الدولة والإسلام... حكم شرعي أم نتيجة تاريخية؟ (3)
عز الدين محمد
القراءة الأولى
هناك خلاف معروف بين الإسلاميين وخصومهم، فالطرف الأول يرى بأنّ الإسلام
دين سياسي وأن دعوة النبي محمد (ص) كان دعوة إلى إنشاء دولة، وأن الإسلام كفكرة أو
كمجموعة بشرية لا يمكن أن يكون إلا في إناء يحتويه وهو الدولة. ومن طرف آخر يرى
خصومهم بأنّ النبي محمدا (ص) هو داعية إلى التوحيد وإلى مكارم الأخلاق، ولم يكن
ضمن أهدافه تشكيل دولة. أي إن إنشاء الدولة أساسا لم يكن هدفا في الإسلام، بل هي
أمر عارض، فالإسلام دعا الناس الى التوحيد ونبذ الشرك، وشرع لهم الصلاة والصوم،
وما الى ذلك. لقد كان دعاء النبي (ص): "قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا"،
فلم تتضمّن دعوته هدف قيام دولة ولو بنحو الإشارة، بل اقتصر الأمر على تغيير
المفاهيم التي تتعلق بالدين، وأحيانا بالعدالة الاجتماعيّة.
واعتقد أن هذا القول صحيح في مقدمته، لكنه ليس صحيحا في نتيجته. وأنّ ما
يجب أن نلحظه ليكون الفهم صحيحا ليس مجرّد النظر في نصوص المرحلة الأولى من
الدعوة، بل وكيفية تكوّن الدولة. لقد اتسعت رقعة البلاد التي تدين بالإسلام لاسيما
بعد فتح مكة، وكان لا بد من وجود إدارة وقضاء، أيضا كان هناك جيش، وبالتالي لم تكن
الدولة فكرة دعا إليها النبي (ص) أو خطرت متأخرة عليه، بل كانت ضرورة آلت إليها
الأمور.
إنّ دعوى أن النبيّ (ص) لم يتحدّث عن دولة ليس دقيقا، وما قيل من رفض النبي
(ص) أن يسمى ملكا او رئيسا، وأنه اكتفى باعتباره نبيا رسولا؛ فهذا لا يغيّر شيئا
من واقع أن النبيّ (ص) كان يرأس دولة بالفعل، فقد كان يرسل الجيوش ويخاطب الملوك،
ويعيّن الولاة، ويرسل القضاة، وما الى ذلك. بل لقد كان هناك أكثر من حديث وبشرى عن
دولة تعمّ الجزيرة وتصل فارس، يأمن فيها الناس، وتجبى إليها الأموال وما إلى ذلك.
نعم، الدولة لا ترتبط بالدين كدين، وهي لا تنتج عنه، بل تتحقّق مع بوجود
مقومات الدولة وتحقّقها، فهي نظام إداريّ يحتّم وجوده وجود عدد كبير من البشر على
أرض محددة، ولا دخل لها بالدين، وبالتالي فالدين لا يستلزمها ولا يتعارض معها.
بتعبير آخر: فإن قيام الدولة لم يكن حكما شرعيا، بل هو نتيجة تاريخية. كما
إنّ نظام الدولة في صدر الإسلام ليس أمرا دينيا بحتا يرتبط بالوحي، بل هو أمر
إداري بحت، فهو يرجع إلى الإدارة والتدبير. وحتى النصوص التي تحدّد أمورا تتصل
بالسياسة كانت تنظر لهذا الأمر، فالنص لا يستلزم التأبيد، بل يختلف الأمر بحسب
طبيعته؛ فالأمور التي تتعلّق بالعبادة مثلا تعبديّة لذا فهي لا تتغيّر، وأما
الأمور التي تتعلّق بالإدارة فهي متغيّرة.
والنتيجة فإن النبي (ص) أنشأ فعلا دولة، لكن المبدأ الأساس عنده لم يكن
الدولة، بل كان العدل سواء بالنسبة للحاكم أو المحكوم بوجود الدولة أو بغير
وجودها، وبغض النظر عمن يمسك بالسلطة، فالمهم هو العدل.
0 تعليقات