عز الدين البغدادي
بلا شك فإن قضية المهدي المنتظر تعد واحدة من أصعب المسائل التي يصعب
الاعتقاد أو إقناع الآخر بها، لا سيما وأن هناك من شكّك في مولد محمد بن الحسن
العسكري.
اعتقد أن التشكيك لا ينبغي أن يكون في أصل مولده، ومن يشكك في ذلك فواهم، لأنه
لم يحسن اختيار النقطة الأصعب، وذلك لأن هناك قضايا ثلاثة تتعلق بالمهدي، وهي:
إثبات مولده، واثبات وتفسير غيبته، وتفسير طول عمره. وكثيرون ممن امن
بالقضية أو نفاها لم يلتفت لذلك.
والأمران الأول والثاني لا يمثلان مشكلة، وليسا أمرين صعبين يتحديان العقل،
وإنما الصعوبة تكمن في التصديق ببقائه حيا كل هذا المدة وتفسير ذلك.
نأتي إلى المولد، أما المولد، فهو أمر عادي، وقد نصّ عليه عدد كبير من
المؤرخين والنسابة مع وجود روايات معتبرة وصحيحة تثبت ذلك.
نعم ادعى البعض أن الحسن العسكري كان عقيما، وقد نسب ابن تيمية ذلك إلى الطبري
وابن قانع.
وابن قانع ضعيف كثير التوهم كما نص على ذلك أهل العلم.
كما ادعى ذلك ابن حزم، وهو معروفه بتعصبه وتحامله.
ويقابل ذلك ما صرح به عدد كبير من النسابة بإثبات مولده، والتصريح به.. ولو
كان عقيما لصرح النسابة به كما صرحوا عن أشخاص كثيرين مثل عبدالله بن جدعان وعامر
بن الطفيل ومسيلمة الكذاب، وغيرهم وغيرهم.
هذا قول النسابة، ولا يمكن أن تعترض بالتشكيك في مسيتندهم فإن قول كل أهل
تخصص حجة على غيرهم، ولا أظن أحدا يقول بأن النسابة عليه أن يرى كلّ شخص يذكره
ويثبت نسبه!
ولا أدري كيف ثبت عند من ادعى أن الحسن العسكري كان عقيما، وهو توفي شابا
له 29 سنة فقط؟! أليس هذا غريبا.
وأما عدم ظهوره للناس، فهذا ليس أمرا عجيبا ولا خارقا، بل هو أمر عادي في
مثل تلك الظروف، وقد روى لنا القرآن الكريم كيف أن أم موسى كتمت أمر ولادة ابنها
موسى. واختم بما قاله الشيخ النعماني في كتابه الغيبة، حيث قال: ولا يمكن أحداً أن
يدّعي فيمن لم يظهر له ولدٌ أن يعلم أنّه لا ولد له، وإنما يرجع في ذلك إلى غالب
الظن والأمارة، بأنه لو كان له ولد لظهر وعرف خبره، لأنّ العقلاء قد تدعوهم
الدواعي إلى كتمان أولادهم لأغراض مختلفة. فمن الملوك من يُخفيه خوفا عليه
وإشفاقا، وقد وجد من ذلك كثير في عادة الأكاسرة والملوك الأول وأخبارهم معروفة. وفي
الناس من يولد له ولد من بعض سراياه أو ممن تزوّج بها سرّاً فيرمي به ويجحده خوفا
من وقوع الخصومة مع زوجته وأولاده الباقين، وذلك أيضا يوجد كثيرا في العادة.
وفي الناس من يتزوج بامرأة دنيّة في المنزلة والشرف وهو من ذوي الأقدار
والمنازل، فيولد له، فيأنف من إلحاقه به فيجحده أصلا. وفيهم من يتحرج فيعطيه شيئا
من ماله. وفي الناس من يكون من أدونهم نسبا، فيتزوج بامرأة ذات شرف ومنزلة لهوىً
منها فيه بغير علم من أهلها، إمّا بأن يزوجه نفسها بغير ولي على مذهب كثير من
الفقهاء، أو تولي أمرها الحاكم فيزوجها على ظاهر الحال فيولد له، فيكون الولد
صحيحا، وتنتفي منه أنفةً وخوفاً من أوليائها وأهلها، وغير ذلك من الأسباب التي لا
نطوِّلُ بذكرها الكتاب. فلا يمكن ادّعاء نفي الولادة جملة، وإنما نعلم ما نعلمه
إذا كانت الأحوال سليمةً، ونعلم أنه لا مانع من ذلك فحينئذ نعلم انتفاءه.
وقوله يطابق سيرة
البشر العقلائية، والله أعلم.
0 تعليقات