آخر الأخبار

أهمية أن نقرأ يا ناس!! (43)











نصر القفاص


هناك حقائق تاهت منا, واعتقد البعض أنها ماتت وتم دفنها.. لكن الحقيقة لا تموت.. وضمن هذه الحقائق أن أول وزير حربية بعد ثورة 23 يوليو 1952 كان "محمد نجيب" الذي شغل كذلك منصب القائد العام للقوات المسلحة.. واستمر يشغل الموقعين حتى يوم 18 يونيو عام 1953 وهو يوم إعلان الجمهورية وإلغاء الملكية.. وفى هذا التاريخ أصبح "عبد اللطيف البغدادى" هو ثاني وزير للحربية بعد الثورة.. وكان أول قرار يوقعه "محمد نجيب" كرئيس للجمهورية هو قرار تعيين "عبد الحكيم عامر" قائدا عاما للقوات المسلحة مع ترقيته لرتبة "اللواء"!!



ضمن الحقائق التائهة, والتي لم تمت هي تفاصيل اجتماع حضره أعضاء مجلس قيادة الثورة وعدد كبير من الضباط وقادة القوات المسلحة فى أكتوبر 1954 بمبنى كلية أركان الحرب.. وفى هذا الاجتماع تعمد "جمال عبد الناصر" أن يكون أول المتحدثين فقال: "جدول أعمال هذا الاجتماع يتضمن نقطة واحدة فقط.. تتلخص فى أن يبقى ويعمل فى القوات المسلحة كضابط محترف, فليتفضل بالإعلان عن نفسه.. ومن يريد الحياة المدنية عليه أن يعلن اختياره.. لا مجال للجمع بين الاثنين.. ومن هذه اللحظة من يختار العمل فى الجيش يمكن أن يذهب إلى وحدته.. ولن يكون له عمل إلا فى إطار القوات المسلحة.. أما من اختار الحياة المدنية, فلا علاقة له بالقوات المسلحة من قريب أو بعيد من الآن وسوف يتم بحث أوضاعهم بشكل خاص".



أذكر هذه الحقائق التائهة, لأفسر سر أول وزير حربية يبدأ وينهى مهمته فى زى مدنى.. وكان هو "أمين هويدى" الذى شغل الموقع بعد عدة أشهر من نكسة "5 يونيو" والسبب أنه كان من الذين اختاروا الحياة المدنية وانخرطوا فيها, حتى أصبح سفيرا فى عدة عواصم أهمها "بغداد" ووزيرا لشئون مجلس الوزراء.. وهو المنصب الذى عاد إليه بعد انتهاء مدته كوزير للحربية, وشغل إلى جانبه وزير شئون الأزهر.



وضمن الحقائق التائهة.. كانت محاولة "عبد الحكيم عامر" الانقلاب على "عبد الناصر" بعد نكسة 67.. أسميها انقلاب لأن تفاصيلها تؤكد ذلك.. وسبقتها محاولتين معلومتين بالضرورة, وتحفظ تفاصيلهما أوراق وأرشيف رئاسة الجمهورية, الذي حان وقت الإفراج عنه لتتكشف حقائق كثيرة.. وللإشارة فقط كانت أول محاولة انقلاب ما بين شهر ديسمبر 1962 ويناير 1963 وكان يقودها المقدم "على شفيق" من مكتب المشير "عامر"..


أما المحاولة الثانية فحدثت ما بين ديسمبر 1966 ويناير 1967, وتم التحقيق فيها وسميت بقضية "داوود عويس" الذى كان ضمن هيئة مكتب المشير "عامر" أيضا وشارك فيها "محمد السقا" الذى شغل منصب رئيس مجلس إدارة مصر للسياحة بعد رحيل "عبد الناصر" بسنوات!!


موضوعنا الذى سنقف أمام تفاصيله هو "انقلاب ما بعد النكسة" لأن وقائعه وأحداثه استمرت من 11 يونيو – يوم تكليف محمد فوزى بمنصب القائد العام – وحتى مساء 25 أغسطس, وهو اليوم الذى شهد مواجهة "عبد الناصر" للمشير "عامر" بما فعل ويفعل فى منزله بمنشية البكرى, فى حضور كل من: "زكريا محيى الدين" و"حسين الشافعى" و"أنور السادات" الذى تناول الواقعة فى كتابه "البحث عن الذات" وكشف "أمين هويدى" هذه التفاصيل في مذكراته "50 عاما من العواصف" وذكر فيها أن الصحف ووكالات الأنباء نشرت خبر توليه وزارة الحربية يوم 21 يوليو, وكان سبب التأخير يرجع إلى خطورة ما كان يحدث.. لأنه صدر – أيضا – قرار بأن يتولى رئاسة جهاز المخابرات يوم 26 أغسطس.. أي بعد ساعات من تصفية بؤرة انقلاب "عامر" فى الجيزة حيث منزله الذى تجمع فيه أعوانه من ضباط وجنود, مع عشرات من أبناء قريته – أسطال – وأقاربه الذين قدر عددهم بثلاثمائة.. وتم تشديد الحراسة على المنزل بوحدات الشرطة العسكرية, التى قطعت الطرق التى تؤدى إلى المنزل بشكائر الرمل.. وكانوا لا يسمحون بالمرور إلا بعد التفتيش والاطلاع على هوية من يحاول أن يمر هناك.


