آخر الأخبار

حركة عالمية فى مواجهة كورونا








حركة عالمية فى مواجهة كورونا





أحمد مبلفي



ضرورة إنشاء حركة إنسانية عظيمة اخلاقية وعالمية في ظل كورونا




[نظرة إلى مبادئ الدين الأخلاقية والاجتماعية للمجتمع البشري عند وقوع الكوارث]




مقدمة:


هناك مبدأ نفسي، هو أن الناس يشعرون بالحنان والتعاطف الإنساني عند مشاهدة وقوع الآخرين في مشاكل ومصائب، مما يجعلهم يتقاسمون التعاطف مع هؤلاء الآخرين المواجهين للمصائب. واللافت أن مشاركة الناس التعاطفية في مصائب الآخرين تكون أكثر واوسع من مشاركتهم التعاطفية مع غيرهم عند سعادتهم وفرحهم. فالحزن والألم يمتلكان الطاقة لأن يقرّبا الناس من بعضهم البعض ويعطياهم حساً إنسانياً أكبر.


وستزداد هذه المشاعر الانسانية في المجتمع، فيماإذا أصبحت مجموعة من الناس متألمة، وإذا كان هذا الألم موجودًا في دائرة أكثر عمومية ، فَسيتّسِع حجم ونوعية المشاعر الإنسانية على المستوى الاجتماعي، وإذا تجاوزت شعبا وقوما وأصبحت مشكلة لشعوب عدة (مثلما نجده في كورونا اليوم) ، فإن الأرضية تصبح لبلورة وتقوية النهج الإنساني ولاتساع العواطف البشرية، أكثر قوة وفاعلية.



السمات القابلة للتحقق في ظل البلايا المشتركة من منظور الدين:
إن الذي مرّ، هو ما في علم النفس وفي التجربة المعاشة للبشر في حياتهم الاجتماعية، وأما ما في الدين، فيبدو انه (على الأقل) يقدّم ثلاث سمات يتسم بها ما نسميه بالبلاء الاجتماعي.


السمة الأولى: حالة التمكن من خلق وتقوية الصدق الاجتماعي:


إن البلاء (رغم آلامه وضرورة مكافحته) قد يمنح في المجتمع، الفرصة كي ينجذب الناس نحو الصدق الاجتماعي، وقد تبلور هذا المبدء في الرؤى والأدبيات الدينية كسنة اجتماعية وضعها الله سبحانه، وأقوى ما يشاهد في هذا المجال هو ما عرضه القرآن الكريم من فكرة أن البلاء في المجتمع له القدرة والقابلية على جعل الإنسان (والمجتمع) في مسيرة أن تزدهر طاقاته فيصبح أكثر إخلاصاً وصدقاً وصفاءً، ببيان آخر، يشاهد أن القرآن قد أعطى فكرة الربط بين قضية البلاء وقضية حصول الإمكانية والأرضية في الإنسان لبلورة وازدهار الصدق فيه وفي مجتمعه.



يقول سبحانه:

"وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا".

ربما نستطيع أن نقول: بالنظر إلى أن هذه الآية جاءت بعد الآية التي تركز على الإنسان ("أحسب الناس ان يتركوا....") ، فيعلم إنها بصدد إعطاء سنة "القابلية الاجتماعية للصدق".


السمة الثانية: حالة التمكن من خلق وتقوية العفو الاجتماعي:


إن البلاء في المجتمع قد يمنح الناس فرصة الانجذاب نحو العفو الاجتماعي.



إن إحدى الطاقات الكامنة في البلايا الاجتماعية العامة، أن بإمكانها توفير الأرضية أمام الناس للانجذاب نحو العفو الاجتماعي، ذلك الذي يركز عليه الدين بجدية ويحاول توسيع نطاقه؛ حيث إن العفو عن الآخرين، أصيل لدرجة أن الذي يعفو عن الآخرين، يعفو الله عنه، يقول سبحانه:

"وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ".

وهذه الطاقة الاجتماعية للوصول الى العفو، يمكننا أن نستنبطها من قصة يوسف النبي (ع) في القرآن.


وتوضيحه: أن هناك جرحا قديما حدث ووقع في العلاقة بين الأخوة (أي بين يوسف، والى حد مّا بنيامين من جهة، وسائر الأخوة من جهة أخرى)، بسبب الظلم والقسوة التي ارتكبهما الأخوة ، مما تسبب عنه وقوع أبيهم في معاناة شديدة ومن جوانب مختلفة، كان معظمها، هو غياب يوسف وابتعاده عنه.



