آخر الأخبار

الدافعية والفترة الشعار والواقع... وقراءة التاريخ






الدافعية والفترة
الشعار والواقع... وقراءة التاريخ



عز الدين محمد


في أواخر الحقبة السوفيتية كانت هناك نكت يطلقها الناس للتعبير عما يشعرون به من بؤس وانزعاج، أحداها تقول بأن احد الرفاق المسئولين جاء بأمه من الريف الى المدينة، كانت الأم الريفية تتأمل في مظاهر الترف في البيت بانبهار، سرعان قامت من كرسيها وقالت لولدها: يجب ان ارجع الآن، قال لها: لماذا يا ماما؟ قالت له: أخاف ان يدخل علينا الثوار الحمر يا ولدي!! أنها طرفة تبين الاختلاف الكبير بل التناقض بين الشعار وواقع الحال.



كل الحركات الاجتماعية تبدأ بحالة انفعالية تجعل المؤمنين بها مستعدين للتضحية بكل شيء في سبيلها، ولأنها فترة انفعالية فإنها لا تستمر طويلا، بل تنتهي بعد وقت لترجع الحياة إلى مسيرتها وطبيعتها ونظامها.


الثوريون لا يدركون ذلك، ويعتقدون بأن الثورة تستمر، ولهذا يمكن للثائر أن يقع لاحقا في أشكال عدم التفريق بين مرحلتي الثورة والدولة.
عندما تنتهي مرحلة الثورة وتنتهي دافعية المرحلة ترجع الحياة الى طبيعتها، ومن لا يدرك ذلك أو لا يعترف به فإنه سيضطر لأن يعيش حالة نفاق وازدواجية، فيتكلم بالشعارات ويعيش الواقع في أسوأ صوره. أتعرف لماذا؟ لأنه سيعيش حالة ازدواج أي نفاق، فهو مضطر لأن يتكلم بشعارات خرجت عن الزمان، ولأن الشعار تحول الى وسيلة للتغطية فان هذا ما سوف يشجعه على ان يسرق أكثر وأكثر، ويسقط أكثر وأكثر.


من لا يميز بين مرحلة الاندفاع ومرحلة الاستقرار (الفترة) سيدخل نفسه في إشكاليات، ومن يقدر على التمييز بينها فسينجح لأنه سيعطي لكل مرحلة استحقاقها، لهذا قال النبي (ص): لكل شيء فترة فمن كانت فترته الى الكتاب والسنة فقد هتدى ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك.


أي من انتهى أمره الى فترة ترتكز على واقع عقلاني، فقد هلك.


من لا يفهم التاريخ لا يميز بين مرحلتي الاندفاع ومرحلة الفترة، لا يدرك بان لكل مرحلة تاريخية أسبابها، ولهذا وقعت قوى الإسلام السياسي في إشكالين مدمرين: أولهما مشكلة الشعارات البعيدة عن الواقع، والثانية أنها كونت نظرة خيالية إلى التاريخ، وهو ما انعكس بشكل خطير على رؤيتهم لتشكيل الدولة ووظيفتها، حيث تصوروا أن دولة المدينة والجيل الأول من سلف الأمة من الصحابة والتابعين يمكن استنساخهم واستنساخ مرحلتهم. وظنوا بأنّه بمجرد إطلاق تسميات ترتبط بذلك الزمن على واقع اليوم يمكن أن يجعلها مثل تلك الحالة التاريخية. وهكذا ظهرت مصطلحات من قبيل: دار الهجرة، ودار الكفر، المهاجرون والأنصار، وغيرها من التعابير التي تم استدعاؤها واحياؤها بعد أن درست، ولم يعد أحد يستعملها.


وهذا خطأ، فإن الحدث التاريخي هو ابن واقعه، ومقومات وجوده لا بد أن توجد على أرضه، وأن محاولة استنساخ شيء من هذا القبيل لن يكون في أحسن الأحوال إلا ضربا من التمثيل لن يصنع واقعا. وكيف يمكن أن يحدث ذلك مع كثرة المتغيرات في هذا العالم؟ وهي متغيرات لا تعد ولا تحصى من النظام السياسي إلى تغيّر طباع الناس، ومعارفهم وعاداتهم، وأعمالهم وطرق تغذيتهم، مع ظهور أشكال متنوّعة لنماذج الحياة لو كانت موجودة في ذلك الزمن؛ لما انتج ما أنتج.


وبالمحصّلة، فإن محاولة استنساخ التاريخ لن يأتي بشيء، وهو ما سيكتشف لا حقا لكن –للأسف- بعد أن نخسر الكثير من الشباب، والكثير من المقدّرات.




إرسال تعليق

0 تعليقات