يقول "أمين هويدى" فى مذكراته: "كانت صور المشير عامر معلقة فى الوحدات العسكرية, رغم رحيله عن منصبه وزوال سلطته.. ولم تكن هناك سلطة تقدر على إعطاء أوامر بإزاحة صور المشير.. وأذكر أنه فى أول مؤتمر للقادة الكبار, عقدته فى مكتبى بحضور الفريق محمد فوزى القائد العام والفريق عبد المنعم رياض رئيس الأركان.. وبينما كنت أتحدث فى أمور مهمة وخطيرة.. فإذا بأحدهم يقاطعنى ويسألنى.. هل هناك توجيهات بخصوص رفع صور المشير من الوحدات؟!"


وهنا يكشف "أمين هويدى" عن أن السؤال كان لغما وأنه فهمه بسرعة ويقول: "تظاهرت بالغضب.. وقلت.. نحن نتكلم فى موضوعات خطيرة ثم تقاطعنى وتسألنى فى موضوع فرعى.. فكتب لى عبد المنعم رياض على ورقة صغيرة أعطاها لى.. الحمد لله تخطينا أول حفرة"!!



حقك أن تسأل.. هل كان الأمر خطيرا إلى هذه الدرجة؟!



 الإجابة.. تحملها شهادات من حضروا وكتبوا.. وبقينا غائبين عن تلك الشهادات وهذه المعلومات.. وتم التعتيم على هذه الصورة بالحرص على استمرار الحرب على ثورة 23 يوليو.. والحرب على "عبد الناصر".. حتى أصبحت حربا على الجيش نفسه, والحقيقة أن الجيش هو المستهدف رقم "1" وظهر ذلك واضحا فى السنوات التى تلت ثورة 25 يناير 2011.


يضيف "أمين هويدى" فى مذكراته: "تحركت بعض الوحدات بقيادة ضباطها فى مظاهرات صاخبة تهتف بحياة المشير, بعد أن نقل الأسلحة التى كانت موجودة فى منزله بالحلمية إلى منزله بالجيزة"!!

وضمن ما قدمه "محمد حسنين هيكل" من وثائق وشهادات, عن هذه الساعات.. تفاصيل حوار دار بين "عبد الناصر" و"صلاح نصر" فى ذروة الأزمة – ما أسميه الانقلاب – فيقول: "سأله عبد الناصر عن مكان وجود عبد الحكيم عامر, فأقسم له صلاح نصر أنه لا يعرف مكانه – لاحظ أنه كان مازال رئيسا للمخابرات والتأكيد واجب وضرورى – لكن معلوماتى تؤكد أن المشير ومعه شمس بدران على اتصال برجاله, وأن هناك عملية تحريض واسعة النطاق لعدد من الضباط لكى يطالبوا بعودة المشير.. وهناك حاليا عدد منهم أمام بيته فى الجيزة يهتفون.. مكتوب على قلوبنا.. عامر دة محبوبنا"!!


 واستمر الوضع على هذه الصورة لأسابيع, حتى تحدث "عبد المنعم رياض" مع الرئيس "عبد الناصر" فقال: "لقد أصبح بيت الجيزة مشكلة صعبة على الجميع.. فالمشير هناك يحيط به عدد من الضباط المحالين للاستيداع والمطلوبين للتحقيق, وهم يقومون بعملية شوشرة كبيرة تؤثر على الضبط والربط فى القوات المسلحة.. خاصة وأن هناك من يتوهمون أن المشير سيعود لقيادة الجيش"!!



يوم 9 أغسطس تلقى "عبد الناصر" تقريرا من المخابرات العسكرية يقول, أن المحيطين بالمشير "عامر رسموا خطة لذهابه إلى الجبهة.. وهناك يأخذ طريقه إلى المنطقة الشرقية ويعلن عودته إلى القوات المسلحة, ليتفاوض بعدها مع "عبد الناصر" على ما يريد من موقع القوة.. وأن "شمس بدران" المتواجد معه أكد له أن شروطه سيتم قبولها لأن "عبد الناصر" يهمه الحفاظ على وحدة الجيش.. واقترح عليه أحد الحاضرين أن يذهب إلى الجبهة وقت وجود الرئيس فى الخرطوم, لحضور مؤتمر القمة العربى الذى سينعقد فى نهاية أغسطس.



