النهضة الفاطمية دراسة فى خطاب ناصر الزهراء (5)
محمود جابر
خرج اليعقوبى ليقول:
بسم الله الرحمن الرحيم
(إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ )...
خرج اليعقوبى يعلن :
"فاطمة الزهراء: ميزان الحق "...
صدع اليعقوبى بالحق حينما أعلن أنه يشيع جنازة سيدته وسيدة العالمين،
الأولين منهم والآخرين، ويحيى ما أعجز السابقين عن القيام به، وهو الإحياء
الفاطمي، اليعقوبى يصدع بما أمر به، وقام بالأمانة التى فقهها من قول الله تعالى
(فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي
الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ
يَحْذَرُونَ) التوبة 122 .
والتشيع كان رمزيا، ورمزيا أراد اليعقوبى أن يهيئ الناس للتمهيد للغائب
المنتظر فهل فهم الناس دلالات الكلام عام بعد عام بعد عام ؟!!
التعرف على هدف النص وصاحبه:
أما النص الذي بين يدينا فإنه نص يتميز بالسهولة والبساطة، في معانية
وألفاظه وتركيب جملة، وهذا أمر ربما لا نجده متاحا أو موجودا في الكثير من خطابات
المراجع والأفاضل فى الحوزات العلمية، ولان صاحب النص هو وريث الصدر المقدس الذي
قرب إليه مجموعة من طلبة الحوزة الجدد المريدين والمقلدين له، وكانت الأغلبية منهم
متحدرين من الطبقات المسحوقة من مدن وسط وجنوب العراق أو من الأحياء الهامشية في
بغداد ذات الأغلبية الشيعية كمدينة الثورة (تحولت بعد سقوط النظام إلى مدينة
الصدر) أو مدينة الشعلة، أو حي الحيانية في البصرة الذي يضم الكثير من المهاجرين
من محافظات الجنوب الفقيرة إلى البصرة.
والذي اشتغل على مسائل جمع فيه الشعبي بالرسمي من التدين الذي كان يحاول
نشره ، فمثلا اصدر كتابه فقه العشائر في محاولة لبسط مرجعيته وعودة الشعائر
الحسينية الشعبية إلى حضن المرجعية، وهو الأمر الذي أكد عليه اليعقوبى فى خطابات
المرحلة فى لمحة تكاملية بين جهد السيد الشهيد وجهد تلميذه اليعقوبى[1].
كما أن وسيلته الأنجع للاحتكاك بشبكة مقلديه من الطبقات
الدنيا اجتماعيا كانت عبر دعوته لإعادة العمل بصلاة الجمعة، وتعد خطب الجمعة مصدرا
مهما لفهم التيار الشعبي الذي التف حول الصدر واستمرارها مع اليعقوبى والحفاظ على
اللغة السهلة والبسيطة التي تخاطب كافة المستويات .
كما أن حركة الصدر ومن بعده اليعقوبى ارتبطت بهموم الناس
البسطاء الذين لم يستطع النظام الصدامى إسكاتهم فور عملية اغتيال أستاذهم ومرجعهم
فخرجوا بمظاهرات متعددة عقب استشهاده، وهي شهادة على نجاحه في بناء قاعدة شعبية،
وقد نبعت قوته وشعبيته الواسعة من تصميمه على مساعدة فقراء الشيعة والاستماع لهم
والتعبير عن آمالهم وتصويره للكفاح باعتباره تعبيرا عن الشهادة الشيعية والثورة
الاجتماعية.
النتيجة، لقد نشأ تيار شعبوي نتيجة التفاف فقراء الشيعة
حول المرجع محمد الصدر، الذي خاض صراع متعدد الأبعاد، ثم مرت بحالة من الكمون حتى
سقوط النظام البعثى، ثم انبعاثها كتيار رسالى تحت عباءة المرجع اليعقوبى .
