آخر الأخبار

فقه أصول المنهج (5)












على الأصولي



 قال الماتن:


الخطوة الثالثة: ثم أنه قد ينتقض بالجمع وهو : أمور،


فإن مفرده هو ما قلناه مع ان القرآن الكريم لم يقل : إلى الله تصير الأمور ، يعني الأشياء، وهو ينطبق على الجزئيات كما ينطبق على الكليات، وينطبق على الذوات، كما ينطبق على الأفعال، وبالجملة، فهو يشمل ما قاله المشهور وما نفاه،

بل الأمر أكثر من ذلك، فإن الكليات لا تصير الى الله وإنما تصير الجزئيات،

إذن، يتعين أن يكون الأمر بمعنى مطلق الشيء،

وجوابه : نقضا وحلا :

أما النقض، فبالكليات التي لا تصير الى الله، مع صدق الأمر عليها، وكذلك المستحيلات، فإنها ليست بشيء ولا تصير الى الله، مع أنها يطلق عليها الأمر ،

وأما الحل، فإن هناك قرينة سياقية على المراد، وهو عود الجزئيات الخارجية إلى الله سبحانه، سواء سميت أمرا في اللغة لم لا، فالأمور في الآية الكريمة، لها مفردات حقيقية ومجازية جزما، بالقرينة السياقية،

فإن قلت: فإن المركب من الحقيقي والمجازي مجازي، لأن النتيجة تتبع أخس المقدمتين، مع أننا نحس باستعمالها الحقيقي في الآية الكريمة،

قلنا: أن ذلك إذا كان بنحو التساوي ونحوه، لا بنحو قلة المجاز واستهلاكه في المعاني الحقيقية،


أقول ( وقبل الشرح لي ملاحظة، وهي ان المتن وقع فيه زيادة لفظ - لم - وخطأ - يقل - في سياق المتن كما في قوله - القرآن لم يقل : إلى الله تصير الأمور - والمفروض ان تكون العبارة هكذا - مع انه في القرآن يقول - والى الله تصير الأمور - بعد حذف - لم - وتعديل لفظ - يقل - إلى - يقول –

مع اني وجدت الكثير من الارتباك في المتن في غير موضع وأعتقد بأن هذا يرجع كله إلى سوء التنضيد والطباعة، ولا أعرف لم يترك هذا التراث الأصولي الثر مع وجود الإمكانات المادية واللوجستية في إمكان إعادة الطبع والتنضيد !؟




على كل حال: هذه الخطوة الثالثة، حاولت أن تستشهد بالآية الكريمة - إلى الله تصير الأمور - والأمور كلياتها وجزئياتها، حسب ما افاد الماتن، و هذا على نحو النقض لمن قال ان المصير للكليات دون الجزئيات،

ثم قال، بل الأمر أكثر من ذلك فإن الكليات لا تصير الى الله وإنما تصير الجزئيات، يعني لو صح النقض بالجزئيات فالأمر لا يقتصر عليها بل يشمل حتى الكليات،

وأجاب على ذلك، نقضا وحلا :

أما النقض، فبالكليات التي لا تصير الى الله،

وسجل على الماتن، استغراب على النقض في المقام حاصله، وهو أن هذا النقض بصالح من يريد أن ينتقض بينما ذكر هنا كجواب نقضي،
بلحاظ ان مبنى السيد هو اختصاص الأمر بالكليات ولا يصح بالجزئيات، فكيف للماتن ان يغفل عن هذا الحال،

بعبارة أخرى، ثبت في ما سبق أن الأمر بالكليات دون الجزئيات كاعلام الشخصية، وهنا المستشكل أورد آية قرآنية لدعم مبناه ليثبت دخول الجزئيات مع الكليات حسب إطلاق الآية - والى الله تصير الأمور –

وجوابه، أن هذا الاستغراب مدفوع، لان الماتن لم يكن بصدد إثبات رؤية نظر أستاذه الشهيد الصدر الأول، الناص بدخول أجناس الكليات في معنى الأمر وتحديده دون الجزئيات كأعلام الشخصية، بل هو - اي الماتن - يؤمن بأوسع مما امن به أستاذه إذ نص على دخول بعض الجزئيات التي يمكن أن تكون بدائرة معنى الأمر بشرط التطعيم الوصفي، اذا جردناها بالغاء الخصوصية كقولهم - مثلك من يفعل كذا -
وهنا حاول الخصم الإيراد بالآية - والى الله تصير الأمور - التي يفهم منها دخول الجزئيات أيضا بعرضها العريض،

