آخر الأخبار

فقه أصول المنهج (11)












علي الأصولي




قال الماتن:


وجوابه على مستويات:


الأول: يقال: أنه لا أثر لهذه الحروف، فإنها ترجع الى ذوق اهل اللغة لا أكثر فتأمل،

الثاني: أن يقال: أنه يراد من الطلب توجيه الأمر، ومن الأمر تنفيذه، وبهذا يصبح الأمر أقوى فعالية من الطلب، لأنه يستبطن الإنجاز، وأن لم يكن كذلك عمليا، وأما الطلب فلا، وإنما هو مجرد توجيه الرجاء إليه،


وعلى هذا فالطلب استحبابي والأمر وجوبي، أو يقال: أن الأمر للحصة الإلزامية والطلب لمطلق الطلب، فيكون الطلب اضعف من هذه الجهات، بل حسب ما قلناه،

فإن الطلب لا يفترض فيه إطاعته بخلاف الأمر، فإنه يفترض فيه الطاعة، حتى لو كان استحبابا، وهذا غير معنى الوجوب، فهذا ملخص الفرق بين الأمر والطلب التشريعي،



أقول ( أن هذا الفرق بين الأمر والطلب التشريعي، بعد إغماض النظر عن مؤثرية الحروف التي هي تلحظ بحسب الذوق اللغوي،
فحقيقية الطلب هو توجيه الأمر والغاية من الأمر هو تنفيذه لان الأمر ينتظر منه إنجازه،


وقال: وعلى هذا فالطلب استحبابي والأمر وجوبي،


ويرد عليه: يمكن القول بأن الاستحباب أيضا أمر غايته أضعف من الأمر الوجوبي، فكيف فرقت بين الاستحباب والوجوب بالطلب والأمر؟


وكما أن الأمر يفترض فيه إطاعته وأن ضعف فهذا الأمر وأن كان أقوى ملاكا،


وقولك: بخلاف الأمر فإنه يفترض فيه الطاعة حتى لو كان استحبابا، يناقض قولك: فالطلب استحبابي والأمر وجوبي، حيث فرقت وجمعت، وجمعت وفرقت، وهذا غريب صدوره منه (رض)


قال الماتن:

لا يقال: أن هذا يناسب اختصاص الأمر بالعلو، وهو مما لا نقبله، كما سبق ويأتي،


فإنه يقال: أن المهم هنا هو فكرة استبطان الأمر تفيده وطاعته، وذلك يكون أوضح مع وجود العلو في الأمر، إلا أنه لا يتعين به خارجا، كما لا يتعين مع عدم العلو وعدمه،
بل غير ملحوظ في هذه الأطروحة بالمرة وجوده الخارجي، وإنما هو أمر ملحوظ للمتكلم أو المستعمل؛ فإن لأحظ التنفيذ سماه أمرا، وأن لم يلاحظ سماه طلبا، كما في استعماله الجملة الخبرية في مقام الإنشاء، حيث قالوا: أن الملحوظ فيها هو التنفيذ استعمالا بغض النظر عن التنفيذ الخارجي حقيقة،


الثالث: أن الفرد المأمور - في الطلب - يكون واسطة في التنفيذ قياسا على طلب شيء عينه، يقال: طلبت منك الكتاب أو اطلب منك الصلاة، فكما يكون هو واسطة هناك كذلك هنا، بخلاف الأمر فإن المأمور يكون أصيلا بلا واسطة، وهذا هو المستفاد من حروف الجر الداخلة عليه، يقال: طلبت منه وأمرته، مضافا إلى كون الطلب التشريعي مصداق من الطلب التكويني، بخلاف الأمر،


الرابع: أن الطلب عرفا ما يكون لمصلحة الآمر نفسه، كأن المأمور ينفع الآمر في إنجازه، بخلاف الأمر فإنه في مصلحة المأمور، كما في الأوامر الشرعية، ولا تسمى طلبات، ولذا تكون الطلبات فضولية، إذ لم تصدر من أهلها، ولا تسمى أوامر فضولية، إذ لوحظت بما هي أوامر، لأنها لا تكون إلا من أهلها، الخامس: إننا نفهم الحال من حروف الجر الداخلة عليها، يقال: طلبه، يعني الناقة الشاردة، والعمل من الغير للعمل معا، ولذا قلنا ان الطلب التشريعي مصداق من التكويني، لأنه يتضمن تقديم للهدف، ويقال: طلب منه العمل، مثل ما لو كانت الناقة عندي فطلبتها مني، لأن إرادة العمل عندي،


وأما الأمر - مفرد أوامر - فهو ليس فيه جانب تكويني، بل هو تشريعي محض، وإذا ينسب إلى المكلف ابتداء يقال: أمرته، وينسب إلى الفعل بحرف الجر، يقال: أمرت به، تفريقا له عن المكلف، مع أنه نظريا يمكن العكس، على أن هذه الأطروحات غير متنافية، ويمكن صدقها جميعا، بل بعضها يرجع إلى بعض ومحصلها يكاد أن يكون واحد عمليا وعرفا،
ومعه لا حاجة إلى استعمال علامات الحقيقة والمجاز، فيها لتفضيل بعضها على بعض، فإن محصلها العام موافق للتبادر، وهي واحدة عمليا، فلا حاجة للتفصيل، وأما الفروق الدقيقة، فلا حاجة للتعرف عليها،


