آخر الأخبار

أهمية أن نقرأ يا ناس!! (39)











أهمية أن نقرأ يا ناس!! (39)


نصر القفاص



كتب الملك "حسين" فى مذكراته عن حرب 5 يونيو 1967 بالنص: "لقد كانت هزيمة عربية بكل معنى الكلمة" لأن العرب جميعا دقوا طبول الحرب فى قمة "الدار البيضاء عام 1965, وراحوا يتهمون "عبد الناصر" بأنه يعرقل الذهاب إلى الحرب مع إسرائيل!!



كان المشير "عبد الحكيم عامر" يقوم بزيارة رسمية إلى باكستان فى ديسمبر عام 1966, ومن هناك بعث برقية بالشفرة للرئيس "عبد الناصر" كان نصها: "لقد استمعت أثناء وجودي هنا إلى عدد من الإذاعات العربية, ووجدتهم يشهرون بنا دعائيا.. ويتهمون الجيش المصري بأنه يختبئ خلف قوات الطوارئ الدولية.. وأرى أن نبحث جديا ضرورة طلب سحب هذه القوات, حتى لا يتهمنا أحد بأننا لا نستطيع أن نتحرك بسرعة وحرية لنجدة العرب".



أنتظر "عبد الناصر" عودة "عامر" ثم كلف مجموعة عمل بدراسة موضوع سحب قوات الطوارئ ومدى خطورته.. وإعداد الصيغ المختلفة لطرح الموضوع سياسيا ودبلوماسيا.. ويحفظ أرشيف رئاسة الجمهورية التقرير بكل تفاصيله.. ورغم ذلك اختار "عبد الناصر" التمهل, لأنه كان يعرف أن الرئيس الأمريكي "جونسون" يسعى بالاتفاق مع قادة إسرائيل لتسريع عملية "اصطياد الديك الرومي" بإشعال حرب تقضى على "عبد الناصر" وتنهى قوة وسطوة مصر عربيا وإفريقيا ودوليا.. ولتحقيق هذا الهدف تم فتح صندوق سرى بالمخابرات المركزية الأمريكية, أطلقوا عليه "برميل الزيت" يتم تجميع أموال ضخمة فيه من تحالف "السلاح والبترول والمخابرات" لتمويل العملية.. وكشفت الوثائق الأمريكية فيما بعد أن رصيد هذا الصندوق تجاوز المائتى مليون دولار!!


جاءت حكاية زواج "عامر" من الفنانة "برلنتى عبد الحميد" والاتفاق معه على أن يبتعد لمدة شهر فى يوغسلافيا.. ثم تفجير موضوع انقلاب الجيش الذى تمت إثارته فى مؤتمر الاتحاد الاشتراكي, وإلغاء قرار إبعاد "عامر".. ليظهر اتجاه من داخل القوات المسلحة يدفع به "عامر" إلى ضرورة سحب قوات الطوارئ الدولية.. ولم تتكشف أية تفاصيل حول ما إذا كان موضوع "الانقلاب المزعوم" حدث بالصدفة أم أنه تم نسج خيوطه بإحكام.. خاصة وأن تقريرا رفعه اللواء "محمد صادق" رئيس المخابرات الحربية قلل من أهمية وخطورة الموضوع..



ويوم 21 مارس بعث السفير "محمد القونى" المندوب المصري الدائم بالأمم المتحدة برقية جاء فيها أن "أوثانت" الأمين العام للأمم المتحدة قال له نقلا عن "دين راسك" وزير الخارجية الأمريكي: "نحن نتجنب أن نفتح أمام الرئيس جونسون أي موضوع يتعلق بمصر.. لأن جونسون لا يطيق أن يسمع اسم ناصر"!!



 ويوم 25 مارس بعث "مراد غالب" سفير مصر فى "موسكو" برقية ينقل فيها عن سفير "بورما" فى "موسكو" أنه سمع من "أوثانت" – بورمى الجنسية – أن "كوسيجين" و"بريجينيف" حذراه من خطورة ما يفكر فيه "جونسون" تجاه ما يدور فى الشرق الأوسط, لأن الأمر يمكن أن يفجر حربا عالمية!!