واستطاع اليعقوبى أن يملئ الفراغ الذى تركه الصدر
الثاني، بل ويتوسع في تلك القاعدة وتصدى للمشاكل الاجتماعية وحل النزاعات حتى راح
البعض ينعته بالقاضي، وقد استطاع سماحته أن يسد نقصا كبيرا عند المجتمع سببه
ابتعاد المراجع الآخرين عن الناس وعدم الاهتمام بشؤونهم .
وفى ظل ما تمر به أمتنا وشعوبنا من أزمات حادة وحالات من
انسداد الأفق وضبابية الرؤى المستقبلية لا سبيل للخلاص منها إلا بتحليل ودراسة هذه
الأوضاع للوقوف على مواطن الخلل والضعف و كان لابد أن تتصدى المرجعية بدورها في
تحليل ونقد الأفكار وطرح الأسئلة المعرفية من اجل تصحيح الاعوجاج وإعادة بناء
المفاهيم والقيم وقيادة المجتمع والرأي العام نحو الوجهة الصحيحة والخيارات المثلى
المناسبة للمصلحة العامة، ومن هنا فإن قيادة اليعقوبى لم تكن تقرب للجموع والفئات
الاجتماعية المهمشة إلا من أجل ذلك.
أضف إلى ذلك أن
عام الخطاب هو العام قامت فيه الإدارة الأمريكية المحتلة للعراق بتدبير حربا أهلية
استهدفت كل العراق شعبا وأرضا وحضارة، ولولا فضح اليعقوبى لهذه المؤامرة وتسميتها
باسمها الحقيقي لاستمر التآمر حتى يصل المحتل إلى بغيته بمعاونة بقية من أتباع
السقيفة من حكام العرب والإرهابيين التكفيريين، وقد دعا سماحته إلى تشكيل الحشد
الشعبي للدفع عن العراق والعراقيين لوقف نزيف الدم العراقي، وهذه المواجهة وفضح
المخطط والدعوة إلى مواجهته عن طريق مزيد من حشد المؤمنين وتعبئتهم خلف قيادتهم
حينما دعت المرجعية الرشيدة إلى صلاة الجمعة الموحدة لمحافظات الجنوب في البصرة
يوم 2 صفر(الموافق3/3) وتلي فيها بيان (ماذا بعد تفجير سامراء) وافتتحته بأنه: لقد
حان الوقت لكي تمسك الأمة زمام المبادرة. فقد حصلت تغيّرات سياسية مهمة وأجهضت
مشاريع خطيرة وأثمر هذا التلاحم والتناغم بين الأمة وحركة المرجعية نجاح كبيرا[2].
وقد ساعده على ذلك امتلاكه القدرة المعرفية وملكة
التفكير والرؤية الاستشرافية ومعايشته لهموم المجتمع والأمة ولسماعه لصوت
المضطهدين، ودفاعه عن القيم، مؤسسا بذلك أرضية صلبة لتماسك القواعد الاجتماعية، من
أجل ممارسة الفعل الاجتماعي، فالمرجع الرسالى هو ضمير الأمة وصوتها المعبر عن
طموحاتها وآمالها.
ونرى أن مسؤولية الانسداد السياسي والاجتماعي لا تقع على
السياسي لخضوعه للاكراهات السياسية والضغوط الداخلية والخارجية كما لا تقع على
المواطن البسيط الذي يخضع للاكراهات الاجتماعية ومتطلبات المعيشة وهمومها ولكن
المسؤولية تقع على عاتق المرجع بوصفه مستقلا عن جميع الاكراهات منتجا للمعرفة
وللرمزية المرتبطة دائما في ذهن العامة بان المرجع يملك جزءا من الحقيقة.
والمرجع الرسالى بهذا الأساس ليس ضمير المجتمع الذي يعيش
فيه فحسب، ولكنه ضمير الإنسانية بصورة عامة والعدالة والحرية وحقوق الإنسان ضالة
هذا المرجع أينما حلت وأينما كانت.
