آخر الأخبار

أهمية أن نقرأ يا ناس!! (41)








أهمية أن نقرأ يا ناس!! (41)



نصر القفاص


قبل أن تقرأ


ليس واردا فى ذهنى إطلاقا الدفاع عن "جمال عبد الناصر" لأن تاريخه كفيل بالدفاع عنه..



قادر على الانتصار له بعد نصف قرن من رحيله.. ولا تهمنى إدانة هذا أو ذاك من قادة المؤسسة العسكرية.. فنحن نلتف دائما حول "بيت الوطنية المصرية" ونحتمى به دائما على امتداد تاريخنا الممتد والعريق.. وكل ما أحاول أن أذهب إليه, هو أن أدعوك لكى تشاركنى المعرفة والفهم.. أدعوك للاختلاف والاتفاق حول الأحداث والمعلومات, بالعودة للوثائق وشهادات من شاءت أقدارهم الإسهام فى صياغة التاريخ.. أدعوك إلى ضبط البوصلة, حتى لا يتحول الأمر إلى تراشق انتصارا لهذا أو طعنا فى ذاك على طريقة مشجعى كرة القدم!!






ولعله وجب التنويه.. لأنني سأخوض فى تفاصيل شديدة الأهمية والخطورة.. وكل ما أتناوله هو معلومات قديمة.. منشورة.. تحفظها كتب وشهادات تركها أصحابها أمانة بين أيدينا.. إضافة إلى وثائق تلك المرحلة لدول عدة تم الإفراج عنها لاحقا فصارت متاحة للجميع.. الدراسة والفهم والتدقيق, واجب تفرضه تلك اللحظة لأن تزوير التاريخ وتشويه الحقيقة أصبح صناعة!!




يوم 3 يونيو عرف "عبد الناصر" أن الملك "فيصل" أصدر أمرا ملكيا يحمل رقم "153" بوضع سرية مشاة فى جزيرتى "تيران وصنافير" وأن رئيس أركان الجيش السعودى, شرع فى اتخاذ إجراءات لتأمين الزوارق اللازمة لنقلهم إلى الجزيرتين وتأمين الاتصال بهم.. ناقش الأمر مع "عبد الحكيم عامر" الذى كان يرى أنه لا يجب أن يتم السماح للسعوديين بالعودة للجزيرتين, لأن الأمر قد يكون وراءه لعبة رغم أن القوات المصرية المتواجدة عليها محدودة.. لكن "عبد الناصر" قال أنه لا يجب اعتراض السعوديين إذا أرادوا النزول للجزيرتين, لأن ذلك يجعل السعودية شريكة بالتضامن فى إغلاق خليج العقبة.. لكن يوم 4 يونيو بعث الملك "فيصل" ببرقية إلى وزارة الدفاع السعودية يقول فيها: "أوقفوا أمر تيران وصنافير حتى تنجلى الأحوال"!! وموضوع الجزيرتين تناوله "محمد حسنين هيكل" فى ثلاثيته: "ملفات السويس" و"سنوات الغليان" و"الانفجار" مؤكدا على أن الجزيرتين سعوديتين.




فجر يوم 5 يونيو وصلت السفينة "ليبرتى" إلى شرق البحر المتوسط, فى حراسة الغواصة النووية الأمريكية "أندرو جاكسون" وكانت هذه السفينة هى الوحيدة القادرة على معرفة أسرار وتفاصيل ما يحدث فى المنطقة لتضمن "واشنطن" إطلاعا دقيقا على الموقف.. فإذا بإسرائيل تقدم على ضربها يوم 8 يونيو, وتقتل 34 أمريكيا وتصيب 171 آخرين وأكدت ذلك لجنة من "الكونجرس" للتحقيق فى الحادث.. وبذلك كانت إسرائيل تغلى بتطورات سريعة.. المجتمع الدولى يتابع ويحذر مصر من أن تبدأ الضربة الأولى, ورغم ذلك كانت كل المعلومات والشواهد تؤكد على أن إسرائيل هى التى ستوجه الضربة الأولى.. وطلب "عبد الناصر" من قادة القوات المسلحة إعداد أنفسهم لذلك, وسأل "صدقى محمود" قائد الطيران عن الخسائر التى يمكن أن نتعرض لها فى هذه الحالة.. فأجاب أنها قد تصل إلى 20 % فقط!!