وفى مذكرات "سامى شرف" يروى قصة لقاء جمع "عامر" وكل من "شمس بدران" و"صلاح نصر" و"محمد حسنين هيكل" و"محمد أيوب" وخلاله قال "عامر": "الرئيس خلى بى.. ولا أريد أن أكون فى موقف المتفرج على الأحداث, ولا حل للأزمة إلا بأن أعود لقيادة القوات المسلحة وليس لموقع آخر.. ولن أقبل المساس بأى ضابط مهما كانت الأسباب.. لا معاش.. ولا استيداع.. ولا اعتقالات.. لا إجراء من أى نوع وتحت أى مسمى"! ويمضى "سامى شرف" فى مذكراته فيقول: "كان هناك تنظيم خاص داخل الجيش يتولاه شمس بدران وكشفه الفريق محمد فوزى من خلال نوتة نسيها شمس بدران فى مكتبه تضم أسماء أعضاء هذا التنظيم" وبناء على ذلك صدرت حملة اعتقالات وتطهير داخل القوات المسلحة شملت العشرات.. وردا على ذلك أقدم المشير "عامر" على توزيع نص الاستقالة التى كان قد أرسلها فى أعقاب أزمة 1962 والتى كانت تقوم على أنه ينادى بالديمقراطية وحرية الصحافة!! – نشر نصها أمين هويدى – ثم يكشف "سامى شرف" فى مذكراته ما يجسد الصورة, ويؤكد معنى "الانقلاب" الذى أصف به ما حدث فيقول: "فى منزل على صبرى كان الملازم أول طيار محمد عمارة يؤكد لنا أن سلاح الطيران بدأت فيه حركة نشطة لصالح المشير عامر بقيادة الطيارين محد منيب الحسامى, وعبد الكافى صبحى, وتحسين زكى, وعلوى الغمرى, وأحمد عبد الرحمن نصر, وحشمت صدقى, ونبيل شكرى.. وبعد أن سمعنا منه روايته اتفقنا معه على أن يسايرهم لنعرف ماذا هم فاعلون؟!"




وعندما أبلغ "سامى شرف" الرئيس بما عرف من معلومات قال له "عبد الناصر" بعد فترة صمت وبهدوء: "أنت عارف إن فيه عهد ودستور بيننا فى مجلس الثورة, إن من يترك الساحة لأي سبب.. لا يتآمر ولا ينقلب على المسيرة..


الحقيقة أنا لا أتخيل ذلك خاصة من حكيم".. ويقدم "سامى شرف" فى مذكراته تفصيلات كثيرة من تقارير ومعلومات عديدة تؤكد أن "الانقلاب" ماض بوتيرة متسارعة وشديدة التنظيم.. ويوم 28 يوليو وصل تقرير للرئاسة حول اقتراح من "جلال هريدى" بوضع خطة لاختطاف "عبد الناصر" عن طريق دعوته للقاء المشير فى منزله بالجيزة لتنقية الأجواء.. ثم تجرى محاكمته أمام المشير وشمس بدران وجلال هريدى!!



انتهى "المشير" وجماعته إلى خطة تحرك واستيلاء على السلطة يوم 24 أغسطس, على أن يبدأ تنفيذها صباح يوم 27 أغسطس بقيام وحدات الصاعقة بالاستيلاء على مقر القيادة الشرقية فى القصاصين مع تأمين طريق القاهرة – الإسماعيلية والقاعدة الجوية فى أنشاص..


على أن يوجه المشير "عامر" نداء إلى الرئيس "عبد الناصر" يطالبه بإعادة الضباط المفصولين والمحالين للمعاش والاستيداع والمعتقلين إلى وظائفهم السابقة.. وفى حالة رفض المطالب.. تتحرك قوة تأمين منطقة القاهرة بقيادة "شمس بدران" للسيطرة على اللواء المدرع المتمركز فى شرق القاهرة.. ويسيطر "عثمان نصار" على الفرقة المدرعة فى دهشور.. على أن يتم بعدها الاستيلاء على الإذاعة والتليفزيون, ومحطات إرسال أبو زعبل والمقطم.. ثم تتولى المخابرات بقيادة "صلاح نصر" تنفيذ حملة اعتقالات بإشراف "عباس رضوان".. وتضم أسماء من يتم اعتقالهم بالترتيب: "جمال عبد الناصر", "زكريا محيى الدين", "على صبرى", "شعراوى جمعة", "أمين هويدى", "سامى شرف" و"الليثى ناصف".. وباقى الأسماء مع "عباس رضوان".. ثم يتم إعلان مجلس للقيادة برئاسة "عامر" ويضم "عباس رضوان", "شمس بدران", "صلاح نصر", الفريق "صدقى محمود", الفريق "سليمان عزت" والفريق "عبد المحسن مرتجى".



هل يمكن أن نسمى كل هذا بغير "انقلاب"؟!

بالتأكيد الإجابة واضحة, ويصبح ما حدث بعد ذلك تطورا طبيعيا لسياق أحداث تاهت منا بفعل فاعل ومع سبق الإصرار والترصد..

واعتقد من مارسوا التعتيم على هذه المعلومات, أن الحقيقة ماتت.. لكن الحقيقة لا تموت.. وضمنها "العملية جونسون"!!




إرسال تعليق

0 تعليقات