فالمرجع يملك رأس المال الرمزي الذي يمكنه من قيادة
الرأي العام والتأثير فيه، وصوته المسموع يفتح الآذان الصماء، كما انه ليس معلقا
على الأحداث ولكنه مستشرف للمستقبل بنظرته الثاقبة ومناصر أصيل لقيم الحرية
والعدالة غير مفرط في سيادة الأوطان وتضحيات الأسلاف، وهو ليس بالضرورة في موقف
عدائي أبدي ضد السلطة الحاكمة ولكن يجب أن يبقى في حالة يقظة فكرية دائمة ضد
مناوراتها.
هذا ويمكننا أن نعتبر أن دعوة اليعقوبى للتشيع الرمزي
للزهراء خروج عن نمط التفكير السائد للجماعة، ولكن هذا الخروج هو توجه نحو آل
البيت الذي يمثل طريق الخلاص لأحلام الناس وعقيدتهم، وهذا العمل بكل تأكيد مُغاير
لكل التصورات الكلاسيكية ولكل توجهات الجمهور، فالمرجع الرسالى لا يقبل أن يستغل
عاطفة البسطاء وسذاجتهم، ولا يطرب لتصفيقهم، لأنه يُغرد خارج سرب الجمع الذي
تُحركه العاطفة والتصورات الكلاسيكية الموروثة، لكن اليعقوبى نأى بنفسه عن ملذات
السكون والتجريد، رافضاً أن يكون أداة أو وسيلة للسكون والغيبوبة، يرغب بأن يكون
هو لسانهم الناطق والمعبر الحقيقي عن معاناتهم وصبرهم الجميل والثقيل، لأنه العقل
الناطق باسم هذه الجماعة، وهذا الفهم نجده بيَناً في كتابات علي شريعتي في تمييزه
بين "المثقف الأصيل" و "المثقف التقليدي"، فالمثقف الأصيل هو
الذي يعي ويعيش مُعاناة الجماهير، هو مُعارض ورافض دوماً لكل مثقف يعيش حياته
مُفارقاً لحياة مُجتمعه.
وهذا المرجع الرسالى هو الذي يُمهد لقيام "حكومة
إسلامية"، لأنه هو من لديه الملكة الفكرية والقدرة لخلق جماعة حركية تؤمن
بقدرتها على قيادة الأمة الإسلامية سواء من خلال حزب يمثل الطليعة أو جماعة منظمة
تقود المجتمع نحو "الحكومة الإسلامية"، ولا يمكن أن يعيش المجتمع فى
حالة إيمان ويتطلع نحو "الحكومة الإسلامية" ولديه قضاء لا يحكم بأحكام
الله وهذا الذي جعل المرجع يهتم بهذه القضية فى اجتماعه مع عدد من المحامين
والقضاة لوضع تصور للصول المجتمع إلى أسلمت أحكام القضاء [3].
إذا
النص الذي بين أيدينا هو نص يستقيم مع جمهور الانتظار الحقيقي، وليس الجمهور
الكلاسيكية.
هذا
الجمهور وإن كان توجهه إلى بناء دول ديمقراطية، ولكن لابد أن تكون قوانينها وفقا
لشريعة الله، بأن يكون هناك دورا دستوريا للمجتهد الجامع للشرائط؛ لأنه
–أي الفقيه- يمثل القانون الشرعي والأعلم به وبتطبيقاته والأقدر على تشخيص الأحكام
للحالات المختلفة، وليس في هذه الفكرة مصادرة لرأي الأمة التي اختارت، وإنما هو
تقنين وتكييف شرعي لاختيارها وإرادتها، وبالنسبة لي فإني أرى وجوب تعديل أكثر من
فقرة لإضفاء الإلزام الشرعي على الصياغة المنشورة في الصحف الرسمية للدستور[4].
وهذا دور الحوزة ومراجعها التي تمثل الكيان القيادي
للأمة بما تقتضيه مسؤوليات القيادة من نشاط سياسي واجتماعي وأخلاقي وتربوي وفكري
وإنساني وحتى اقتصادي [5].
