أهمية أن نقرأ يا
ناس!! (40)
نصر القفاص
حشدت مصر قواتها فى سيناء اعتبارا من 14 مايو 1967, وتقدمت يوم 18 مايو
بطلب سحب قوات الطوارئ الدولية..
ويوم 22 مايو تم إعلان إغلاق مضيق "تيران" فى وجه الملاحة
الإسرائيلية..
هنا أعلنت إسرائيل أن هذا القرار يمثل إعلان حرب, وأنها تستند إلى المادة "51"
من ميثاق الأمم المتحدة التي تعطيها حق الدفاع عن النفس..
ولاحظ هنا "حق الدفاع" الذي تولت "واشنطن" تغطيته
بالتأكيد على أن من يبادر بالقتال سيتكتل المجتمع الدولي ضده.. ووصلت الرسالة
ذاتها من كل عواصم المجتمع الدولي الكبرى وكذلك الأمم المتحدة, وهذا فرض على "عبد
الناصر" أن يعلن يوم 28 مايو أن مصر لن تبادر بالقتال.. وكان مثيرا أن يوقع
الملك "حسين" فى القاهرة على اتفاقية دفاع مشترك مع مصر وسوريا.. وتطلب "واشنطن"
إيفاد مسئول مصري رفيع المستوى للتباحث حول الأزمة القائمة, فتقرر أن يسافر "زكريا
محيى الدين" نائب الرئيس يوم 7 يونيو!!
كان مجلس الوزراء الإسرائيلي يواصل اجتماعاته, وفى أحدها تحدث "عيزرا
وايزمان" قائلا: "لسنا فى حاجة إلى رضاء طرف من الأطراف الدولية لكي نشن
الحرب.. إننا لم نجد الشجاعة فى سنة 1948 لدخول الضفة الغربية وضمها إلى إسرائيل, وتلك
كانت مأساة يجب تداركها"..
وصلت هذه النوايا للملك "حسين" الذى وجد نفسه يتباعد عن الصف
العربى, خوفا على الضفة الغربية وأن التخطيط لقضمها يجرى على قدم وساق.. لذلك
استدعى "عبد المنعم رياض" ليبلغه بتنبيه الرئيس "عبد الناصر" بأنه
سيكون المستهدف من الحرب مع مصر.. ولما وجد نفسه فى مأزق قرر الذهاب إلى القاهرة, والتوقيع
على اتفاقية الدفاع المشترك.. وبعد أن تأكد من إعلان "ليفى اشكول" حالة
تعبئة جزئية, وذلك يعنى سحب مائة ألف من المصانع والمزارع لينضموا إلى الجيش.
كل العرب أجادوا اللعب على بعضهم البعض قبل حرب يونيو 1967 "!!"
يكشف ذلك الملك "حسين" نفسه فى كتابه "حربنا مع إسرائيل"
وفيه يقول: "بعد أن علمت باندلاع الحرب.. أتصلنا بالسوريين لطلب مساعدتهم
الجوية.. أجابوا بأنهم أخذتهم المفاجأة وطلبوا إمهالهم نصف ساعة.. لم يردوا.. كررنا
الاتصال.. أجابوا نطلب مهلة لمدة ساعة.. ثم عادوا وكرروا طلب مهلة ثالثة.. واتصل
الفريق فوزي برئيس الأركان السوري أحمد سويدان ليطلب منه قصف مطارات إسرائيل
الشمالية.. فكان الرد.. نشوف سيدي"!!
يحدثونك لأكثر من نصف قرن عن أن هزيمة يونيو 67, هي هزيمة مصرية بسبب "عبد
الناصر".. والحقيقة أنها كانت هزيمة وخيبة عربية.. يحاولون تشويه انتصار
السويس فى حرب 1956 بزعم أنه هزيمة عسكرية وانتصار سياسي, مع أن الانتصار السياسي
لا يحققه مهزوم.. تلك بديهية.. وهم أنفسهم الذين يتحدثون عن انتصارات أكتوبر على
أنها صناعة عربية, رغم يقينهم أن الجيش المصري هو الذي حققه.. والمذهل أن
الاستثمار السياسي لأكبر الانتصارات العسكرية, انتهى إلى سلام مع إسرائيل فرط
العقد العربي تماما!!
