هل انتهت خصوصية العلاقات المصرية السودانية
؟! ….
هانى عزت بسيونى
… لم ترتبط خصوصية
العلاقة المصرية السودانية في أي وقت بنظام سياسي وإنما تضبطها بوصلة التاريخ
والجغرافيا وعلاقات الشعبين من المصاهرة والنسب ، وكل طرف مع دول الإقليم ككل وفق
التحديات والأوضاع المحيطة ، ومنذ قديم الأزل .. شعب واحد وقلب واحد وشريان واحد ..
فماذا حدث للسودان الشقيق !؟..
أن تتحفظ السودان
الرسمي على قرار وزراء الخارجية باجتماع الجامعة العربية الأخير تجاه إثيوبيا
لصالح مصر لهو أمر صادم لنا في القاهرة ، فإذا كان السد لإثيوبيا عامل للتنمية ،
ولمصر قضية حياة أو موت فإنه للسودان يمثل بالأساس قضية وجود …!!..
فانهيار السد
الإثيوبي ولأسباب متعددة ولو بعد حين سوف يمسح اسم السودان من الجغرافيا لتصبح
ذكرى على صفحات التاريخ تحت اسم " كان هنا دولة السودان " .!!..
فإذا عدنا للمشهد
الحالي للسد الإثيوبي سنجد أن الواقع والأكثر احتمالاً هو انهياره لأسباب فنية ولو
بعد خمسين عام .. وربما تعود الأسباب لانخفاض معدل الأمان بالسد الإثيوبي تحديداً
مما سيتسبب وبصورة تلقائية إلى انحدار يقذف بكمية نحو ٧٤ مليار متر مكعب من هضبة
شمال أثيوبيا ومن ارتفاع ٤٠٠٠ متر فوق سطح البحر ليغرق السودان كله وكل السدود
التي أمامه ليصل إلى بحيرة ناصر التي سيرتفع منسوب المياه فيها لنحو ٢٠٧ مليار متر
مكعب ليؤثر على بنيان السد العالي بسبب تحرك المياه بقوة دفع من ارتفاع ٧٦ متر لان
قوة الضغط المائي سوف تجرف المدن والقرى والطرق والكباري على ضفاف النهر بالإضافة
إلى تدمير نحو ٣٠٠ جزيرة بمجرى النهر على امتداد مسافة طولها نحو ١٥٣٦ كم من
الجنوب هبوطاً إلى الشمال حيث يسير النهر في اتجاهات متعددة.
وبالتبعية ستتأثر
الدلتا في مصر بارتفاع منسوب المياه بين فرعي دمياط ورشيد مابين ١٥ إلي ٢٠ متر
وسوف تغرق الفيوم عن بكرة أبيها لأنها تنخفض عن سطح البحر بنحو ٤٥ متر وستغطي
المياه بها مساحة ١٧٠٠ كم٢ بارتفاع يقترب من ٥٠ متر .
فما هو سر الموقف
السوداني المتحفظ المشار إليه أعلاه خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير بشأن
السد الإثيوبي والذي تقدمت القاهرة خلاله بمشروع قرار يحض على مراعاة مصالح دولتي
المصب وتمت موافاة الخرطوم به للتشاور لكن لم يبد له السودان تجاوباً ، بل وطلب
عدم إدراج اسمه في القرار ورآه في غير مصلحته متعللاً انه لا يجب إقحام الجامعة
العربية في الملف أصلاً وكأن السودان يتنصل من عروبته بصورة تعكس نتائج زيارة رئيس
وزراء تل أبيب الأخيرة للخرطوم .. !.
وربما جاء الموقف
السوداني ليؤكد ما يعود إلى رواسب سياسة نظام الرئيس السوداني الإخواني المخلوع
عمر حسن البشير فيما يتعلق بهذا الملف تحديداً ، موقف الميل نحو إثيوبيا بمصالح
الشعب السوداني ، الأمر الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال ان يمر دون تفسير منطقي
يرتكز تحديداً في ان أثيوبيا لا يمكن ان تتحدى الجميع بهذه الطريقة الفظة بشأن
السد الإثيوبي دون ان تكون قد تلقت بالفعل توصية ومساندة تامة الوضوح وضوء اخضر
ومن خلف الكواليس لاتخاذ هذا الموقف المستهجن .!
لقد جاء قرار جامعة
الدول العربية برفض أي مساس بالحقوق التاريخية لمصر في مياه النيل أو الإضرار
بمصالحها أو استخداماتها المائية واعتبار أن الأمن المائي لمصر جزء لا يتجزأ من
الأمن القومي العربي ، الأمر الذي حققت القاهرة من خلاله ما أرادته بصورة رمزية ،
ولا أحد يعرف هل تستطيع تحويله إلى قيمة مادية أم تكتفي بما حصلت عليه من قرار .!؟؟.
فهل يمكن أن يتم
الضغط بكارت الدعم العربي للسودان في ظروفها الاقتصادية التي تعيش أعباء سياسية
واقتصادية يمكن أن تؤدي إلى ممارسة ضغوط على الخرطوم في هذا الملف ، الأمر الذي
ترفضه الحكومة السودانية والتي تنتظر مشروعات واستثمارات عربية واعدة لا تريد
ربطها بأي من الأزمات الساخنة في المنطقة.