هذا وليعلم القارئ العزيز أننا نتكلم عن نسق عام يعيد
فيه المرجع تشكيل رؤيته للمجتمع للدستور وللمرجعية وللساسة وللمثقفين مما يعيد
ترتيب البيت جملة وتفضيلا، فدعم سماحته للعملية السياسية لها هدف واحد ووحيد وهو
وجود قيادة عقلانية للأمة تحفظ النظام الاجتماعي وهذه هي الوسيلة المتيسرة لإيصال
هذه القيادة الصالحة إلى قمة المسؤولية، للقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
فريضة واجبة ومن أعظم المسؤوليات الشرعية وهي ذات آليات متعددة تختلف من حيث سعة التأثير
وقوته ولا شك أن أوسع هذه الآليات وأعظمها تأثيراً إصلاح النظام الحاكم أي قمة
الهرم وبالتالي إصلاح حال القاعدة كلها ورفع المظالم عن الناس واستنقاذ حقوقهم
وتوفير السعادة والازدهار لهم، إننا مسئولون عن إقناع الناس بالإسلام كمنهج شامل
للحياة وان ذلك إنما يتحقق من خلال الوصول إلى مفاصل الحكومة والنجاح في العمل
وحسن الأداء وحينئذ ستزداد ثقة الناس وإيمانهم بالإسلام[6].
إذا
النص محل الدراسة ليس مقطوع الصلة بخطابات سماحته في تلك السنة، ولكنها – النصوص –
كلها مثلت أسس موضوعية خلقت بيئة مشابهة لبيئة نهضة الزهراء لإقامة الحجة على
المسلمين .
وأي نص فى أصله هو عبارة عن نص معلق، لان النص يتعلق بين
الكاتب والقارئ والمستمع، ومدى تفاعل القاري والمستمع هو الذي يعطى للنص أبعاده،
وعليه فإن النص ليس مستهلكا وإنما منتجا، والقارئ للنص أو المستمع له هو المتفاعل
معه، لان النص ليس بنية من الدلالات ولكنه إشارات قابلة للانعكاس على الذات وعلى
الواقع ومهما كان نوع القراءة أو الشارح للنص فإنه كلما كان النص سهلا وبسيطا وذو
دلالات لا تستشكل على السامع أو القارئ كلما كان حجم التفاعل والإسقاط والشرح يأخذ
حيزا كبيرة ويترجم إلى واقع عملي، واعتقد هذا كان أحد مستهدفات اليعقوبى في أن
يكون نصه الذي يلقيه على جمهوره ومستمعيه وقارئيه بهذه السهولة والبساطة واليسر.
هذه المدرسة الرسالية يعلم الجميع أن لديها رصيد معرفي
ودراية بتطورات العالم رصدا ومتابعة وتصورا، ولديهم تحليل جاد ورؤى معمقة وناضجة،
ولهذا فان هذا الجمهور العريض ينتظر التدخل لمعالجة المشكلات السياسية، ويجب أن
يكون ذلك من خلال البحث عن القيادة الصالحة للأمة وإعلان الحكومة الإسلامية كموقف
.
فمنهج آل البيت
يهدف استراتيجيا أن يكون الشيعة هم زينة أهل البيت[7]،
وهذه إستراتيجية يجب وضعها موضع التنفيذ ولا يجب أن تبقى محصورا في الفقه الفردي
وفقه الأخلاق في ظل عالم يتسم بالتعقيدات، وعلى الشيعة أن يعرفوا كيف يعيشون في ظل
هذا العالم، وبأي توجهات يمارسون الدراسة والتحصيل العلمي، وما هو نوعية استثمارهم
واقتصادهم، وكيف يتم تنظيم مشاركتهم الاجتماعية والسياسية وتقاليد وآداب تواصلهم
وما هو دور النساء فى استراتيجيات التمهيد طويلة الأمد.