نعرف.. بل حفظنا لحد الثمالة تفاصيل مأساة الهزيمة على الجبهة المصرية.. لكن
أحدا لم يتوقف عند "الجبهة الأردنية" التى شهدت تدمير سلاح الجو الأردني
بالكامل.. وشهدت تدمير قاعدتى "عمان" و"المفرق".. وعندما
حاولت القوات البرية المقاومة.. لم تتمكن وانهارت تماما.. فلم يجد الملك "حسين"
أمامه غير أن ينسحب إلى الضفة الشرقية لنهر الأردن, وفقد الضفة الغربية.. ووافق
على قبول وقف إطلاق النار قبل كل من مصر وسوريا..
وذكر الملك "حسين" أنه
فعل ذلك لإنقاذ جيشه وعرشه!!
أما "الجبهة السورية" فقد شهدت ترددا فى دخول الحرب خلال ساعاتها
الأولى..
ثم فتحت النيران بعد سقوط تعرضت له الأردن وانهيار مصر..
وهنا سنجد أن "موشى ديان" كتب فى "قصة حياتى" قائلا:
"بعد خروج الأردن من الحرب وقرب انهيار الجبهة المصرية.. نفذت الجبهة السورية
خطة دفاعية, مع القيام بعمليات هجومية على الحدود..
وبعد إعلان وقف إطلاق النار قامت قواتنا الجوية صباح يوم 9 يونيو بهجوم
دمرت خلاله 53 طائرة.. وبعد سبع ساعات فقط إنهارت الجبهة السورية..
وصباح يوم 10 يونيو أذاعت الحكومة
السورية خبر سقوط القنيطرة بالرغم من أن جنديا إسرائيليا لم يكن قد اقترب من
المدينة.. وبمجرد أن سمع الجنود السوريين هذه الأخبار, هرولوا هاربين ليصل جنودنا
إليها ووجدناها فارغة.. وتقدمنا إلى مسافة 40 كيلو من "دمشق" وقررنا أن
نتوقف"!!
كانت هزيمة يونيو 67 كما قال الملك "حسين" هي هزيمة عربية.. لكن
ماكينات الزيف العملاقة, وعمليات تزوير التاريخ التي لا تتوقف جعلتها هزيمة للجيش المصري
فقط.. ولأن "عبد الناصر" اعترف بوضوح ودون أدنى شك بالهزيمة.. وكان
الوحيد الذي أعلن مسئوليته عن الهزيمة, دون أن يعلن غيره من الساسة والعسكريين أية
مسئولية..
التفت حوله الجماهير والشعوب
العربية.. ولأنه كان صادقا شرع فى إعادة بناء القوات المسلحة, وإعدادها للحرب بعد
ساعات من تراجعه عن قرار التنحي.
هل كان "عبد الناصر" يعرف أن ما يحدث هو إعداد وتنفيذ لمؤامرة
شديدة الإحكام؟!
الإجابة يمكن أن تأخذنا إليها
الوقائع..
ففى صباح يوم 22 مايو تلقى رسالة من "ديمترى بوجداييف" السفير السوفييتي
فى القاهرة طالبا لقاء عاجلا لتسليمه رسالة مهمة من الحكومة واللجنة المركزية.. فقرر
استقباله فى الثامنة مساء..
وظهر اليوم نفسه استقل طائرة عسكرية مع كل من "زكريا محيى الدين"
و"حسين الشافعي" و"على صبري" – نواب الرئيس – إلى قاعدة "أبو
صوير" العسكرية.. وكان هناك المشير "عامر" و"شمس بدران" وقادة
القوات المسلحة.. وهناك شرح أسباب الأزمة, وأنها اندلعت بسبب التهديد الإسرائيلي
ضد سوريا.. وقال: "هناك أطراف فى العالم العربي تصدر الآن بيانات حماسية
بتأييد مصر فيما اتخذته من قرارات إزاء قوات الطوارئ.. ونحن نطلب منهم خدمة واحدة,
وهى أن يتصلوا بصديقهم شاة إيران ليقنعوه بوقف شحن البترول الإيراني إلى إسرائيل..
فهو وحده يقدم لإسرائيل البترول بنسبة 100 % وإذا توقف هذا الإمداد بالبترول, ستفكر
إسرائيل مرتين قبل أن تتحرك للعدوان"!!
عاد "عبد الناصر" من هذا اللقاء ليقرأ عدة برقيات مهمة.. واحدة
من "القدس" تقول أن "ليفى اشكول" أعلن فى الكنيست" إجراءات
تعبئة لقوات الاحتياط..
وبرقية من "واشنطن" نقلا
عن المتحدث باسم "البيت الأبيض" تحمل خبر اتصال بين الرئيس "جونسون"
ورئيس الوزراء السوفيتي "اليكسى كوسيجين" حول تطورات الشرق الأوسط..