وهل يتوجه الجانب
السوداني إلى ان تعزيز تحركاته السياسية تلك بسبب حرصه على امتداده الأفريقي أكثر
من انتماءه العربي ؟ …
مصر الرسمية لم تكن
تنوى الحرب على إثيوبيا ومازالت لا تلوح بها ، على عكس المهاترات الإثيوبية
وتصريحات رئيس وزرائها الصبيانية ورئيسة الدولة الجديدة لأسباب انتخابية داخلية ،
فقد وقعّت مصر على مسودة الاتفاق المبدئي بمفردها في أوائل فبراير الماضي في
واشنطن كنوع من حسن النوايا ، ورفضت إثيوبيا وقتها التوقيع ، وهو الموقف ذاته الذي
اتخذه السودان متعللين بأن الوثيقة الأميركية لم تتم دراستها من الدول المعنية
وتحتاج إلى مراجعة دقيقة ، وبعد إرسالها ودراستها لهما رفض الوفد الإثيوبي الذهاب
إلى واشنطن في جولة يومي ٢٧ و ٢٨ فبراير الماضي للتوقيع عليها ولم تعلق الخرطوم
التي وصل وفدها مع الوفد المصري إلى واشنطن على ما وصفته القاهرة بـ ”التعنت
والمراوغة الإثيوبية” أو توجه ملاحظة منهجية للممانعة الإثيوبية ، مما ترك
انطباعات لدى البعض بأن السودان غير بعيد عن إثيوبيا ولو أن الأخيرة استشعرت خلاف
ذلك لما تخلفت عن الحضور إلى واشنطن.
إثيوبيا تلعب بالنار
بطريقة معلنة لصالح أطراف إقليمية اخص بالذكر منها حكومتي قطر وتركيا لأهداف
معروفه للجميع ، ولكن ما هو المدى الذي تتوقع ان تستمر فيه إثيوبيا بلعب هذا الدور
المسرحي الواضح ، فهي تتعلل بالانتخابات النيابية المقرر لها أغسطس القادم وتلوم
مصر إنها قد صعدت القضية دولياً بتدخل الولايات المتحدة الأمريكية وبرغم قبول
إثيوبيا ذلك اتساقاً مع نصوص إعلان المبادئ الثلاثي ، فقد طلبت بنفسها ان يتم
تصعيد القضية بتوسيط دولة جنوب أفريقيا دون غيرها لأسباب وخلفيات ميول سياسية
معلومة تاريخياً في العلاقات الثنائية الأفريقية بالتأكيد وبهدف كسب الوقت بالطبع
وكالمعتاد ، وهي الوسيلة المستمرة التي تستخدمها إديس ابابا منذ بداية التفاوض ومن
نحو خمس سنوات .. !
واليوم تطالعنا أخبار
جديد استمرار للمسلسل الإثيوبي لكسب الوقت ، فقد ذكر الموقع الإثيوبي
أن إثيوبيا ستطرح اقتراحات جديدة بشأن ملىء
وتشغيل السد لمناقشتها قريباً مع دول المصب "مصر والسودان" … !!
فما معنى قريباً هذه !؟
وأشار الموقع إلى أنه
تمت صياغة الاقتراح الجديد بشكل مشترك من قبل أعضاء المجموعة التفاوضية الإثيوبية
ومهندسي المياه من جامعات مختلفة وخبراء قانونيين من المدعي العام الاتحادي ووزارة
الخارجية الإثيوبية ، ونقل عن مسئول علاقات عامة بوزارة الري والمياه والطاقة
الإثيوبية قوله إن مقترح إثيوبيا الجديد سيتم طرحه للنقاش مع مصر والسودان بمشاركة
أعضاء آخرين من دول حوض النيل المشاركة - لو كانوا مهتمين بذلك - وبالطبع تسعى
إثيوبيا لضم حلفاء أفارقة لها وعدتهم بالكهرباء الوفيرة ، وتم إعداد الاقتراح
الجديد بطريقة تحمي حق إثيوبيا الطبيعي وفق الموقع المذكور نقلاً عن الجانب الرسمي
الإثيوبي لاستخدام مياه النيل بما يتماشى مع القوانين الدولية ويضمن فوائد دول
المصب" !!…
فأين كان هذا المقترح
خلال التفاوض منذ سنوات ، ولماذا الآن ؟؟
وبحسب الموقع أيضا
فإن الحكومة الإثيوبية تريد أن يشارك الاتحاد الأفريقي في الوساطة بمحادثات السد
المستقبلية وليس الولايات المتحدة أو البنك الدولي !.
ولكن ما هو موقف مصر
حيال ذلك استناداً لعامل ضيق الوقت المتاح قبل بداية استمرار ملىء السد في يونيو
القادم ؟
وما هو السيناريو
المتوقع للواقع الآن ، وهل أمام مصر عملياً وبكل صدق وشفافية وصراحة حل لأزمة السد
الإثيوبي بخلاف الحل العسكري المباشر ، وهو ربما الذي قد بدأت ملامحه تنسج ولكن
ببطء في المشهد خاصة وان القضية هي حياة أو موت المصريين ، والأيام والأسابيع
القادمة ستكشف عن القادم من المواعيد ..
كلمة اخيرة ..
سبحان الله … تخبرنا
مشاهد مياه الأمطار في شوارع مصر وضواحيها منذ أمس برسالة ربانية لحكومة إثيوبيا ،
مضمونها أن الله سبحانه وتعالى يمكن أن يرسل لشعب مصر من فضله سبحانه كل الخير
والمياه انهاراً ، وأنه لا يوجد في الدنيا فضل من قبل أو من بعد فضله لأنه وعد
الله لمصر أنها في أمان ليوم القيامة ..
0 تعليقات