ومن هنا فإن كلام اليعقوبى ذو مسحة ولون تستشعره القلوب المؤمنة البسيطة،
يأخذ الجمهور من نقطة تشيع الزهراء كموقف نفسي، إلى الانتصار لها كموقف حركي،
متخذا من دلالتها على الإمام واجب الطاعة، والبحث عن القيادة لصالحة كمدخل لإقامة
الحكومة الإسلامية ...
بدأ اليعقوبى خطاب الجماهير بما يشتركون فيه من شعور حتى
تتوحد الجماهير مع القائد فقال ...:" يا سادتي إن قلوب المؤمنين حرّى، وجمرة
حزنهم ولوعة مصابهم متّقدة لا تنطفئ أبداً حتى ينتصف المظلوم من الظالم ويعود الحق
إلى أهله ويرثَ الأرض ومن عليها عبادُ الله الصالحون أو يختار الله لنا لقاءكم
ومرافقتكم"[8].
وقف ((ناصر الزهراء)) احتراما للحق المغبون، يذكر جموع
المؤمنين، وكل الحاضرين والسامعين، ويبلغ الدنيا كلها، فيقول:" لا يعرف قدر
فاطمة إلا خالقها حين جعلها من أهل البيت الذين أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً،
وإلا أبوها رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم" الصادق الأمين الذي قال
فيه الله تبارك وتعالى:(وَمَا يَنطِقُ عَن الهَوَى، إنْ هُوَ إلا وَحيٌ يُوحَى)
(النجم:3-4) (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ، لأَخَذْنَا مِنْهُ
بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ) (الحاقة: 44-46) الذي قال
فيها (فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها) وقال "صلى الله عليه وآله وسلم"
مخاطباً إياها" "إن الله يغضب لغضبكِ ويرضى لرضاك"، فهي ميزان الحق
وبها يُعرف طريق الهدى ويُنال رض الله تبارك وتعالى، فلا يصل إلى الهدف المنشود من
لم يوالي فاطمة ويسير على نهج فاطمة ويجعل فاطمة معياراً لتمييز الحق من الباطل،
وهكذا أرادها الله تعالى ورسوله الكريم أن تكون للأمة حتى لا تضلّ وتشتتها
الأهواء"[9].
وحين نصف هذا الرجل بـ (ناصر الزهراء)، فهو وصف يستقيم
مع الحال، وهو عين المقال، لأن السابقين، كما قلنا قعدوا عن تشيع جنازتها، وما حرم
من جنازتها الأولى والتالية إلا كل محروم، وما حرم من القيام بحقها، والتذكير
بوصفها إلا كل جاحد، ولما كان المؤمنين عليهم أن يتذكروا وان يحيوا الأمر الذي
طالبهم به أئمتهم الأطهار بقولهم " رحم الله من أحيا أمرنا" وهل أمر
الإسلام إلا فاطمة (!!)...
وما عسى أن أقول، عمن قعدوا، وعمن ركنوا، واليعقوبى يقول في نفس الخطبة الأولى في التشيع الأول، في
ساحة العشرين منذ اثني عشر عاما على مرأى
ومسمع من كل العالم: " الأمة الغافلة
الطائعة لهواها المستسلمة إلى أمراضها النفسية وعُقَدِها الاجتماعية أعرضت عن هذا
كله، ولم تصغِ إلى موعظة الزهراء وتذكيرها وإنذارها لهم بين يدي عذاب شديد (فنعم
الحكَم الله والزعيم محمد والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون ولا ينفعكم
إذ تندمون، ولكل نبأ مستقرٌ وسوف تعلمون من يأتيه عذابٌ يخزيه ويحل عليه عذاب
مقيم) ... وقالت (عليها السلام) (ويحكم أفمن يهدي إلى الحق أحقُّ أن يُتّبع أمن لا
يهدِّي إلا أن يهدى فمالكم كيف تحكمون؟! أمَا لعمري لقد لُقِحتْ، فَنَظِرَةٌ ريثما
تُنتج، ثم احتلبوا ملء القُعب دماً عبيطاً وذعافاً مبيداً، هنالك يخسر المبطلون
ويعرف التالون غبَّ ما أسس الأولون، ثم طيبوا عن دنياكم نفساً، وطامنوا للفتنة
جأشاً، وأبشروا بسيفٍ صارم، وسطوة معتدٍ غاشم، وبِهَرَجٍ شامل، واستبداد من
الظالمين يدع فيئكم زهيداً، وجمعكم حصيداً فيا حسرتا لكم! وأنّى بكم وقد عميت
عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون).