أقول ( وبعد أن ذكر أولا: بقول: أنه يراد من الطلب توجيه الأمر ، ، ، الخ ، ، ، أورد في ثانيا: إيرادا اعتراضيا مفاده أن أولا: والكلام فيه يناسب اختصاص الأمر بالعلو - على أن هذا المبحث وهذه الجهة لم تبحث لحد الآن –

إلا أن الماتن: مع اعترافه الضمني بالإيراد، لفت انتباه إلى فكرة استبطان الأمر وتفيده بصرف النظر عن فكرة العلو،




ان هذه الأطروحة لحظت الاستبطان في الأمر، وهو ما يعني تنفيذه وطاعته، وفكرة التنفيذ والطاعة تكون أوضح بضميمة الجهة العلوية الآمرة، وكل ذلك غير متعين وملحوظ، وما يمكن لحظه كأمر لنفس المتكلم، فإن لأحظ التفيذ سماه أمرا وأن لم يلحظه أو يلاحظه سماه طلبا،


ويمكن القول بعدم الملاحظة كالقول، بالنسبة للجملة الخبرية في مقام الإنشاء، بالضبط التي يكون ملحوظها التنفيذ، سواء نفذت خارجا ام لا،


من ثم، أن المأمور أو قل المكلف فهو واسطة في التنفيذ، طلبت منه كذا، اي باعتبار كونه وسطة للتنفيذ، بينما الأمر لا يلحظ هذه الواسطة إذ أن المأمور يكون أصيلا، هذا ما يستفاد من حروف الجر وعلمها في الاستعمال، طلبت منه وامرته، بالإضافة إلى كون الطلب التشريعي مصداق من الطلب التكويني بخلاف الأمر الذي لا يكون مصداقا لغيره،


ومن الملاحظات ايضا، أن مصلحة الطلب عرفا ناظرة للآمر، والمأمور عليه الإنجاز فقط، بينما الأمر ناظر إلى مصلحة المأمور فالصلاة مثلا يستفاد منها نفس المكلف لا من أمره،


ولو تلاحظ الأوامر الشرعية لا تسمى طلبات، لا اقل في استعمال الطلبات للفضول اذا كانت من غير أهلها، والأوامر لا يمكن وصفها بالفضولية اذا لوحظت بما هي هي،


وكيف كان: يمكن فهم الحال من نفس حروف الجر، يقال: طلبه، ومثل لها الماتن بالناقة الشاردة، والعمل من الغير للعمل معا، ولذا عبر الماتن، بإن الطلب التشريعي مصداق من الطلب التكويني، لأنه يتضمن الهدف، طلبت منه العمل ونحو ذلك،


واخيرا، واما الأمر مفرد - أوامر - ليس لها جانب وحصة تكوينية بل هي تشريعية صرفة،


المهم في المقام، هو أن هذه الأطروحات لا تتنافى فيما بينها جميعا و يمكن صدقها بل يمكن القول بعضها يرجع للبعض الآخر، ومحصلها بالتالي واحد،


الجهة الثانية: في اعتبار العلو في الأمر،

قال الماتن:
وأحسن من ذكر عنوانها، السيد الأستاذ - قدس سره - فإنه وأن كان حديثه مقتضبا، إلا أن عنوانه مفصل،


فإنه تارة ينظر في عللها وأخرى في معلولاتها، يعني أثرها الفقهي،

واما في عللها، ينظر في عللها العقلية وأخرى في عللها اللغوية،

أما العلل العقلية، فيراد بها: أنه هل يشترط في وجوب الطاعة عقلا، وجود العلو أو الاستعلاء ام لا؟


واما العلل اللغوية، فيراد بها: أخذ العلو أو الاستعلاء في مفهوم الأمر لغة، فلو كان الأمر للاسترحام مثلا لم يكن أمرا لغة،


والظاهر أن كلامهم يشمل المادة والصيغة معا، غاية الأمر أن المادة تكون أمرا بشرائطه بالحمل الاولي، والصيغة تكون بالحمل الشايع، ولكنها مشترطة بالشرائط التي قيل بها هنا،


وأن كان ظاهر الباحثين فيها، كما هو مقتضى العنوان، في مادة الأوامر، هو الاختصاص بالمادة، إلا أنه غير صحيح، ولا مطابق لمقصودهم الكامل،