وبقي هذا الجرح على مر الزمن وبقيت تداعياته تؤلم بيت يعقوب (ع)، ولكن الذي أتاح الفرصة لحل هذه المشكلة (التي تجذرت في ذلك البيت)، هو وقوع بلاء عظيم على المستوى الاجتماعي الكبير آنذاك ، وهي المجاعة التي ظهرت في ذلك الوقت. وقد دفعت هذه الكارثة، الفرص والاتصالات والعلاقات الاجتماعية تتجه نحو التغيير، وآل هذا التغيير الشامل الاجتماعي بالإخوة الى ذلك السفر المنتهي الى زيارة يوسف (ع)، ونتيجة لذلك التواصل، جعل الله قلوبهم تلين وتتقارب، مما يتسبب عنه أن شُفي ذلك الجرح القديم تمامًا ، بحيث قال يوسف (ع): "لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ".



واللافت أن كلمة اليوم (التي استخدمها يوسف في كلامه) يفهم منها، الدور المهم الذي للزمان (كظرف الأحداث الاجتماعية) في إحداث تغييرات مهمة في التواصل والعلاقات، بحيث يتم - ذات مرة - حل مشكلة عاطفية أساسية كانت تؤذي تلك الأسرة، وذلك أنه قال: "لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ".



والنتيجة هي أن القضايا الاجتماعية الرئيسية مثل المجاعة ، (وفي زماننا أمثال كورونا و ... ) يمكنها أن تخلق في المجتمع، الأساس والأرضية لجذب التعاطف والتواصل ومشاعر الحاجة الإنسانية لبعضها البعض ، ومن ثم، تقوية الرغبة في العفو الاجتماعي.



السمة الثالثة: جريان وانعكاس اللطف الإلهي في الحياة الاجتماعية:

وهذا ما يستفاد من الكلام التالي للإمام علي (ع):

"فوالذي وسع سمعه الأصوات ما من أحد أودع قلبا سرورا إلا وخلق الله له من ذلك السرور لطفا، فإذا نزلت به نائبة جرى إليها كالماء في انحداره حتى يطردها عنه كما تطرد غريبة الإبل".

وتوضيح ذلك يتم عبر نقاط:

أ) من الواضح أن إدخال الفرح في قلب مّا، يحدث بعد أن كان هذا القلب حزينًا، فادخال الفرح يعني ازالة الغمّ عنه، وإحلال السرور مكانه.



ب) في هذا السياق، لا شك أنه في البلايا الاجتماعية، ستحزن قلوب كثيرة، وهي قلوب الناس الذين أثرت عليهم هذه الكارثة وجعلتهم منكوبين ومحزونين.



ج) إذا كان المفروض أن الله يخلق لطفا من السرور الذي يودعه شخص واحد، قلبَ حزين واحد (وفقًا لهذا الكلام الشريف) فإننا نكشف عن أنه إذا اجتمع اناس في محنة اجتماعية، لمساعدة المنكوبين في تلك المحنة، وإزالة الحزن عن قلوبهم، فإن الله يخلق من تلك البهجات (التي أدخلوها في قلوب المجموعة المنكوبة)، ألطافا خاصة تطرد عن هؤلاء الطيبين المساعدين، نوائبهم.



د) بالنظر الى أن هذه المساعدة (التي لهؤلاء الاناس البارّين)، تحصل على المستوى الاجتماعي، فسوف تظهر وتتجلى تلك الألطاف الإلهية أيضا على مستوى الحياة الاجتماعية.


النتيجة: إنه علم مما ذكر:

١- أن هذا الذي قدمناه، هو مغزى المدعى الذي مرّ من أن الكوارث الاجتماعية بإمكانها أن تجعل الناس يصبحون أكثر أخلاقية، فيصبحون مستعدين لأن ينزل اللطف الإلهي على مجتمعهم وحياتهم الاجتماعية.

٢- أن محاولة الناس في المجتمع للانجذاب نحو الأخلاق، يعد من مصاديق حالة ما "يغيروا ما بانفسهم"، التي يتبعها اللطف الإلهي المتمثل في تغيير الله ما بهؤلاء.



٣- إن نزول الألطاف الإلهية على حياة مجتمع مّا، هو يعني: تحسُّنِ العلاقة بين السماء والأرض، ذلك الذي يتم نتيجةً لتحسّن العلاقة الأخلاقية في الأرض بين الناس، وهذا هو ما تقوله الآية الشريفة: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ".


⇭ سماحة آية الله أحمد مبلغي مرجع دينى إيرانى 


إرسال تعليق

0 تعليقات