التعامل مع فيروس
كورونا[دراسة فقهية] (5)
أحمد مبلغي⧪
القاعدة الثانية: قاعدة عدم الدخول وعدم الخروج (الحجر الصحي):
مفاد القاعدة:
وفقًا لهذه القاعدة أو الضابطة (والتي يمكن تسميتها كذلك بقاعدة الحجر
الصحي)، إذا كان هناك مرض معدي مثل الطاعون أو الوبا او ... في أرض مّا ، فليس لأي
شخص خارج تلك الأرض أن يدخلها، كما ليس لمن يكون داخلها أن يغادرها.
مستند القاعدة:
تستفاد القاعدة مما رواه إخواننا أهل السنة:
▪ أ. عن أسامة بن زيد: قال رسول الله (ص): الطاعون رجس أرسل على طائفة من
بني إسرائيل أو على من كان قبلكم فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع
بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه (راجع: صحيح البخاري، ٤/ ١٥٠).
▪ب. عن عبد الرحمن بن عوف: ان رسول الله (ص) قال إذا سمعتم بأرض فلا تقدموا
عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه (صحيح البخاري ٨ .٦٤).
إشكال وجواب
▪ الإشكال: من أين نحرز أن هذه الروايات تفيد الحكم الإلزامي؟ لعل الحكم
المستفاد منها الحكم بالكراهة؟
▪الجواب: أنه عندما يكون موضوع الحكم في النص الشرعي، بنحو يحسبه العقلاء
بارتكازهم مهمًا، فإن الحكم الصادر عن الشريعة يحمل على الحكم الالزامي، وذلك
بموجب قاعدة تناسب الحكم والموضوع، ومن الواضح أن موضوع "الحفاظ على الحياة
من خطر الإصابة بالأمراض المعدية" هو موضوع يعتبرها العقلاء مهما.
وانطلاقا من ذلك يتعين علينا ان نقول: لو لم نشك على ان هذه الروايات
تعطينا الحكم الإلزامي بالنسبة للموضوع، فهو، وأما لو شككنا و ترددنا في ذلك،
فيمكن القول: ان قاعدة تناسب الحكم والموضوع تقول: إن الحكم المستفاد من الروايات،
الزامي؛ ذلك لان الموضوع هنا مما برز مهما في مرتكز العقلاء، لا يتسامح فيه،
فيتناسبه الحكم الالزامي.
وبعبارة أخرى، فإن عرف الناس في ذلك اليوم - الذين كانوا الجيل الأول الذين
تلقوا هذه الروايات - قد استفادوا منها، الحكم الإلزامي؛ بدليل الارتكاز العقلائي
القائم لديهم على أهمية مثل هذا الموضوع.
ونظرًا لأن فهم عرف ذلك اليوم هو المعيار في عملية فهم النص، فيجب أن نحمل
الحكم الوارد في هذه الأحاديث على حالة الالزام.
بل يمكننا أن نقول أكثر من ذلك، وهو أنه قبال مثل هذا الموضوع، لا يصح
التمييز بين العرف الذي كان موجودا في ذلك الوقت والعرف الموجود اليوم (لان الكل
يمتلكون ارتكازية اهمية حفظ النفس من الامراض المسرية)، وانطلاقا من ذلك فكل عرف
يرى: أن مسألة "العدوى" مهمة ، وإذا كان هذا هو الحال ، فإن دلالة
الأحاديث على الحكم الالزامي تصبح أقوى؛ لانه بالإضافة الى عرف زمن الشرع -الذي هو
المعيار- نجد سائر الاعراف ايضا يرون الموضوع مهما.
الاحكام المستفادة من تطبيق القاعدة على موضوع كورونا:
يستفاد من تطبيق هذه القاعدة على موضوع کورونا، الأحكام التالية:
١. حرمة عدوى الآخرين، بل حرمة إيجاد الظروف التي تنتهي الى عدوى الآخرين.
ذلك أن الحكم بعدم مغادرة المدينة، إنما هو من أجل الحذر من عدم نقل الشخص
الذي يخرج، المرض الى خارج المدينة، بعد احتمالية إصابته به.
٢. حرمة تعريض النفس للاصابة به.
حيث من الواضح أن الحكم بعدم دخول المدينة، إنما هو من أجل أن لا يعرض
الشخص -الذي يدخل- نفسه للإصابة والمرض.
٣. لزوم الحجر الصحي.
تدعو هذه القاعدة الى ما يسمى الآن بالحجر الصحي؛ أي: تركز القاعدة تمامًا
على ما هو عليه الأخصائيون اليوم من أنه إذا كان هناك مرض معدي -مثل كورونا- في
منطقة ما، فيجب أن تخضع تلك المنطقة للحجر الصحي ويجب على سكان تلك المنطقة ألا
يتركوها.
مرجع دينى إيرانى
0 تعليقات