كاربون 14 … C14:
(٢)
د. عبد الصمد
الدغيمى
عندما يكذب الجميع،
من ساسة وكهنة ورؤوس الأموال والإعلام يؤازرهم، فإن قول الحقيقة يُعد تمردا، بل
عملا ثورياً، لذلك أحذر جيداً حين تقول الحقيقة … لأنها سلاح فتاك لك وعليك.
إيجاد الحقيقة يتجاوز
البحث عن البيانات والبيّنات، إنه تنقيب عن الذات، ويجب أن يستمر مهما كان المكان
الذي يأخذك إليه بحثك، لأن لاشيء يبقى خفيا ًإلى الأبد. فكل من عرفوا الحقيقة
فالأكثرية كفرتهم وقالت عنهم ملاحدة وزناديق، لذلك حين يقول أحدهم أنك كافر أو
ملحد أو زنديق فاعلم حينه أنك اقتربت من الحقيقة … وشرف لك هو أنك لامستها او
مسستها، أما الأكثرية أو الوعي المحلي المكتسب سيتم التضحية به عاجلا أم آجلا … والتاريخ
خير شاهد على ذلك.
إن ركود الوعي(الخلود
إلى الأرض)، أو انحطاطه أو تأخره، يُحفز البعض على البحث عن الحقيقة، وفي الوقت
نفسه، تُفرَض الحقيقة الموروثة على الوعي الاجتماعي والشخصي لتلك الفئة من الناس. إن
ركود الوعي بحاجة إلى الحقيقة، لأن الإنسان، حتى اليوم، لم يكن يعرف الوعي العقلي
الخلاق، القادر على اكتشاف الواقع بنفسه. ويُظهر التاريخ بوضوح شديد أن التزوير
والركود كان في فترة كان فيها البشر سجناء الحقيقة الذين فرضتها أشكال مختلفة من
السلطة. ويتبين لنا أن الدفاع عن الحقيقة كان أساس الصراع الإنساني، لأن طبيعة هذه
الفكرة كانت بعيدة كل البعد عن الواقع. فتنبع مشكلة "الحقيقة" من حقيقة
أنها كانت دائمًا مكونة من عناصر عاطفية عزيزة على الإنسان اللاواعي، وهي العناصر
التي إن أضفتها على الإنسان حتما ستجعله عبدا لها.
الحقيقة ليست جزءًا
من التقاعس أو الركود فحسب، بل إنها موجودة في شكلها الحالي فقط بسبب الموقف
الشخصي للإنسان. مثلا لا نقول إن الجاذبية حقيقية، لكنها موجودة ومحسوسة، لذلك لن
نقول بعد الآن أن هذا الشرط أو ذاك من الفكر صحيح ولكنه أقرب إلى الصواب. وعندما
يتم استبدال …الحاجة إلى الحقيقة … بالمعرفة النقية والغير مشروطة، فإن الكائن
البشري سيتحول نفسيا. وهكذا تحولت الطاقة العاطفية اللازمة لدعم أي شكل من أشكال
الحقيقة إلى طاقة ذهنية، لأن حالتها العاطفية تجبرها على الخضوع لحالة نفسية غير
حقيقية، ولكن خلال وقت التجربة أو فترتها.
ليس هناك ما هو مطلق
أو دائم في الحقيقة، لأنه يمثل دائمًا حالة دنيوية. وهذا هو السبب في أنها قوية
جدا، وقوية جدا في العقل السفلي للإنسان. لأن الانسان بحاجة إليها من أجل تأمين
نفسه نفسيًا في الحياة، وهو لا يفهمها إلا من خلال سلسلة من الحقائق المختلفة (مثلا:
ما بعد الموت البيولوجي —> التناسخ، التقمص، الكارما، تحرير الطاقة، الجنة
والنار، البرزخ، Game Over والتحول الى نجوم ووو…)، والتي تشكل جزءًا
من مستويات الأطروحات (أو الأكاذيب) المختلفة التي تُطَعِّم الفكر الإنساني، والتي
يمكن أن تعطي الإنسان انطباعا ساذجا عن أي أمان، لأن هناك علاقة وثيقة بين البحث
عن الحقيقة وانعدام الأمن للأنا؛ لكن خلال التطور العقلي سيكون الإنسان الجديد قد
نجح في تجاوز هذه الحالة النفسية للأنا الهابطة، سيكون قد فهم أن ظاهرة الحقيقة
مرتبطة بظاهرة الإيمان، وأن هذين الجانبين من الحياة العقلية الدنيوية للإنسان هما
المسؤولان، وبالتمام، عن جهله وعدم وجود هوية حقيقية لوعيه.
أنا من نسيج خيالك
المعذب، أقول ما تُفكر فيه والذي لم تتجرأ على قوله علانية، تعيش عبر القرون،
ويُلاحقك الموت، ومن غلاف إلى غلاف آخر تنتقل … والقدر يصنعك أو تصنعه. فالإنسان
الذي لا يُحب أبداً لا يُمكن أن يأسره القدر، أو الأحرى أن الإنسان الذي لا يحب
ليس إنساناً حقا، بل هو ذاكرة الجسد … الفيرومونات، أما الحب فاعلم أنه لا محدود …
حتى عند الحيوانات.
…يُتبع…
0 تعليقات