محمود
جابر
التحول هو الحالة
التبست المجتمع السكندري الذي تميز لقرون عديدة بالانفتاح والتعايش بين ثقافات
عديدة ومذاهب واديان مختلفة فى مجتمع تسوده عباقرة القصة والأدب والنحت والمسرح والآثار
والعمارة، و لكن فى حقبة سبعينات القرن الماضي تدخل الإسكندرية فى طور تحول انقلابي
حيث انتشر فيها ثقافة التعصب والسلفية وأصبحت الإسكندرية مشغولة بإنتاج النموذج
السلفى من محمد إسماعيل المقدم الى محمد فريد الى برهامى وكلهم يمثل النموذج السلفى .
هنا لابد أن نقف
ونسأل سؤالا كبيرا: كيف تحولت الإسكندرية من مجتمع الكوسموبولتيك
إلى مجتمع منغلق بل ومنتج للنموذج الانغلاقي ؟
فكرة التحول هى عملية إعادة تكييف القيم
المجتمعية وتطويرها وفقاً لمتطلبات زمنية أو عملية أو تنموية أو اقتصادية أو
سياسية.
والمعادلة الصعبة في أي تحول هي عملية التكييف
بين ثلاث دوائر في أي مجتمع حيث تتكون من ثلاثة مفاهيم فكرية حديثة هي (المجتمع
والسياسة والاقتصاد) وفي داخل كل منها مكونات متعددة، ولذلك فإن التحدي الأصعب في
إحداث تحولات مجتمعية يمكنها تجاوز معوقات التحول يتمثل في بناء منظومة تسيير هذه
الدوائر في بعضها البعض دون توقف أو صدام بينها، أضف إلى ذلك مراعاة عامل الوقت
ومسافة التغيير، فكل هذه المعايير ترفع أسئلة مهمة منها: هل يجب تغيير المجتمع من
أجل اقتصاد مزدهر..؟، سؤال ثانٍ يقول: هل يجب تغيير الاقتصاد من أجل صناعة مجتمع جديد،
سؤال ثالث يقول هل يجب تغيير المجتمع والاقتصاد من أجل بناء منظومة سياسية جديدة..؟.
وبما أن المجتمعات لا تبقى على حالها وقد قيل في
ذلك “دوام الحال من المحال” ، وهي حكمة موروثة نقشت على مر العصور في ذاكرة
التاريخ على هيئة قاعدة رئيسية تنطلق منها قرارات جوهرية لعل من أهمها الحفاظ على
البقاء في الحال الأفضل لمن أراد التميز والريادة، ومما لا شك فيه أن فكرة التحول
المجتمعي لم تأتِ للتّفاوض في نوع التًحول من حيث أثره، هي حتماً قرار محسوم
للنهوض بالمجتمعات لأعلى مستويات التقدم الحضاري وأحداث نقلة نوعية مستدامة في
كيانها؛ ولكن هل يحدث التحول المجتمعي للأفضل بقرار التغيٌر أم التغيير؟ فليسوا
سواءً عندما نختار قرار الاستدامة في الحال الأفضل.
التغيٌر والتغيير مصطلحان متشابهان في المبنى
اللغوي، كلاهما يدلان على “التحول” في ظاهرهما، إلا أنهما لا يحملان ذات المعنى في
مضمونهما، فالتغيٌر يعني التحول “اللاإرادي” الذي يحدث بشكل مفاجئ خارج عن السيطرة
وغالباً لا يمكن التنبؤ به وبالتالي نتائجه غير مضمونه مطلقاً، أما التغيير فهو
التحول “الإرادي” والمقصود عمداً بهدف التحسين والتطوير وفق رؤية تطويرية مخطط لها
مسبقاً؛ لمواكبة التحولات العالمية المتطاردة ومقاومة الانحرافات المعيارية التي
قد تخرج عن النص، وهي بذلك تشير إلى إمكانية التنبؤ بالتغيير وبالتالي ضمان تحقق
النتائج بشكل تصاعدي.
التحول في أي مجتمع يبدأ بفكرة يمكن ولادتها من
خلال احتياجات يفرضها الواقع المحلي والعالمي، ولكن تمرير هذه الفكرة ووضعها على
أرض الواقع هو ما يصنع التحديات، لأن فكرة التحول بحاجة إلى مكونات مهمة في معادلة
التحول، ومن هذه المكونات العامل الاجتماعي في مقابل العامل الزمني، والعامل
الاقتصادي في مقابل العامل السياسي، وهذا ما يجعلنا نصل إلى السؤال المهم الذي
يقول (التحول المجتمعي من أين يبدأ وكيف..؟).
فكرة التحول بكل بساطة تشكل مجموعة من الدوائر
التي تحرك بعضها بطريقة ميكانيكية؛ حيث أثبتت التجارب الدولية أن عامل الزمن مهم
جداً في تحقيق النتائج وقياسها على الواقع، وللعلم فإن مشروع التحول في أي مجتمع
يجب أن يكون جزءا من مناهج التعليم ومقرراته وفي عقول المعلمين والمتعلمين في ذات
الوقت، او من خلال البيئة التعليمية ذاتها حتى لو لم تتضمنها مناهج التعليم نفسه .
فقط عبر التعليم يمكن تغيير المجتمع..، وهذا ما
أثبته العالم عبر التاريخ وفلسفة التحول يجب أن تبدأ من خلال التعليم لأن النتيجة
سوف تكون جاهزة فقط بعد عقد من الزمن فعبر التعليم يمكن اختصار الزمن ونشر الأفكار
الجديدة وخاصة في المجتمعات التي يشكل فيها صغار السن العدد الأكبر.
التعليم هو من يساهم تلقائيا في صناعة صالح
ومواطن ومسؤول الخ..
بمعنى : حينما ننظر إلى الإسكندرية
– كحقل بحثى - يجب عدم فصل الإسكندرية بمفردها عن السياق العام الذى تمخض عنه حضور لافت للتيار الديني وقت ظهوره
وبروزه فى الإسكندرية وغيرها ثم استمراره بعد ذلك، حيث كان هناك خروج لموجة جديدة
من موجات التيار الإسلامي، والتي كانت ولادتها وخروجها للعلن مختلفة تماما عما
عرفته مصر من قبل.. فلأول مرة يكون وراء هذا الخروج جهات رسمية في الدولة وعلى
أعلى مستوياتها متمثلة في رئيس الجمهورية بالاتفاق مع أمين عام الإتحاد الاشتراكي
بأسيوط في ذلك الوقت محمد إسماعيل عثمان – والذي أصبح محافظا لأسوان ثم أسيوط فيما
بعد – وهي الخطة المعروفة والصفقة المشهورة أيام الرئيس السادات بهدف ضرب التيار
اليساري في مصر، حيث كانت قناعة السادات أن الأقدر علي مواجهة هذا التيار داخل مصر
هو التيار الديني، فأفسح له المجال خاصة داخل الجامعات وركزت الدولة علي أكبر
الجامعات في مصر في ذلك الوقت وهي جامعات القاهرة والإسكندرية وأسيوط، من خلال ما
سُمي بالجماعة الإسلامية.. تلك العباءة الفضفاضة التي كانت تحوي جميع الاتجاهات
والميول الدينية وكانت معينا أستمد منه كل تنظيم أو جماعة ما يريد، وكان من ضمنها
محمد إسماعيل المقدم وأحمد فريد، أول من أسسا للاتجاه السلفي في مصر وبالتحديد في
الإسكندرية ثم لحق بهم آخرون أمثال ياسر برهامي.
وللحديث بقية
0 تعليقات