ويوم 30 مارس تلقت القاهرة رسالة من "روبرت أندرسون" المقرب من الرئيس الأمريكي, يقترح فيها عقد اجتماع قمة سرى بين الرئيس "عبد الناصر" والرئيس "جونسون" على ظهر إحدى السفن فى البحر الأبيض أو المحيط الأطلسي.. وبعد تفكير عميق وافق "عبد الناصر" وكان الرد على هذه الموافقة بالصمت!!


تلقى الرئيس "عبد الناصر" تقرير الفريق "على عامر" قائد الجيوش العربية المشتركة, والذى رفعه إلى أمانة جامعة الدول العربية يوم 11 مارس, والذى أوضح فيه أن الدول العربية توقفت عن تمويل إنشاء وتأسيس القوة العربية المشتركة.. وأكد أن الأوضاع العسكرية العربية لا تسمح بتنفيذ المهمة التى قررها الملوك والرؤساء والعرب فى قمة 1964..

واقترح أن تتم مصارحة الأمة والرأي العام بحقيقة الأوضاع.. وما إن انتهى "عبد الناصر" من القراءة, حتى طلب بنشر التقرير رافضا نصيحة بتجنب ذلك حتى لا يصاب الناس بصدمة.. وقال: "أحسن للناس أن يصدموا اليوم من أن ينهزموا غدا" وتولى "محمد حسنين هيكل" النشر فى "الأهرام".

كان الملك "حسين" هو الأكثر اطلاعا على ما يدور فى "واشنطن" ويحاول الابتعاد عما سيحدث, لذلك قررت الأردن عدم الاشتراك فى اجتماع مجلس الدفاع العربي الذى كان سيعقد يوم 14 فبراير عام 1967.. ولما تأجل الاجتماع حتى يوم 12 مارس, تم اتخاذ قرار باستبعاد كل من الأردن والسعودية من خطط الدفاع العربي المشترك..



هنا وقف "محمود رياض" وزير خارجية مصر ليقول أن حكومة الأردن حصلت على 21 مليون جنيه استرلينى من ميزانية مجلس الدفاع العربى.. كما حصلت البحرين ودبى وقطر على 3,5 مليون جنيه استرلينى, وفجر مفاجأة حين أضاف بأن الأردن حصلت على السلاح الأمريكي مجانا.. وأعلن قائلا: "رغم أن الأردن لا يلتزم بالقرارات العربية, فإننى أؤكد على تعهد الرئيس جمال عبد الناصر بالدفاع عن الأردن فى حال تعرضها لعدوان".


يوم 5 ابريل وقف "ليفى اشكول" أمام "الكنيست" ليقول: "الطريق إلى دمشق أصبح مفتوحا أمامنا" مما دعا الوفد السوري إلى توزيع بيان فى الأمم المتحدة وجاء فيه: "إن الولايات المتحدة الأمريكية حولت إسرائيل إلى مجرم محترف"!! لذلك كلف "عبد الناصر" قائد القوات الجوية "صدقى محمود" أن يطير إلى "دمشق" يوم 11 ابريل للاجتماع مع "حافظ الأسد" وزير الدفاع – آنذاك – للاطلاع على حقيقة الموقف هناك.. فعاد وكتب تقريرا جاء فيه: "القيادة العسكرية السورية تعيش فى جو تسوده حالة عصبية شديدة"!!


يوم 28 ابريل تلقى الفريق "عبد المنعم رياض" رئيس أركان حرب القيادة العربية المشتركة رسالة من الملك "حسين" تستدعيه إلى لقائه فى أسرع وقت.. فحمل الرسالة إلى الفريق أول "على عامر" الذى وافق على سفره, وكلفه بأن يحمل معه تقرير القائد العام للقوات العربية.. وقبل أن يستقل الطائرة اتصل "عبد المنعم رياض" بالمشير "عامر" وأبلغه بمهمته.. فحمله المشير برسالة إلى الملك تؤكد على أن "قوات الطوارئ لا تضع قيودا على حرية الجمهورية العربية المتحدة – مصر – فى الحركة عند الظرف المناسب".. وأذاعت وكالة "رويترز" خبر استقبال الملك "حسين" للفريق "عبد المنعم رياض" من مكتبها فى "بيروت"!!


