آخر الأخبار

التعامل مع فيروس كورونا (٨)








التعامل مع فيروس كورونا (٨)
[دراسة فقهية]





أحمد مبلغي


القاعدة الثالثة: قاعدة الهروب من المرض المسري


توضيح القاعدة:

وفقًا لهذه القاعدة، تكون وظيفة كل شخص، محاولة الابتعاد عن المرض المعدي فيما إذا كان:

۱- قريبا من المريض؛ قرباً يسبب إصابته بالمرض.

۲- واجداً لظروف تسهّل و تقرّب له حالة الإصابة بالمرض، مثل أن كان جهازه المناعي ضعيفا، بحيث إذا لم تتم إزالة هذا الضعف فهو سيصبح مصابا به، أو يتعرض للمرض بسبب نقص المعدات الصحية.
وصفوة القول، أن القاعدة تقول: يجب الهروب عن أي حالة قد تؤدي إلى صيرورته مصابا به.


فلسفة القاعدة:

فلسفة القاعدة واضحة، وهي أن انتقال المرض بما أنه يحدث عند الاقتراب، لا عند الابتعاد، فيجب الابتعاد.

مستند القاعدة:
هناك صنفان من الروايات تصطاد هذه القاعدة منهما، وهي:


الصنف الأول: ما هو موضوعه الفرار عن الطاعون أو الوباء، وهي روايات:


١- عن الحلبي سألت أبا عبد الله (ع) عن الوباء يكون في ناحية المصر فيتحول الرجل إلى ناحية أخرى أو يكون في مصر فيخرج منه إلى غيره قال: لا بأس إنما نهى رسول الله (ص) عن ذلك لمكان ربيئة كانت بحيال العدو فوقع فيهم الوباء فهربوا منه فقال رسول الله (ص): الفار منه كالفار من الزحف كراهية أن يخلو مراكزهم. (الكافي، ٨ : ١٠٨).


٢- عن أبان الأحمر قال: سأل بعض أصحابنا أبا الحسن (ع) عن الطاعون يقع في بلدة وأنا فيها أتحول عنها؟ قال: نعم.
قال: ففي القرية وأنا فيها أتحول عنها؟ قال: نعم. قال: ففي الدار وأنا فيها أتحول عنها؟ قال: نعم. قلت: وأنا نتحدث أن رسول الله (ص) قال: الفرار من الطاعون كالفرار من الزحف. قال: إن رسول الله (ص) إنما قال هذا في قوم كانوا يكونون في الثغور في نحو العدو فيقع الطاعون فيخلون أماكنهم ويفرون منها فقال رسول الله (ص) ذلك فيهم. (معاني الأخبار: ٢٥٤).


٣- عن علي بن المغيرة قال: قلت لأبي عبد الله (ع) القوم يكونون في البلد فيقع فيها الموت، ألَهُمْ أن يتحولوا عنها إلى غيرها؟ قال: نعم، قلت: بلغنا أن رسول الله (ص) عاب قوما بذلك؟ فقال أولئك كانوا رئبة بإزاء العدو فأمرهم رسول الله (ص) أن يثبتوا في موضعهم ولا يتحولوا عنه إلى غيره، فلما وقع فيهم الموت تحولوا من ذلك المكان إلى غيره فكان تحويلهم عن ذلك المكان إلى غيره كالفرار من الزحف. (الوسائل،٢: ٤٣٠).


الصنف الثاني: ما هو موضوعه الفرار عن الجذام:

١- قال رسول الله (ص): "فر من المجذوم كما تفر من الأسد" (صحيح البخاري، ٧: ١٧).


٢- قال رسول الله (ص): "فرّ من المجذوم فرارك من الأسد". (الوسائل، ١٥ : ٣٤٥).


كما رأينا قد ركزت هذه المجموعة الروائية (بِكليْ صنفيْها) على عنصر الفرار، لذلك يمكن اصطياد القاعدة المشارإليها (قاعدة الهروب من المرض المسري) منها.


حصر حكم "عدم مشروعية الفرار" بالمتواجدين بالثغور (ونفيه عن غيرهم)،



في الحكم بجواز الفرار لمن في المدينة او القرية، كي يقال: هناك تعارض بين هذه الروايات من جانب، وبين الرواية النبوية والروايتين الدالتين على عدم الفرار من أهل المحلة من جانب آخر، وعليه فان هذه الروايات تعطينا قاعدة "لزوم الابتعاد عن المرض المسري" فقط، لا أكثر.


وثانيا: حتى لو سلمنا أن هناك تعارضا بين الطائفتين، فانه تعارض غير مستقر؛ لان هذه الطائفة تدل على عموم جواز الفرار ، والرواية النبوية والروايتين اللتين معها تدل على عدم الفرار من المنطقة فيما إذا صار أهلها مصابين بالمرض، فتلك عام وهذه خاص.



النسبة بين الطائفتين من الروايات:

قد يتصور أن هناك تقابلا وتخالفا بين هاتين المجموعتين من الروايات، حيث تمنع الأولى عن الفرار بينما الثانية تسمح بالهروب.
وقبل رد وإبطال هذا التصور، ينبغي الاشارة الى أن المقصود من الطائفتين، هو: ١- تلك الطائفة القائلة بعدم الخروج من الأرض (أو المحلة) المصابة، وهي الرواية النبوية وروايتان من أهل البيت (ع)، ٢- الطائفة التي ذكرناها أعلاه وتدل على نفي البأس عن الفرار من المدينة (أو الدار ) التي يكون فيها المرض.