وحاصل النقض، بالكليات التي لا تصير الى الله، مع صدق الأمر عليها وكذلك المستحيلات، ومع أنها - أي الكليات والمستحيلات - ليست أشياء إلا أن القرآن أطلق عليها أمور،

وسجل على الماتن استغراب آخر مفاده، أن عدم رجوع الكليات والجزئيات، خلاف البديهي، كيف نعقل عدم رجوع الكليات لله مع أن الله اوجد كل الوجود وأفاضه ونحو ذلك،

بينما القرآن ذكر الإطلاق في قوله - والى الله تصير الأمور - يعني كل الأمور بما فيها جزئياتها وكلياتها،

ويمكن توجيه العبارة - عبارة الماتن - وهي ان الأمور أو قل الأشياء ما هو قابل للرجوع وما هو غير قابل للرجوع كما يستفاد من ظاهر عبارة المتن،


والتوجيه، كالأتي:


الفرض الأول: أن كان الماتن يقصد بالرجوع والعودة العلية فالاستغراب تام بل والإشكال محكم، إذ أن الكليات والمستحيلات كلها معاليل لعلة واحدة و هو واجب الوجود وإليه تصير الأمور بالتالي،
الفرض الثاني: أن كان الماتن قاصدا، العودة المآلية للاشياء فالإشكال مدفوع فضلا عن الاستغراب، وكلام الماتن تام جدا بلحاظ ان المفاهيم الكلية صورها الذهنية ترجع لجزئياتها بالتالي، وظاهر سياق الكلام حسب الفرض الثاني دون الأول،


ثم ذكر الماتن، الجواب الحلي، واستعان بقرينة السياق، فهي تفيد ويفهم من خلال ظهورها ان الأشياء كل الأشياء - التي هي أمور - كلياتها وجزئياتها - مرجعا المآلي إلى الله، بصرف النظر عن عناوينها أو تسمياتها اللغوية - سواء سميت باللغة - أمرا ام لا - وسواء كانت هذه الأمور حقيقية ام مجازية - فكل ذلك وحسب فهم القرينة السياقية داخلة في نطاق معنى - والى الله تصير الأمور -
ولو قيل : أن المركب اذا كان مركبا من الحقيقة والمجاز يسمى وحسب هذا الفرض مجازا ، تبعا لأخس المقدمتين، غير أن الآية مشعرة بالاستعمال الحقيقي لمعنى - الأمور –


فيجاب: ان ما ذكرتموه، من قولكم - المركب الحقيقي والمجازي - إذا لوحظ فيه التساوي فيمكن التسليم بنتيجة ما ذكرتموه، وهو المجازي - يعني المركب من الحقيقي والمجازي مجازي - ولكن ما نحن فيه نجد قلة في المجاز من جهة وهذه القلة مندكة ومستهلكه في المعاني الحقيقية )




قال الماتن:

الخطوة الرابعة: ثم أننا ينبغي أن نحكم العرف في الاستعمال، لا ان نمثل من عند أنفسنا ، فإذا لاحظناه فلا يبعد القول بتساوي استعمال شيء مع أمر ، فيقال: اجتماع النقيضين شيء مستحيل، مع أنه ليس بشيء عقلا، كما لا يقال، زيد شيء، زيد أمر، كما يقال : زيد إنسان، فإن صدق هذا الحمل عقلي لا عرفي، ومنه نفهم عدم إنطباقها على الجزئيات حتى لو كانت وصفية، كالمشتقات،


كما لا يقال: زيد شيء طويل، كما لا يقال: زيد أمر طويل ، بل العرف يسند الخبر إلى المبتدأ رسا، فيقول: زيد طويل، إذن فمن الناحية العملية، أصبح شيء وأمر مترادفان،


ومنه نفهم - الأمور - في الآية غير أن الأمور بمعنى الأشياء، منها ما هو قابل للرجوع إلى الله وهي الجزئيات، ومنها ما هو غير قابل للرجوع لذلك، فلا يمكن أن تكون مقصودة، أو قل إنها خارجة بالتخصيص، كالكليات والمستحيلات، ونفس هذا المعنى نقوله لو قال: إلى الله تصير الأمور الأشياء، فالأمر بمعنى الشيء، إلا أنه ليس كليا كما في الشيء أو عرضا عاما ونحو ذلك، كل ما في الأمر أن موارد استعماله متساوية لغة، ولذا لا ينطبق على الله سبحانه، ويمكن أن نفهم ذلك من الآية، لوضوح عدم رجوعه إليه، إلا أن يقال" بوجود القرينة على نفيه، ويؤيده تفسير - المفردات - له بالشأن قال: وهو لفظ عام للأفعال والأفول كلها، واستشهدت بآيات عديدة كقوله تعالى - إليه يرجع الأمر كله - قل ان الأمر كله لله - وأمره إلى الله - لا إلا له الخلق والأمر - وما أمر فرعون برشيد - أتى أمر الله -


