثر من شهرين ، وكان يشتد أواخر كل شهر ،
ولم يفرحني موت أي إنسان إلا موت مغسل أموات في النجف كان يتولى تغسيل مائة
ميت منذ الصباح حتى المساء، ويتقاضى عن كل واحد منهم تومانا واحدا، حيث بلغ دخله
بعد شهرين أو ثلاثة وفي وقت انخفاض عدد الوفيات، ما يزيد على ثمانية الألف تومان،
وقد سمعت انه أعلن عن ابتهاجه وسروره حين سمع أن الوباء يشتد بالكوفة، مما
سيمكنه من تغسيل مائتي جثة في اليوم الواحد، مما جعله يشد الرحال ماشيا للكوفة
بهذا القصد، وفي الطريق ظهرت عليه أعراض الوباء فاسلم روحه ومات في ظهيرة حارة،
وقد نال جزاؤه وفاقا لما تمناه في أن يفتك الوباء بالمسلمين بشدة،
نعم إن من روى هذه القصة هو السيد محمد حسن النجفي صاحب كتاب ( سياحة في
الشرق ) ولم يمت جراء هذا الوباء والمرض برحمة الله تعالى، بينما من كان يتعامل مع
الأموات والوباء قد لقي حتفه ما بين النجف والكوفة،
نسأل الله السلامة
للجميع، والشفاء للمرضى
0 تعليقات