وبرقية تتحدث عن رحلة عاجلة يقوم بها "جورج براون" وزير الخارجية
البريطاني إلى "موسكو" لبحث تطورات الشرق الأوسط..
وكان عليه بعدها أن يستقبل السفير السوفيتي فى القاهرة, الذي سلمه رسالة
كانت تحمل تأييدا كاملا من الحكومة السوفيتية واللجنة المركزية للحزب الشيوعي
للموقف المصري.. وقبل أن يعلق "عبد الناصر تحدث السفير ليقول: "إن هذه
أقوى رسالة تأييد يمكن أن تصدر عن الاتحاد السوفيتي لأنها صادرة عن الحكومة والحزب"
وهنا بدأ "عبد الناصر" يتكلم فقال: "تأخرتم كثيرا.. كنا فى أيام
الأزمة الأولى ننتظر منكم كلمة ولم نسمعها.. حتى طلبناها بأنفسنا" ثم أضاف:
"التأكيدات التى حصلنا عليها منكم فى شأن التحركات الإسرائيلية تجاه سوريا, كانت
عنصرا مهما فى تحريك عجلة الحوادث.. وإنني أرى حاليا أن حشود القوات الإسرائيلية
تتجه إلى الجبهة المصرية, وخفت عن الجبهة السورية.. وهذه حقيقة أنتظر أن ترتبوا
تصرفاتكم بناء عليها".
وبعد مناقشة مع السفير.. قال "عبد الناصر" بوضوح: "المشكلة
فى موقف الولايات المتحدة لأنها متواطئة مع إسرائيل.. وإذا كان عليكم أن توجهوا
تحذيرا فيجب أن يتم توجيهه إلى واشنطن وليس لإسرائيل.. لا أريدكم تحذير إسرائيل
لأنكم بذلك تعطونها أهمية.. وتعطونهم فرصة استدرار العطف الذى يحظى به الصغير
عندما يتعرض للتهديد من الطرف الأكبر.. وهم يملكون مهارة هذه اللعبة"!!
كان "اوثانت" الأمين العام للأمم المتحدة عند هذه اللحظات فى
طريقه إلى القاهرة.. وقبل أن يتحرك التقاه "آرثر جولدبرج" مندوب
الولايات المتحدة فى الأمم المتحدة.. دار بينهما نقاش.. قطعه "اوثانت" ليقول
له: "سمعت من عدة مصادر أن هناك ترتيبات سرية معينة بين إسرائيل والولايات
المتحدة, وأن هدف هذه الترتيبات هو الإيقاع بمصر فى فخ عسكري.. وبشكل عام فهذا
يستدعى أشباح تواطوء حرب السويس.. وبشكل خاص فإنني لا أريد أن أكون متورطا فى
مناورات لا دخل لى بها, كما إنها تسيء لمركزي وضميري"!!
وصلت هذه التفاصيل للرئيس "عبد الناصر" قبل أن يستقبل "اوثانت"..
ثم وصلت برقية أخرى من السفير "محمد القونى" تقول أن أمريكا وانجلترا
أوحيتا إلى سفير "الدنمارك" بأن يعقد اجتماعا تشاوريا لأعضاء مجلس الأمن
لطلب عقد جلسة وقت وصول الأمين العام إلى القاهرة.. لكن بعض الوفود قالت بوضوح أن
هذا معناه إفساد مهمته.
صباح يوم 23 مايو تسلم "عبد الناصر" رسالة من "جونسون"
حملها سفيره الجديد فى القاهرة لتقديم أوراق اعتماده.. جاء فيها: "تابعت
جهودك فى تطوير وتحديث بلادك, وأستطيع أن أحس كبرياء وطموحات شعبك وإصراره على
الدخول بسرعة فى العالم الجديد" وجاء فى الرسالة: "فكرت فى أن أطلب إلى همفرى
نائب الرئيس أن يتوجه إلى الشرق الأوسط, وأن يتحادث معك وآخرين من القادة العرب
وقادة إسرائيل.. وإذا استطعنا اجتياز هذه الأيام بدون نشوب أعمال عدوانية فإنني
أتمنى أن تتم الزيارة"!!
كل هذه الوقائع تنطق بالحقيقة التى لك أن تصدقها أو ترفضها.. أو حتى تجادل فيها
وحولها.. فأخطر الحروب التى يمكن أن تخوضها, عندما تتعرض لمؤامرة مكتملة والجهل
والغباء من حولك!!
ومازالت هناك تفاصيل أخرى تستحق أن نرويها
0 تعليقات