أقول ( وفي هذه الخطوة حاول الماتن ان يرجع للعرف واستعمالاته وما يفهم منه فيما لو القي عليه سؤال عن الأمر والشيء، بعيدا عن ان نجعل مرجعية الفصل من عند أنفسنا بصرف النظر عن كوننا علماء فقهاء فلاسفة بصرف النظر عن هذه العناوين التي قد يكون للفقيه أو للفيلسوف استعمالا لا يفمه إلا هو ، هذا اذا لم نقل بأنه هو الذي اخترعه ونحته ويحاول أن يلوم الآخر إلى عدم الالتفات إلى معناه،


ولذا فضا للنزاع، سوف يكون العرف العقلائي وتفاهماتهم العرفية هي الحاكمة في المقام.


نعم، إذا كنا نحن والعرف، فهو يجد أن هناك تساو في الاستعمال بين الشيء والأمر ، وذلك يمكن أن يبدل لفظ الشيء بدل الأمر في قول: اجتماع النقيضين فالعرف لا يرى غضاضة في قول - اجتماع النقيضين آمر محال - أو - اجتماع النقيضين شيء محال - ومع قوله حول اجتماع النقيضين الذي هو ليس بشيء في الخارج عقلا فالاستعمال عند العرف سهل المؤونة،

ومع ذلك فالعرف يعترض على استعمال، زيد شيء أمر، بينما لو القينا جملة على العرف مفادها - زيد إنسان - لاستغرب العرف من هذا الاستعمال أيضا، فزيد إنسان عند العرف من تحصيل الحاصل، وهو لا يستقيم مع الفهم العرفي أو المتفاهم العرفي، لان عبارة - زيد إنسان - عبارة محمولة عقلا، يعني محمولة حملا منطقيا فالمناطقة إذا قلت لهم - زيد إنسان - فالجملة ليست أجنبية في أدبياتهم، لان الإنسان هو الحيوان الناطق هكذا ينظر المناطقة للجملة بخلاف أهل العرف،
ومنه نفهم عدم انطباق ما ذكر على الجزئيات حتى لو كانت وصفية كالمشتقات - ضارب - ذاهب - مع أنها من المشتقات الوصفية إلا أنها جزئيات،

- فزيد شيء طويل - أو - زيد أمر طويل - يتجازوه العرف اي يتحاوز هذا الاستعمال إلى إستاد الخبر إلى الخبر مباشرة - زيد طويل - إذن من ناحية عملية اصبح الشيء والأمر مترادفان ،
ومنه نفهم - بحسب الاستعمال - معنى الأمور في الآية - اي الأشياء - وهي ما يمكن إرجاعه لله كالجزئيات، ومنها ما هو غير قابل للرجوع لذلك، او قل إنها خارجة تخصيصا - والخروج تخصيصا، هو إخراج من الحكم مع دخول المخرج موضوعا، أو قل هو عبارة عن إخراج بعض أفراد موضوع الحكم بواسطة القرينة الدالة على ذلك، إذ لولا القرينة لكان الحكم العام الواقع على الطبيعة شاملا لتلك الأفراد مثل: كل مكلف يجب عليه الصوم في شهر رمضان إلا المسافر : فالمسافر مكلف ولا يجب عليه الصوم ،


وعليه أن خروج الكليات والمستحيلات خرجت خروجا تخصيصي، وهذا الخروج عرف بالقرينة الدالة عليه، وكيفما كان: أن الصور الذهنية للكليات لا نتعقل فيها الرجوع لله بل للجزئيات التي لولاها لما كان هناك معنى للكليات البته، ومن هنا وقع التوهم عند البعض، وهو كيف ان الرجوع لا يكون شاملا للجزئيات والكليات، بحسب قوله - والى الله تصير الأمور –


وعلى أي حال ان الأمر بمعنى الشيء غايته ليس كليا عاما على ما أفاد الماتن - كما في الشيء - أو عرضا عاما - والعرض العام هو الكلي الخارج المحمول على موضوعه فقط كالماشي اللاحق للإنسان وغير الإنسان - ).







إرسال تعليق

0 تعليقات