وعند الثامنة صباح يوم الاثنين 5 يونيو, وحتى الحادية عشرة والنصف كانت إسرائيل قد وجهت ضربتها القاضية للجبهة المصرية بثلاث موجات طيران.. الأولى كانت تشارك فيها 174 طائرة.. والثانية شاركت فيها 161 طائرة.. والثالثة 157 طائرة.. هنا ارتبك "عبد الحكيم عامر" وفقد أعصابه, فأصدر فجر يوم 6 يونيو قرارا بالانسحاب خاصة مع سقوط 294 شهيدا.. لكنه بعد قرار الانسحاب وصل عدد الشهداء إلى 6811 شهيدا.. وكان الانسحاب عبارة عن فوضى.




أدرك "عبد الناصر" حجم الكارثة فقرر مواجهة المسئولين وإعلان تحمله لها فى خطابه للأمة يوم 9 يونيو فقال: "برغم أية عوامل قد أكون بنيت عليها موقفى فى الأزمة فإننى على استعداد لتحمل المسئولية كلها".



يوم 11 يونيو – وبعد عدوله عن التنحى – قرر "عبد الناصر" إعادة تنظيم قيادة القوات المسلحة, فأصدر قرارا بتعيين الفريق "محمد فوزى" قائدا عاما للقوات المسلحة والفريق "عبد المنعم رياض" رئيسا لأركان الحرب.. واستدعى صباح اليوم التالى "أمين هويدى" ليبلغه بأنه سيصدر قرارا بعد فترة بتعيينه وزيرا للحربية.. وكتب "هويدى" فى مذكراته أن "عبد الناصر" قال له: "مهمتك هى إدخال القوات المسلحة ضمن إطار الدولة, بعد أن ظلت شاردة وتشكل ورما خارج هذا الإطار.. وعليك الإشراف على إعداد الدولة والقوات المسلحة للحرب لاستعادة الأرض" ورغم ذلك لم يصدر القرار حتى يوم 21 يوليو.. لماذا؟!



هنا تكمن الدراما والمأساة.. وهنا سنجد المعلومات المتاحة التى لا يتناولها أحد, رغم أنها منشورة على لسان شهود كثر بتفاصيلها.. وقبل أن نخوض فى هذه التفاصيل.. نتوقف فقط عند اقتراح "عبد الناصر" على الرئيس "هوارى بومدين" الرئيس الجزائرى أن يقوم بزيارة للاتحاد السوفيتى, لفهم اتجاهاتهم ودورهم فى المرحلة القادمة.. وصل "بومدين" يوم 12 يونيو إلى "موسكو" وطلب من سفير بلاده هناك إلغاء أية حفلات غذاء أو عشاء.. 

وقال للقادة السوفييت فى أول اجتماع: "جئت أريد أن أفهم.. ولا أريد حفلات تكريم" ثم صارحهم بقوله: "أنتم تتصرفون بأقصى درجات الضعف, والأمريكان يتصرفون بأقصى درجات القوة" وهنا قاطعه "كوسيجين" قائلا: "الاتحاد السوفيتى لا يتصرف بضعف" فإذا بالرئيس الجزائرى يرد عليه: "قلت بمنتهى الضعف وإذا اعتقدتم أننى سأجاملكم, فهذا لن يحدث.. فالحقيقة أن العرب ليسوا وحدهم الذين انهزموا.. فأنتم أيضا انهزمتم وإذا كنتم لا ترون أن ميزان القوى تحول للناحية الأخرى, فتلك مصيبة.. وأنتم تعلمون ماذا فعلت أمريكا مع إسرائيل.. لكنكم تركتم ما حدث يقع, رغم أنكم أول من حذر منه دون رد فعل تجاهه".. وتدخل "بريجينيف" ليقول: "لقد قدمنا لأصدقائنا العرب كل ما يحتاجونه من سلاح, لكنهم لم يحسنوا استعماله".. ليرد "بومدين" بعنف: "ربما لأننا لا نجيد غير قيادة الجمال ولا نعرف كيف نقود طائراتكم.. فتعالوا واجعلونا نرى ما تفعلون".. ثم أخرج شيكا بمبلغ مائة مليون دولار, ووضعه أمام "كوسيجين" الذى اندهش وارتبك وأعاد الشيك, وهو يقول: "لسنا تجار سلاح حتى تعاملنا بالشيكات" وتكهرب الجو.. وتم رفع الاجتماع للتهدئة.. وعادت المباحثات التى انتهت إلى اتفاق على سفر "بودجورنى" الرئيس السوفيتى فورا إلى مصر للاجتماع مع الرئيس "جمال عبد الناصر".. وكل هذه التفاصيل تضمنتها مذكرات "مراد غالب" سفير مصر فى "موسكو" المنشورة بعنوان "مع عبد الناصر والسادات".