حكى الفريق "عبد المنعم رياض" أنه راح يشرح للملك تقديره للموقف, فلاحظ أن الملك منصرفا عما يقوله فالتزم الصمت.. هنا بدأ الملك يتحدث قال: "عندى ما يدعونى لليقين أن هناك فخا يدبر للجمهورية العربية المتحدة والرئيس جمال عبد الناصر, والجماعة فى سوريا مخترقين وبعضهم متواطىء لإشعال الموقف على الجبهة السورية لكى يفرضوا على مصر أن تقوم بعمل لنجدة سوريا.. وهنا تصبح مصر هى الهدف الأول للمؤامرة ويتم ضربها" ثم قال: "إننى أريد أن تصل رسالتى هذه إلى الرئيس عبد الناصر فى أسرع وقت"
لم يقض الفريق "عبد المنعم رياض" سوى 24 ساعة فى "عمان" وركب طائرة يوم 2 مايو وعاد إلى القاهرة ومعه تقرير بما سمعه, كان قد كتبه بعد اللقاء.. وتوجه من المطار إلى مكتب الفريق أول "على عامر" وسلمه التقرير لرفعه للرئيس طبقا لتقاليد التراتبية العسكرية.. لذلك تم إرسال التقرير إلى المشير "عامر".. المدهش أن التقرير لم يصل إلى الرئيس "عبد الناصر" سوى يوم 13 مايو عندما عرف بأمره, وسأل المشير "عامر" عنه!! والتفاصيل كاملة كتبها ونشر وثائقها "محمد حسنين هيكل" فى كتابه "الانفجار" المنشور قبل ثلاثين عاما.



يوم 13 مايو 1967 إستقبل "بودجورنى" رئيس الاتحاد السوفيتى "أنور السادات" فى "موسكو" خلال عودته من رحلة إلى "كوريا الشمالية" وتحدث مطولا معه.. كما سبق أن تحدث معه "كوسيجين" خلال توقفه فى "موسكو" ذاهبا إلى "بيونج يانج" وكتب السفير "مراد غالب" تقريرا بالتفاصيل التى حملت أن سوريا تواجه موقفا صعبا.. فى اليوم نفسه وصل الملك "فيصل" إلى "لندن" للتنسيق مع "هارولد ويلسون" رئيس الوزراء البريطانى فيما يتعلق بسياسة البلدين فى اليمن.. وفى اليوم التالى نشرت "رويترز" تصريحا على لسان "أبا ايبان" وزير الخارجية الإسرائيلى يقول فيه: "لن يكون الشرق الأوسط فى المستقبل منطقة عربية.. وأن محاولة جمال عبد الناصر لتوجيه مصائر المنطقة يجب اعتراضها.. وهذا هو رأى الزعماء العرب أنفسهم"!!


وهنا يجب أن نتوقف وننظر حولنا ونفكر فيما حدث من تطورات, ونضع خطوطا تحت "الشرق الأوسط الجديد" الذى طرحته "كوندوليزا رايس" بعد عشرات السنين.. ونسأل أنفسنا.. هل يختلف عن تصريح "أبا ايبان" عام 1967.


صباح يوم 14 مايو عقدت هيئة أركان حرب القوات المسلحة المصرية اجتماعا برئاسة "عبد الحكيم عامر" وقرب نهاية الاجتماع, أتصل بالرئيس "عبد الناصر" ليقول له: "لقد توصلنا إلى إجراءات بتحرك تشكيلات متتالية مصرية تتوجه فورا إلى سيناء, وتحتل مراكزها هناك استعدادا لكل الاحتمالات.. وأنهم اتفقوا على سفر الفريق "محمد فوزى" رئيس الأركان إلى "دمشق" للاطلاع على حقيقة الأوضاع فى سوريا".. ثم صدرت قرارات نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة يوم 15 مايو مكتوبة بالتفاصيل.. ودارت عجلة الحرب مع محاولات دولية لإيقافها عبر الأمم المتحدة بقيادة أمينها العام "أوثانت" الذى قرر أن يزور القاهرة.






يتبع

إرسال تعليق

0 تعليقات