آخر الأخبار

فقه أصول المنهج (10)








على الأصولي




وقول الماتن، ولا نعلم وجهة نظر صاحب - الكفاية - في تعبيره حول مفردة أوامر بمعنى الطلب - في الجملة - غريب،

ويحسن بنا نقل كلمات الآخوند للوقوف على وجهة نظره التي قال عنها الماتن - ولا نعلم وجهة نظره –

ففي الجهة الأولى، فيما يتعلق بمادة الأمر، وبعد أن ذكر للفظ الأمر معان متعددة:

منها: الطلب كما يقال: أمره كذا ،

ومنها: الشأن، كما يقال: شغله أمر كذا،

ومنها: الفعل، كما في قوله تعالى{ وما أمر فرعون برشيد } هود ٩٧ /

ومنها: الفعل العجيب، كما في قوله تعالى { فلما جاء أمرنا } هود ٦٦ /

ومنها: الشيء، كما تقول - جاء زيد لأمر كذا –

ولا يخفى أن عد بعضها من معانيه من اشتباه المفهوم بالمصداق - أي أن بعض المعاني الآنفة الذكر كاستعماله في الطلب واستعماله في الشيء، فإن الأمر بقرينة الواقعة على الأمر الخارجي قد استعمل في مصداق الشيء لا في مفهومه - واستعماله - اي الأمر - في جاء زيد لأمر كذا - ما أستعمل في معنى الغرض، بل اللام قد دل على الغرض،


نعم، قد يكون مدخوله مصداقه فافهم،

وهكذا الحال في قوله تعالى { فلما جاء أمرنا } يكون مصداقا للتعجب لا مستعملا في مفهومه، وكذا في الحادثة والشأن،

وبذلك - اي بالفرق بين المفهوم والمصداق - ظهر ما في دعوى الفصول، من كون لفظ - الأمر - حقيقة في المعنيين الأولين - وهما الطلب والشأن - ولا يبعد دعوى كونه - اي كون لفظ الأمر - حقيقة في الطلب في الجملة والشيء، هذا بحسب اللغة والعرف - انتهى كلام صاحب الكفاية بتصريف وتوضيح –

يعني لا الطلب مطلقا، بل فيه بعض الخصوصيات، وسبب إجمال عبارة صاحب - الكفاية - في قوله - في الجملة - بينها في الجهة الثالثة في بحث - الكفاية –

بقوله: لا يبعد كون لفظ - الأمر - حقيقة في الوجوب لانسباقه - أي لانسباق الوجوب في الذهن عند لفظ - الأمر - عند إطلاقه، والانسباق هو التبادر المثبت للوضع،

بعبارة أخرى: أن سبب إجماله في - الطلب في الجملة والشيء - هو لعدم بعدية كون لفظ - الأمر - حقيقة في خصوص الطلب الوجوبي لا مطلق الطلب،

ولا اعرف كيف غاب عن ذهن الماتن السيد الشهيد الصدر الثاني (رض) السبب الذي حدا فالآخوند ان يعبر في الجملة والذي قال عنه الماتن، لا نعلم وجهة نظره !


وكيف كان: أورد الماتن على ذلك جملة من النقوض:

منها: أن الطلب للغة هو السعي، نحو الهدف المطلوب، يقال طلب العلم وطلب المال،

بل يمكن أن يقال: وعرفا كذلك وهو أن الطلب سعي نحو المقصود للظفر به، ومنه طلب الماء غلوة سهم أو سهمين مثلا في باب التيمم، وطلب العلم وطلب الضالة، وطلب الفرات كما في تاريخ ملحمة واقعة كربلاء، وغيرها من موارد الاستعمال

وفي الكل - أي كل هذه الطلبات تحتاج إلى مقدمات تمهيدية للوصول إلى المطلوب - وهذه الأمثلة ليست من الأمر قطعا،

ومنها: أن الطلب بناء على ما ذكر أعلاه، فهو يلحظ الإرادة التكوينية، وما يريده المشهور ويخصونه هو الإرادة التشريعية، دون الإرادة التكوينية،

يعني نريد من الأمر الذي هو الطلب، أن يكون مظهرا من مظاهر الإرادة التشريعية التي يفهم منها ان هناك - أمر - يحدث الداعي في المأمور، على إيجاد المأمور به، لا على نحو تحريك اليد لإيجاد الشيء، فيكون أمرا بالمباشر، بل نريد أن يكون أمرا تسببيا، وهو أن الأمر الموجه إلى الغير يكون المأمور به التسببي، الذي يتعلق غرض - الآمر - بإيجاد الغير للعمل،

والطلب بما ذكر اعلاه فهو تكويني بالمباشر بينما ان المشهور يخصون الطلب بالتسببي،

ومنها: لو قبلنا ان الطلب هو التشريعي، إلا أنه من ناحية عرفية يقال: طلب منه كذا - فهذا أمر عام كما يطلب العالي من الداني كذلك يطلبه المساوي من المساوي، بينما المشهور اختصه بالعالي فقط )