استقبل "عبد الناصر" الرئيس السوفيتى ليقول له : "ليس عندى شك فى أن العرب ومصر بالذات تلقوا هزيمة.. ونحن مصممون على إزالة آثارها.. ونحن فى تقديرنا نرى أنه يجب أن يستمر وقف إطلاق النار لأكثر من ستة أشهر, وسنعيد تسليح جيشنا بأسرع وقت ومهما كان الثمن".. وطرح "بودجورنى" رؤيته وما يمكن أن تقدمه بلاده, فى ضوء رفض قاطع من "عبد الناصر" لمنحهم قاعدة عسكرية وقال: "بقيت مسئولا خمسة عشر عاما رافضا للقواعد العسكرية على الأرض العربية.. ولا يمكن أن أقبل عكس ما ناديت به طول عمرى".


شهدت مصر وعدد من العواصم العربية انفجارا جماهيريا ترفض تنحى "عبد الناصر" وتمسكت به الجماهير, بصورة لا تحتمل تشكيكا وإن كان الذين يزورون التاريخ يفعلون!! لكن الكواليس كانت تدور فيها أحداثا خطيرة.. بدأت يوم 8 يونيو عندما أدرك "عبد الحكيم عامر" حجم الكارثة.. فقام بحمل مسدسه متوجها إلى حمام ملحق بمكتبه يريد الانتحار.. حاصره المحيطين به وانتزعوا منه المسدس بصعوبة, ليعود ويضع رأسه بين كفيه.. اتصل "شمس بدران" بالرئيس "عبد الناصر" وأخبره بما يريد "المشير" أن يقدم عليه ويرجوه الحضور لتهدئته.. وهناك تحدث "عامر" عن أن الولايات المتحدة هى التى حاربت مع إسرائيل, وشاركت فى تدمير سلاح الطيران.. وطالب "عبد الناصر" أن يعلن ذلك.. لكنه رفض تماما موضحا أنه لن يقول كلاما دون دليل وبرهان.. 



وهنا عاد "عامر" ليزعم أن إسرائيل فقدت عشرات الطائرات.. فرفض "عبد الناصر" تصديق ذلك.. وتحدث "عامر" ليقول: "لم نفقد كل شئ" فرد عليه "عبد الناصر" قائلا: "وإيه اللى باقى بعد الكارثة دى".. فأجاب "عامر": "بقيت المقاومة الشعبية" ووافق على كلامه "شمس بدران" لكن "عبد الناصر" قال: "أنا مقتنع بضرورة اعتزال الحياة العامة ومصارحة الشعب بذلك" وغادر ليطلب "محمد حسنين هيكل" ويسأله مساعدته فى كتابة خطاب, وعندما ذهب إليه لعرض مشروع الخطاب صباح يوم 9 يونيو قال له: "لا أستطيع أن ألوم أحدا إلا نفسى.. أنا غاضب من نفسى بأكثر مما يتصور أحد" وأضاف: "كانت حجتهم دائما أن جمال عبد الناصر هو الذى يثير المتاعب.. جونسون كان يقول ذلك وفيصل كان يقولها.. وعلى الأمة العربية أن تثبت أنها أمة واحدة.. أو أن تكون وهما وتقبل الاستسلام لإسرائيل ومن ورائها".



ذهب "عبد الناصر" إلى قصر القبة وقرأ خطابه الذى لم يتجاوز عشرين دقيقة.. وكانت المفاجأة المذهلة بالملايين فى الشوارع تهتف باسمه.. وهنا اتصل "عامر" بوزير الإرشاد القومى – الإعلام – "محمد فائق" قائلا أن لديه بيان يريد أن يذيعه.. وكان بيانه ينص على أنه تقدم باستقالته من جميع مواقعه.. ثم عاد ليطلب التعديل إلى "تخليه عن كل مسئولياته" لكن الأحداث جرفت كل ذلك.. فلا حديث غير عودة "عبد الناصر" وصدر من ديجول" الرئيس الفرنسى بيانا قال فيه: "أتمنى أن يتمكن جمال عبد الناصر بشجاعته ووطنيته من الاستجابة لمشاعر أمته التى تطالبه بالبقاء".


حدث ذلك ووقائع انقلاب عسكرى ضد "عبد الناصر" تجرى على قدم وساق يقودها "عبد الحكيم عامر" والذين معه..

يتبع







إرسال تعليق

0 تعليقات