وفيما يلي محاولة لإثبات عدم وجود أي تقابل بين هاتين الطائفتين، وهذه المحاولة متشكلة من عدة نقاط:

١- انه -وفقًا للارتكاز العقلائي- يكون واجب كل إنسان قبال الأمراض المعدية، واجبا ذا بندين؛ البند الأول هو أنه يجب عليك محاولة الابتعاد من المرض حتى لا يدخل إلى جسمك، والبند الثاني هو أنه يجب عليك ألا تنقل المرض إلى الآخرين.



٢- إن الطائفة الثانية بصدد تبيين حقيقة مفاد الرواية النبوية القائلة (الفرار من الطاعون أو الوباء كالفرار من الزحف) من أن شأن صدور هذه الرواية النبوية، الجماعة المتواجدة في الثغور الإسلامية والمدافعة عن حدود الوطن الإسلامي، وبيان أنه ليست لهذه النبوية أي دلالة على المنع عن أصل الهروب من المرض المسري.



ومما يرشدنا الى أنها بصدد تبيين حقيقة مفاد تلك النبوية الشريفة، هو أولا: توجد وتشاهد في ذيل كل هذه الروايات، الإشارة الى هذه النبوية، وثانيا: ان لسان كل هذه الروايات نفي البأس؛ وهذا النفي، إنما يستقيم ويتجلى معناه إذا جعلناه ناظرا الى ذلك الذي جاء في الرواية النبوية من جعل الهروب منه على غرار الفرار من الزحف.



٣- حيث إن هذه الروايات بهذا الصدد ( بصدد تبيين مفاد النبوية) فهي في الحقيقة بصدد تبيين الأصل الأولى في قضية الهروب، أي تكون ناظرة الى البند الأول فقط، ببيان آخر، هي بصدد إثبات أن مبدء الهروب عن المرض المسري يكون باقيا على حاله واعتباره وان النبوية واردة بالنسبة الى أهل الثغور.



اذا كان كذلك، نستنتج أن هذه الروايات ليست أساسا في مقام النظر إلى البند الثاني (القائل بأنه يجب على المرء تجنب نقل المرض إلى الآخرين ).




٤- من جهة أخرى اذا رأينا أن تلك الطائفة الأولى [أي: رواية النبي الأعظم (ص) والروايتين من أهل البيت (ع)] ناظرة الى البند الثاني - كما هو معلوم- فنستنتج أنه لا تقابل بين هاتين الروايتين.



ببيان فني وفقهي، اذا كانت هذه الأخبار (الطائفة الثانية) صرفا في مقام نفي البأس عن الفرار، فليس لها إطلاق يشمل حالة ما اذا أصبح الشخص عاملا للانتقال بسبب فراره (الحالة التي تنظر اليها الطائفة الأولى) ، واذا لم يكن لها مثل هذا الإطلاق فلا يبقى مجال للقول بالتعارض بين الطائفتين.

نتايج البحث:
النتائج المستخلصة من كل ما تم ذكره وتحقيقه، هي ما يلي:

١. إذا كان الفرار، له أثر سلبي على الثغور وأمن الحدود الإسلامية، فهذا ممنوع، وهذا ما تدل عليه النبوية القائلة بكون الفرار منه كالفرار من الزحف.



٢. جواز [بل لزوم] الفرار من المرض المسري، وذلك بدلالة الروايات التي تدل على عدم البأس في الفرار.

ان قيل: ان هذه الروايات، لسانها عدم البأس فلا تدل على لزوم الفرار.
يقال: إن سرّ اختيار وانتخاب هذا اللسان في هذه الروايات، يكمن في انها كانت في مقام تحديد نطاق موضوع النبوية (القائلة بكون الفرار منه فرارا من الزحف)، وعليه فليس تركيزها على نفي البأس، يرمز الى كون الحكم هو الجواز لا الوجوب، فحينئذ هذه الروايات ساكتة من هذه الجهة (جهة كون الحكم إلزاميا او غير الزامي) ، غير اننا نستفيد اللزوم من روايات الجذام التي هي جزء من روايات المقام، فان لسانها لسان البأس.


وهناك مستندات أخر للقول بلزوم الفرار منه نتركها الى محلها.



٣. إذا أصبح الفرار سببا لتعريض الآخرين للإصابة فهو ممنوع شرعا، وهذا مستفاد من النبوية القائلة بعدم الخروج من الأرض المصابة وأيضا من الروايتين الدالتين على ان لا يكون له الفرار من أهل مسجده (ما فسرناه باهل محلته).
وهل هذا المنع الشرعي من سنخ الحرمة او من سنخ المنع الكراهي؟ فانا اعتقد بانه لو لا يكون منعا تحريميا، فلا اقل من القول بان الشارع وضع كليته واصله لكي يكون من منطقة الفراغ التي قد تلبس لباس الإلزام حسب المصالح الطارئة.




التعامل مع فيروس كورونا (٧)



⇭ مرجع دينى ايرانى 


إرسال تعليق

0 تعليقات