فصدقَ عليهم قول رب العزة والجلال (وَمَا مُحَمَّدٌ
إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ
انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ
اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ)آل عمران: 144.[10]
ففاطمة كما يقول الحق، وكما هو الصدق، وكما هو لسان حال
اليعقوبى هي (( ميزان الحق))، ميزان الحق الذي اقتحم بيتها، وروع أبنائها، بعد أن
أحرق، أو كاد أن يحرق دارها، وأي دار كان دار فاطمة أنه دار الوحي، وبيت الصدق،
ومبعث النور الذي يهدى به من اتبع رضوانه سبل السلام، أنه منبع الكوثر، الذي لا
ينقطع من آل محمد...
ورغم كل ما كان، وما حدث، فإن ميزان الحق – فاطمة- لم
تقعد عن طلب الحق والإلحاح به، ومواجهة الظلم، والبغى، والعدوان، والحيف، واغتصاب
الحقوق، ولم تسكت الزهراء عن الظالمين، والمنحرفين، والفاسدين، والمتاجرين بالدين،
والمتسلطين على رقاب الأمة بغير حق، وخلّدت هذه الثورة بتساؤلات تدفع كل باحث عن
الحقيقة إلى التحقيق والتمحيص حتى يهتدي بنور فاطمة، لماذا تغادر فاطمة الدنيا وهي
ابنة ثمانية عشر عاماً في عمر الزهور؟!
فأي جريمة
يرتكبها النور، وهو يمحو الظلمة؟!!
وأي جريمة فعلها
الصباح، وهو يزيح ظلام الليل؟!!
حتى يكون جزاء
الحسنة السيئة، يدفن النور ليلا، ويحرم من ثناء ضوءه الجموع المؤمنة، ويظل فى حالة
الحرمان منذ أربعة عشر سنة حتى يقوم ناصرها بما كان يجب القيام به، هل تدرون الآن
لما نقول عن اليعقوبى ناصر الزهراء؟!
اليعقوبى يجيب عن الهدف والمستهدف والمأمول .... إحياء
استشهاد الصديقة الطاهرة ليس إثارةً لتأريخٍ مضى وأصبح إرشيفاً، وإنما يعني
الاهتداء لطريق الحق الذي رسمته ما دام رضاها علامة على رض الله تبارك وتعالى
ورفضها دليلا على غضبه سبحانه.
إن إحياء الذكرى العطرة يعنى العودة إلى التوحيد، يعنى التحرر من عبودية الذات والأطماع والهوى
والأنانية والمصالح وطاعة الطواغيت ... يعنى رفض الظلم والفساد والانحراف والتسلط
على رقاب الأمة بغير حق. ويعني الوحدة الحقيقية للأمة تحت راية القيادة الحقّة [11].
والناصر هنا واقف عند موعظة
أمير المؤمنين ع فى شقشقيته وهو يقول :" وْلاَ حُضُورُ الْحَاضِرِ وَقِيَامُ
الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ. وَمَا أَخَذَ اللَّه عَلَى العُلَمَاءِ أَنْ لاَ
يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ وَلاَ سَغَبِ مَظْلُومٍ".