قال الماتن:

أقول: وهو نحو من الفحص كأن الهدف بمنزلة الضائع فهو يطلبه ويفحص عنه، وهذه الإرادة ليست هي الإرادة المصطلحة، لأن تلك هي الجزء الأخير من العلة، وهذه هي الجزء الأول منها، ولذا يترتب المعلول في الأولى دون الثانية، ومنه قولنا: خرجت أريد الكوفة، قوله: أردتني وأراد الله خارجة ، وقوله في الدعاء: اللهم من أرادني بسوء فأرده،

فهي ليست علة تامة قطعا، وهذا ينتج ان الإرادة قد تستعمل بمعنى الطلب، وهي الاستهداف دون العكس، يعني ان الطلب لا يستعمل بمعنى الإرادة المصطلحة التامة، وتلك - اعني الإرادة التي هي بمعنى الاستهداف - وهي مقصود مشهور المتأخرين الذين يقولون باتحاد الطلب والإرادة،

و المهم الآن: أن نفهم أن الطلب، هل يشمل الطلب التشريعي؟
في الواقع ان الطلب التشريعي صغرى من المعنى اللغوي، لأن الطلب اللغوي يشمل كل استهداف لأمر خارج عن الإرادة الفورية، بما فيه أفعال الآخرين،


إذن: ينبغي التمهيد والتقديم للهدف، وهو وجود الفعل من قبل الآخرين، وفعل الآخرين ينحصر التمهيد له بالطلب التشريعية منهم بالعمل أو التصرف، ومن هنا سمي الأمر التشريعي طلبا، وهو كذلك بالحمل الشايع، بصفته استهدافا لإنجاز العمل من الغير، في حين كان هذا المعنى أبعد عن الأمر التكويني والإرادة التكوينية، لأنها تؤثر بنفسها ولا تحتاج إلى تمهيد، يعني لا تحتاج إلى وجود الطلب وهي وأن احتاجت إليه بالدقة، إلا أن ذلك ليس عرفيا، فلا تكون الإرادة التكوينية طلبا ولا أمرا عرفا،

فمن هنا، يمكن تعريف مفرد الأوامر بإنه: الطلب التشريعي، وليس هو الإرادة التشريعية، فإنها علة للطلب وليست عينه، وهو ليس معناه اللغوي الأصلي، إلا أنه أصبح حقيقة فيه ومن مصاديقه كل ما سبق أن أوضحناه،


أقول ( قول الماتن وهو نحو من أنحاء الفحص، هو في المعنى اللغوي، والأصوليون هدفهم في تحديد الإرادة المصطلحة بينهم التي تكون عبر مقدمات ومن ثم الوصول إليها، ويعبر عنها بالجزء الأخير من العلة، بينما إذا كنا نحن والمعنى اللغوي، فالعلة فتكون الجزء الأول من العلة، فإرادة الذهاب صوب الكوفة ليست علة تامة، بل تحتاج إلى مقدمات تمهيدية للوصول، ومنه تعرف بإن الإرادة قد تستعمل بمعنى الطلب، دون العكس وهو أن الطلب يستعمل دون الإرادة بهذا اللحاظ، يعني ان الطلب قد يستعمل وهو لا يستهدف العلة التامة حسب الإرادة المصطلحة،


وكيف كان ان الطلب التشريعي من صغريات المعنى اللغوي للطلب اللغوي، والتمهيد والتقديم يكون بحصة الإرادة التشريعية دون الإرادة التكوينية والطلب، إلا بالمعنى الدقي،

واجد ان قول الماتن: وحصر الإرادة التكوينية بالنظر الدقي مجانب للصواب، فالإرادة التكوينية كما قد نتصورها بلا مقدمات في موارد قد نتصورها بوجود مقدمات في موارد أخرى والعرف والوجدان شاهد ولا معنى لتعليق الموضوع على النظر الدقي للوصف،

وعلى كل حال: أفاد الماتن وبناءا على ما ذكره بإمكانية تعريف مفرد الأوامر بإنه الطلب التشريعي لا الإرادة التشريعية، بلحاظ ان الإرادة علة الطلب لا نفسه وعينه، وهو صحيح )




قال الماتن:


ويقرب ذلك: أن الأمر عرفا وشرعا، ينقسم إلى إلزامي وغيره، وكذلك الطلب التشريعي ينقسم إلى إلزامي وغيره، وأنه كذلك متعلق بالغير، إذ لا معنى لأن يأمر الإنسان نفسه أو يطلب من نفسه إلا مجازا،

ومن هنا توقف على تصور طرفين، آمر ومأمور، بخلاف الإرادة التكوينية،

وأما قوله: ضعف الطالب والمطلوب، فالمراد به، الطلب التكويني، أي الاستهداف ولو أراد الطلب التشريعي لقال: المطلوب منه،
يعني، ان قلت: أن مطلق الطلب يتوقف على طرفين سواء كان تكوينا أم تشريعا،

