آخر الأخبار

التعامل مع فيروس كورونا [دراسة فقهية] (٦)










التعامل مع فيروس كورونا [دراسة فقهية]
(٦)


أحمد مبلغي


تحليل لمضمون الرواية النبوية:


من الضروري أن يكون لدينا تحليل للرواية النبوية الشريفة المشار إليها (القائلة: إذا سمعتم بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه).


والسؤال: ما هو نطاق هذه الأرض التي تحدثت الرواية النبوية عن عدم الدخول إليها وعدم الخروج عنها؟


هناك فرضان:


أ) إنها تعني المدينة التي وقع فيها؟ حتى لو لم يقع المرض في كلها، بل كان قد وقع في منطقة منها فقط.


ب) هي تعني: المنطقة التي وقع فيها المرض، فإن كانت هي كل المدينة، فكلها مصداق للأرض التي تحدثت عنها الرواية، وإن كانت جزء منها، فهذا الجزء هو المصداق للحديث وإن كانت المنطقة المصابة بها أكثر من المدينة، (أي: كانت المدينة بالإضافة إلى ضواحيها)، فمجموعتها هي مصداق للحديث.


يبدو أن الفرض الثاني هو الصحيح؛ ذلك لمقدمتين:

المقدمة الأولى: إن كلمة "أرض" (خاصة إذا أطلقت بصورة النكرة، كما في الحديث النبوي) لها القابلية لكي تنطبق على نقطة، وعلى محلة، وعلى منطقة، وعلى مدينة، وعلى أكثر من مدينة.


في هذا الإطار، عندما نجد القرآن الكريم يقول:
"وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ".


فإنه من المعلوم أن المقصود منها، تلك النقطة الأرضية الخاصة التي يموت الشخص فيها وعليها، و ليس المقصود منها منطقة واسعة من الأرض.



المقدمة الثانية: إن قاعدة تناسب الظرف والمظروف تقتضي أن نحدّد نطاق الظرف (الذي هنا هو الأرض) على أساس النطاق الذي للمظروف ( الذي هو هنا المرض المعدي الواقع فيها).


وفقًا لذلك فإن الأرض التي تتحدث عنها الرواية النبوية، لا تعني - لزوما- المدينة أو الأكثر منها أو الأقل عنها، بل الأرض بالمقدار الذي انتشر فيه الوباء أو الطاعون.


النتيجة: المعيار هو الحدود الجغرافية التي أصيبت بالمرض.



تبيين النسبة بين الرواية النبوية الشريفة وبين روايتين لأهل البيت (ع):

يبرز أمامنا سؤال وهو: ما النسبة بين هذه الرواية المروية عن نبي الإسلام (ص) وبين الروايتين اللتين رُوِيتا عن أهل البيت (ع) وهما دالتان على "عدم فرار الشخص من الطاعون أو الوباء عندما يقع في أهل مسجده".


وفيما يلي أولاً، أذكر هاتين الروايتين، وثانيا، أقدم شرحا لمضمون هاتين الروايتين، وثالثا، أبين النسبة لهاتين الروايتين مع تلك الرواية النبوية.

أما الروايتان، فهما:

أ. روي أنه إذا وقع الطاعون في أهل مسجد فليس لهم أن يفروا منه إلى غيره.
(الوسائل، ٢: ٤٣١).


ب. عن علي بن جعفر في كتابه، عن أخيه موسى (ع) قال: سألته عن الوباء يقع في الأرض هل يصلح للرجل أن يهرب منه؟ قال: يهرب منه ما لم يقع في مسجده الذي يصلي فيه، فإذا وقع في أهل مسجده الذي يصلي فيه فلا يصلح له الهرب منه. (الوسائل، ٢: ٤٣١).



وقبل أن أشرح مضمونهما ينبغي الإشارة إلى أن هناك روايات أخرى لأهل البيت (ع) حول الوباء والطاعون، سأذكرها فيما بعد إنشاء الله في فصل مستقل، كي استفيد منها قاعدة أخرى في المقام، ثم سأحاول بيان النسبة بين تلك القاعدة مع هذه القاعدة؛ اي قاعدة عدم الدخول وقاعدة عدم الخروج.



أما شرح مضمون هاتين الروايتين، فأقول: هناك تفسيران يمكن تصورهما بالنسبة لمحتوى هاتين الروايتين:

التفسير الأول: إن المضمون الذي يكون الحديثان بصدد بيانه، هو أنه إذا وقع الوباء أو الطاعون في المسجد، وأنت فيه، فلا تهرب منه أثناء تواجدك داخل المسجد. في الواقع، حسب هذا التفسير يكون محل وقوع المرض هو المسجد، كما يكون المحل الذي يحرم (أو يكره) الفرار منه هو المسجد نفسه.


بطبيعة الحال، فإن فلسفة عدم الهروب - وفقًا لهذا التفسير - هي احترام المسجد؛ أي أن القاعدة الأساسية هي الفرار من الوباء أو الطاعون ، إلا إذا كنت داخل المسجد، فلا تهرب حينئذ منه ، من أجل احترام قدسية المسجد.


التفسير الثاني: إن عنوان أهل المسجد هو عنوان يشير ويرمز إلى تلك المحلة السكنية التي يجمع أهلَها مسجدُها؛ ذلك، لأنه في ذلك الوقت كان لكل منطقة مسجد كان هو مكانًا لتجمع سكان تلك المنطقة، فأصبح "مسجد الأهل" كعنوان رمزي يُعرّفهم، ويشير إليهم.


وفقًا لذلك، لا يُقصد بالمرض المعدي لأهالي المساجد، حدوثه داخل المسجد، كما لا يُقصد بعدم الفرار من المرض، عدم الفرار من المرض فيما اذا كان المرض داخل المسجد؛ بل بما أن موقع المرض، هو المنطقة التي يقع فيها المسجد، فالمقصود أنه لا تهرب عن المرض عندما كان قد أصيب أهاليها (الذين هم أهل مسجد هذه المنطقة بالضبط) به.

وصفوة القول حسب هذا التفسير، أنه عندما يقول الحديث لا تهرب، فهو يعني لا تهرب من المنطقة التي يقع فيها المرض (التي يجمع أهلها مسجدها).


أي تفسير من هذين التفسيرين هو الصحيح؟

سنذكر الجواب في المنشور القادم انشاء الله


⇫ مرجع دينى إيرانى 








إرسال تعليق

0 تعليقات