وهنا نسأل القارئ الكريم، أليس من ينتصر للحق ناصرا له؟
-
فماذا نسمى من ينتصر لحق الزهراء ؟
-
-
ألا يحق لنا أن نسميه ناصر الزهراء؟
-
-
وإذا كان قول الحق فضيلة، والشهادة لله، فلماذا
تسمون محمد بن موسى اليعقوبى بـ "اليعقوبى" ؟!
-
-
ومن الحق أن نسميه "ناصر الزهراء"،
أليس ما أقوله حقا أم هو محض افتراء أو مداهنة ؟
-
-
فأنا أقول بمليء فيٍ ... يقول ناصر الزهراء ...
مخاطبا الجموع ..
إنكم بفعاليتكم المباركة هذه تسنّون للأجيال القادمة
شعيرة مقدسة نحيي فيها كل معاني الحركة الرسالية لفاطمة الزهراء (عليها السلام)،
ونجدد قضية الزهراء لنعرضها للعالم، فقد آن الأوان إلى أن تُنصِف الأمة فاطمة
الزهراء، وكفى الإهمال والتضييع لأكثر من ألف وأربعمائة عام، فاصبروا وصابروا
وجاهدوا لترسيخ هذه السُنة الشريفة فإن الإمام الصادق (عليه السلام) عدّها من
أقسام الجهاد قال (عليه السلام) (وأما الجهاد الذي هو سنّة فكل سنّة أقامها الرجل
وجاهد في إقامتها وبلوغها وإحيائها فالعمل والسعي فيها من أفضل الأعمال لأنها
إحياء سنة وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من سنّ سنة حسنة فله أجرها
وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيء).
ثم بدأ اليعقوبى برسم خطة لعمل دءوب لنصرتها سلام الله
عليها....
من خلال:
كل وسائل الاتصال والإعلام والتبليغ لنعرّف البشرية
جميعاً طريق الحق الذي رسمته فاطمة الزهراء (عليها السلام) ...
وهنا نسأل كل الذين وقفوا فى هذا المشهد المهيب منذ اثني
عشر عاما، كم بذلتم من ساعات سنى عمركم الماضية فى نصرت الزهراء؟ ألا تعلمون أن من
ينصر الله ينصره؟ ألا تعلمون أن فاطمة ميزان الحق الذى به يستقيم الناس على الصراط
المستقيم ؟
ألا تعلمون بأن فى نصرتها والانتصار لحقها يستجب الدعاء؟
ويرفع البلاء؟ ويعم الرخاء؟ أم إنكم عن هذا زاهدين ؟!!
ومن هنا فقد كان خطاب اليعقوبى عملية تعبئة طويلة الأجل
من أجل أن ترفع الأمة صوتها وتطلب ما يريد حتى يكون انتظارها عمل ايجابيا وليس
بكاء وقعود، فتعبئة القواعد المؤمنة بقضية الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه
الشريف) لهذا الهدف المبارك[12].
[3] - خطاب المرحلة رقم (104)
29/1/ 2006.
[4] - خطاب المرحلة (94) اصلاح
الدستور 24/9/2005.
[5] - خطاب المرحلة (100) دور
الحوزة . 1/1/2006.
[6] - خطاب المرحلة رقم (101)
7/12/2005.
[7] - سليمان بن مهران قال: دخلت على الصادق وعنده نفر من الشيعة
فسمعته وهو يقول: معاشر الشيعة كونوا لنا زينا ولا تكونوا علينا شينا قولوا للناس
حسنا، واحفظوا ألسنتكم، وكفوها عن الفضول وقبيح القول"
تفسير العياشي ج ١ ص ٤٨ (٢) تفسير القمي ص ٤٣ (٣)
الخصال ج 1 ص 153 (4) أمالي الصدوق ص 2 (5) أمالي الصدوق ص 126 (6) أمالي الصدوق ص
240
[8] - خطاب اليعقوبى الزهراء ميزان الحق .
[10] - السابقة
[12] - خطاب المرحلة رقم (102)
فى 14/1/2006.
0 تعليقات