آخر الأخبار

الخطوات المطلوبة للحد من وفيات كورونا وتقليل الطلب على الرعاية الصحية









د. محمد ابراهيم بسيوني
عميد طب المنيا السابق



خلفت جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) تأثيرًا عميقًا على العالم بأسره، كونه التهديد الأخطر على الصحة العامة منذ وباء إنفلونزا الخنازير المعروف اختصارًا باسم H1N1 عام 2009.




نقدم هنا نتائج النمذجة الوبائية التي استرشد بها صناع السياسات في المملكة المتحدة وبلدان أخرى في الأسابيع الأخيرة. وفي ظل عدم وجود لقاح مكتشف حتى الآن لفيروس كورونا (كوفيد-19)، فقد رأينا ضرورة تقييم الدور المحتمل لعدد من تدابير الصحة العامة، أو ما يسمى بالتدخلات غير الطبية، التي تهدف إلى تقليل معدلات الاتصال بين السكان وبالتالي الحد من انتقال الفيروس وانتشاره.



هناك استراتيجيتان أساسيتان:

(أ) إستراتيجية التخفيف، وهي تركز على إبطاء انتشار الوباء ولكن ليس بالضرورة إيقافه، ويشمل ذلك الحد من الطلب على الرعاية الصحية مع حماية الأشخاص الأكثر عرضة لخطر الإصابة بأعراض حادة نتيجة العدوى.


(ب) استراتيجية التثبيط Inhibition، وهي تهدف إلى عكس نمو الوباء، وتقليل أعداد الحالات إلى مستويات منخفضة، والإبقاء على هذا الوضع إلى أجل غير مسمى.



بيد أن هناك تحديات كبيرة تواجه تطبيق كل إستراتيجية منهما، حيث نجد أن تدابير التخفيف المثلى (الجمع بين العزلة المنزلية للحالات المشتبه فيها والحجر الصحي المنزلي لأولئك الذين يعيشون في نفس المنزل ويشتبه في إصابتهم، وتجنب الاختلاط في حالة المسنين وغيرهم من الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بأمراض خطيرة) قد تقلل من الطلب على الرعاية الصحية بنسبة  2/3 والوفيات بمقدار النصف.

ومع ذلك، قد لا تؤدي تدابير التخفيف إلى النتائج المرجوة، فقد نشهد مئات الآلاف من الوفيات، يصحبها زيادة في الطلب على أنظمة الرعاية الصحية (وأبرزها وحدات العناية المركزة) عدة مرات، ما يعني أن إستراتيجية التثبيط Inhibition قد تصبح الخيار الأفضل لدى البلدان التي تتوفر لديها الإمكانات اللازمة لتطبيقها.


في حالة المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا وبعض الدول العربية، سيتطلب تطبيق إستراتيجية التثبيط Inhibition الجمع ما بين منع الاختلاط لجميع السكان، والعزل المنزلي للحالات المصابة والحجر الصحي لأفراد أسرهم.


 وقد يستدعي ذلك إغلاق المدارس والجامعات كتدبير تكميلي، مع ملاحظة أن عمليات الإغلاق هذه قد يكون لها آثار سلبية على النظم الصحية بسبب زيادة معدلات التغيب عن العمل. ويكمن التحدي الرئيسي الذي يواجه إستراتيجية التثبيط في أن هذا النوع من تدابير التدخل المكثف أو أي تدابير أخرى فعالة في الحد من انتقال العدوى تتطلب الإبقاء عليها إلى أن يصبح اللقاح متاحًا (ربما بعد 18 شهرًا أو أكثر)، وإلا فإننا نتوقع أن ينتقل الفيروس بسرعة حال تم تخفيف حدة التدخلات.



 منع الاختلاط بصورة متقطعة قد يفضي إلى تخفيف التدخلات مؤقتًا في فترات زمنية قصيرة نسبيًا، ولكن سيتعين إعادة تفعيل التدابير حال تزايد أعداد الحالات المصابة.


 إستراتيجية التثبيط أظهرت نجاحًا في الصين وكوريا الجنوبية على المدى القصير، ويبقى أن نرى ما إذا كانت ستكون فعالة على المدى الطويل، وما إذا كان من الممكن تخفيض التكاليف الاجتماعية والاقتصادية للتدخلات المطبقة حتى الآن.


إرسال تعليق

0 تعليقات