اقول ( ضرورة عقد هذه الجهة في هذا البحث بل في عامة أبحاث الأصول، هو لوجود خلاف معروف بين اهل الفن، كون ان الطلب الذي يتمظهر بمعنى مادة الأمر، هل هو مطلق الطلب، أو ما يعبر عنه ويعتبر فيه جهة العلو، أو الاستعلاء أو كلاهما معا، أو العلو فقط بدون استخفاض؟
واختار الماتن: المنهجية التي عرضها أستاذه في البحث من هذه الجهة، إذ بحثت المسألة أو هذه الجهة من ناحيتين:

الأولى: العلل العقلية،

الثانية العلل اللغوية،

والعلل العقلية تبحث عن اشتراط وجوب الطاعة العقلي، هل هي منوط بجهة علوية أو استعلائية، أم لا ؟

وأما العلل اللغوية، فهو النظر إلى أخذ طبيعة العلو والاستعلاء في مفهوم الأمر لغة، ونحو ذلك،

ثم أشار الماتن: إلى أن كلام علماء الأصول هو شامل للمادة والهيئة معا، نعم ان المادة التي تكون أمرا من ناحية المفهوم فقط دون المصداق، ولذا عبر عنها بالحمل الأولي الذاتي، والصيغة تلحظ المصداق، كما في الحمل الشايع الصناعي،

ومع أن ظاهر كلام الأعلام في المادة والهيئة، غير أنهم عمليا اقنصروا على المادة في بحث مادة الأوامر، وهو غير صحيح منهجيا )


قال الماتن:

وحاصلها: السؤال، عما إذا أخذ في حكم العقل العملي العلو في الأمر لوجوب الطاعة، أو الأعم من العلو والاستعلاء، أو لم يؤخذ شيء منها، بل مطلق الأمر يجب طاعته، ولو كان من السافل إلى العالي،
وهذا فيه مستويان من الجواب:

المستوى الأول: اشتراط العلو في حكم العقل، ولا اقل في الشك في غيره بل اليقين بعدمه،

الأمر الثاني: أنه يمكن أن يقال: ان العقل يحكم فقط بوجوب طاعة الله سبحانه، دون مطلق العالي، وليس ذلك بعنوان كونه عاليا، بل بصفته منعما ومبتدئا بالنعم قبل استحقاقها، كما أن اللسان لا يتعين أن يكون هو لسان العلو، بل يمكن أن يكون بلسان النصح أو الفرض أو التهديد، بل بدون ذلك كله، لمجرد كونه هو الشارع المقدس الحقيقي، وأن إتباع غيره شرك محض،


المستوى الثاني: ان هذا مربوط بحق الطاعة، وليس مربوطا بالأمر، فلو لم يسلم كلامه، أمرا وجبت طاعته، كما لو كانت جملة خبرية أو كانت إخبارا عن الثواب، كأخبار من بلغ ونحوها، أو لا تعاد الصلاة إلا من خمس، وأمثالها كثير،


فالأمر بصفته صادرا من العالي لا يجب طاعته بحكم العقل، بل بينه وبين الطاعة عموم من وجه، فلو صدر من عال غيره لم يجب، ولو صدر منه ولو بلسان الإخبار وجب،


إذن، حق الطاعة مربوط بالله سبحانه، ولا شيء غير ذلك، وهذا مطلب كلامي قبل أن يكون أصوليا،


أقول ( حاصل السؤال: هو أن أخذ حكم العقل في الوجوب خل هو لجهة العلو بقيد وشرط وجوب الطاعة، أو الأعم من كونه علوا إلى كونه إستعلاءا، أو لا هذا ولا ذاك، بل إن مطلق الأمر يوجب الطاعة، حتى لو كان من السافل العالي أو من المساوي للمساوي بالرتبة،


وهنا الماتن ذكر الإجابة بالمستوى الأول وبالمستوى الثاني،


الأول: هو أن العلو شرط عقلي بالوجوب، وإذا كان الأمر لم يصدر من العالي فلا وجوب،


الثاني: لو خلينا نحن والعقل فلا يرى وجوب الطاعة إلا لله، وأن كان غيره يتصف بالعلو فلا طاعة له، وطاعة الله لا تلحظ بلحاظ كونه عاليا، بل بلحاظ كونه منعما ومبتدئا بالنعم قبل قبل الاستحقاق، وعلى هذا الفرض فلا نشترط باللسان كونه لسانا امريا بل يمكن أخذ الأمر بالوجوب باي صيغة كانت، ما دام أنه لسانا شرعيا حقيقيا، وكل ما دونه فهو من الشرك،


وأما المستوى الثاني، فإننا نلحظ الارتباط على نحو الارتباط الطاعتي، وما تفرضه طبيعة حق الطاعة على العبد وأن كان هذه المبحث من المباحث الكلامية قبل أن يوظف أصوليا، لان حق الطاعة وحدود الطاعة مرتبطة بأبحاث الكلام بالأصل،


وكيف كان، هذا المستوى يرجع للجواب الثاني من المستوى الأول، وأن كان بين العلو وحق الطاعة عموم من وجه ولكن المسألة مربوطة بحق الطاعة بحسب أفاده هذا الجواب ).






إرسال تعليق

0 تعليقات