قلنا: نعم، إلا أنه لا يصدق على حصته التكوينية مفهوم الأمر، مضافا إلى أن للتكوين طرفان: هما المريد والمراد أو الطالب والمطلوب، في حين إن للتشريع ثلاث أطراف: الطلب والمطلوب والمطلوب منه، أو قل الآمر والعمل والمأمول به،

وبهذا يفرق عن مفرد الأمور الذي لا يتوقف على وجود طرفين، وهذا لم يلتفت إليه السيد الأستاذ - قدس سره -


أقول ( والمناقشة، مناقشة الماتن مع المشهور من جهة ومع أستاذه من جهة أخرى،

فقد لحظ التشابه بين الأمر والطلب شرعا وعرفا، بلحاظ انقسام كلا منهما إلى إلزامي وغير إلزامي، والطلب لا يتصور فيه إلا بلحاظ تعلقه بالغير فالإنسان عندما يريد الماء لنفسه لا نتصور يوجه الأمر لنفسه إلا مجازا، وعلى ذلك قال: الماتن الموضوع يتصور فيه تعلق آمر ومأمور وهذا غير متحصل في الإرادة التكوينية،


واستشهاد أستاذ الماتن بآية - ضعف الطالب والمطلوب - فهو بلحاظ الطلب التكويني لا التشريعي، بدلالة غياب - المطلوب منه - المنصرفة للتشريع،


ان قلت: كما يمكن تصور طرفين بالتشريع كذلك يمكن تصور طرفين بالتكوين،
قلنا: لا مشكلة فلتتصور ذلك، لكن عليك ان تعرف بإن الحصة التكوينية التي تصورت فيها طرفين لا تشمل مفهوم الأمر،


علاوة على أن للتكوين يحتاج إلى طرفين بينما التشريع يحتاج إلى ثلاثة أطراف كما بينها الماتن أعلاه،


وهذا التصور بين التكوين والتشريع والأطراف غفل عنها أستاذه، بل يمكن جعلها مائزا بين مفرد الأمور ومفرد الأوامر )


قال الماتن:

ومن هنا ترادف عرفا: أمرته وطلبت منه، ومن هنا أيضا: حصل التضاد شرعا وعرفا بين الأمر والنهي، لأن النهي يتعلق بطلب الترك، وهذا من جملة الفروق بين المفردتين، لأن مفرد أمور لا يقابل النهي، وهذا ما يمكن أيضا إرجاعهما إلى معنى واحد،


والمشهور أخذ مسلما، ان معنى الطلب هو الطلب التشريعي، واعرض عن المعنى اللغوي بشكل ساذج وغير مبرهن، وليس ذلك، إلا لأنهم ليسوا من أهل اللغة، وإلا فإن النتيجة واحدة بيننا وبينهم،
فإن قلت: فإن الطلب والأمر يتعديان إلى المتعلق بأنفسهما، يقال: آمر كذا، واطلب منه كذا، أو يقال: آمر به وطلبه، إلا أن الأمر يتعدى إلى المكلف بنفسه، يقال: أمرته، والطلب يتعدى بالحرف، يقال: طلبت منه أو اليه، ولا يقال: آمر منه أو اليه، وهذا يصح تقريبا ضد المشهور، وهو تقريب ضدنا أيضا، من حيث قلنا: أن الأمر هو الطلب التشريعي،

وقد فرق السيد الأستاذ كما سبق، بين مفرد أمور ومفرد أوامر بهذا ونحوه، فهذا يدل هنا أيضا على الفرق،


أقول ( والترادف بين الأمر والطلب ملحوظ عرفا، نعم حصل التضاد الشرعي والعرفي بين الأمر والنهي، لأن النهي طلب ترك، أو قل: يتعلق بطلب الترك، وهذا يمكن عده من جملة الفوارق أو الفروق أو التمايز بين مفرد أمر ومفرد أمور لأن مفرد أمور لا يقابلها النهي بخلاف الأوامر، ومن هنا نجد ان الماتن نقد المشهور ومن ثم حاول البحث لهم عن عذر فلم يجد أمامه إلا القول أنهم ليسوا من أهل اللغة، بل يمكن أن يقال: أن اهتمام المشهور بالمعنى المصطلح بمعزل عن المعنى اللغوي، إلا اللهم قد يقال: لابد لهم من تحرير المفردة للغويا ثم التحول للبحث الاصطلاحي،

وحاول الماتن إثارة اعتراض حاصله: أن الطلب والأمر يتعدى للمتعلق بأنفسهما بلا واسطة ونحوه،

غير ان الأمر الذي يتعدى بنفسه ليس كالطلب الذي يتعدى بالحرف ).







إرسال تعليق

0 تعليقات