آخر الأخبار

أصول الفقه : أصالة البراءة (1)








علي الأصولي






والبحث المنهجي الأصولي في أصالة البراءة، يقع ببابين:


أولا: البراءة العقلية،

ثانيا: البراءة الشرعية،

الباب الأول: البراءة العقلية


وهذه البراءة كانت محل اعتماد قديما بين العلماء وأن لم تتم صياغة عبائرهم بهذه الأصالة بصورة فنية،


وأما ما قيل ودعوى عدم وجود لهذه الأصالة وقاعدة ( قبح العقاب بلا بيان ) عينا ولا أثر في العصور العلمية المتقدمة فهذه دعوى مجانبة للصواب، فضلا عن كونها دعوى بلا دليل ظاهر،


نعم تمت صياغة هذه القاعدة بهذا الأسلوب في العصر الثالث من عصور العلم وتحديدا في زمن الوحيد البهبهاني،


ومرجعية هذه القاعدة بالأصل كلامية وأن تم توظيفها أصوليا، بلحاظ إن البحث هو في مولوية المولى، ومنجزية القطع و معذريته، وأن كان بحث منجزية القطع يرجع بالتالي لثبوت وسعة هذه المولوية، فأجد أن نتعامل مع هذه المسألة على أساس كونها واحدة، وتفكيكها إلى مسالتين لا معنى له لعدم وجود الثمرة ولا محصل له،

وكيفما كان: ووفقا للمنهج البحثي سوف نبحث عن ما يكون وما يصلح أن يكون برهانا لهذه الأصالة.


الدليل لأول: وحدة الملاك بين المولى العرفي والمولى الحقيقي،

ويمكن تقريب هذا الاستدلال بما يلي: وهو أنه كما أن المولى العرفي لا يلوم عبده حيث المخالفة أو ارتكاب المخالفة مع الجهل وكون ما ارتكبه مخالفة، كذلك المولى الحقيقي لا ينبغي معاقبة عبيده إذا خالفوه جهلا بالحكم المولوي،


ولا يرد عليه ما يتوهم، أن عدم استحقاق العبيد في مخالفتهم مواليهم جهلا بالعقاب باعتبار ضعف ملاكات مولويتهم، وليس الحال كذلك في المولى الحقيقي بلحاظ ان ملاك مولويته كاملة ومطلقة، وبالتالي فلا يصح القياس والمقايسة،


إذ يرد عليه: أن الكلام لا في وحدة الملاك المولوي حتى يتم إشكال المستشكل، فملاك مولوية المولى العرفي ومولوية المولى الحقيقي لا كلام وكونها مختلفة جدا ولا مقايسة،

ولكن الكلام هو في المخالفة مع الجهل وعدم وصول الخطاب لأي سبب كان، ومن هنا كانت المقايسة وصحت، وقد ذكرت هذا المعنى في بعض المقالات ويمكن لكم مراجعتها تحت عنوان ( مناقشة مولوية ).

الدليل الثاني: وهو للمحقق النائيني،

وحاصله: البيان، بمعنى الصدور، اي صدق البيان مع الصدور، وأن لم يصل للمكلف حيث حكم مع عدم الصدور بقبح العقاب لانتفاء الحكم الواقعي، إذ ثبوت الحكم الواقعي هو قد ثبوت ملاك في الفعل وتصدي المولى لتحصيله، فمع عدم التصدي وإصدار الحكم، لا يوجد حكم واقعي، فلا عقاب باعتبار انتفاء الحكم،


هذا إذا فسرنا البيان بهذا المعنى وبهذا التفسير، وأما إذا فسرناه بمعنى أخرى وهو أن البيان بمعنى الوصول، ومع عدم الوصول يحكم العقل بقبح العقاب رغم الصدور، أي صدور الحكم واقعا، فيكون عدم البيان بهذا المعنى ( عدم الوصول ) هو موضوع قاعدة ( قبح العقاب بلا بيان ).

وكيف كان: وعلى ما ذكره من معنى للبيان بالمعنى الثاني ( عدم الوصول ) لا مقتضى للتحرك ( تحرك الفرد ) فإذا ثبت العقاب مع هذا الفرض ( فرض عدم الوصول ) واستحق هذا الفرد العقاب، فهو قبيح عقلا إذ لا مقتضى للتحرك أصلا،


وعلى استدلال الميرزا هناك محاولة للخروج من قبضة المحقق،
أول هذه المحاولات، هو قولهم:
إن كان مراد النائيني من عدم وجود مقتضى للتحرك أو للحركة،

يرد عليه: أنه في بعض موارد الحركة التكوينية يكفي الوصول الناقص لوجود الغرض فيتحرك المكلف إذا كان غرضه مهما،

إذن قد تحصل حركة مع وصول ناقص لغرض، فدعوى الميرزا من عدم مقتضي للحركة مع عدم الوصول ليست تامة،


أقول: وهذا الإيراد غريب،


لان قصد المحقق من عدم وجود الحركة هو لعدم حكم العقل بذلك اللزوم، وهذا يرجع بالأصل إلى أصل النزاع في موضوعة حق الطاعة في موارد الشك والوهم،


ولا علاقة لموضوع الحركة التكوينية التي افترضها من حاول الرد،

وهنا لنا أن نسأل ما هو السبب عدم وصول البيان، الناص لعدم المقتضي والتحرك اتجاهه،


لنا أن نفترض أن البيان صادر واقعا، ولكن لم يصل للمكلف لسبب أو لآخر، كأن يكون السبب من نفس المولى وإيصاله للمكلف ناقصا أو يكون بسبب من منع وصول البيان من عدو مثلا ونحو ذلك، وعلى اي التقديرين فالمكلف في حل فيما لو تم تفويت أغراض المولى، ببساطة لأنه ليس بسببه وتقصيره حصل ما نسميه عدم الوصول،

المكلف تحرك ولم يجد، وإذا لم يجد لا معنى وتوجيه العقوبة إليه بدعوى حق الطاعة والإتيان بالتكليف ولو كان محتملا أو مشكوكا أو مظنونا،

هذا ما أفاده صاحب ( فوائد الأصول ج٣ بتصريف مني) الذي تركه - ترك سبب عدم الوصول - الشهيد الصدر الأول وتذكره أحد كبار طلبته،

وحاولوا الرد على هذا البيان،

بما حاصله: إن هذا البيان هو خلط بين حفظ أغراض المولى وحفظ أغراض الآخرين، ومع قبولنا بعدم صحة العقوبة بتوقيت أغراض الآخرين، فلا نعتقد بإشكالية استحقاق العقاب على تفويت أغراض المولى، إذ أن أغراض المولى يجب أن يحققها الفرد المكلف ويحفظها فضلا عن عدم انبغاء تفويتها،

أقول: هذا كلام للاستحسان أقرب منه لإثبات مطلب عدم التفويت، ولا أعرف كيف يكلف الفرد على مبناهم بوجوب تحقيق الغرض وحفظه، وهو لا يعلم بوصوله أو يعلم بعدم وصوله !!



إرسال تعليق

0 تعليقات