آخر الأخبار

رمضانيات : قانون العقوبات… بين العدل والفقه(5)








عز الدين البغدادي



أسس الإسلام لقواعد كبرى في القانون منها مبدأ تفريد العقوبة ( ولا تزر وزارة أخرى) أي إن العقوبة لا يتحمل إلا المذنب المبتشر لجريمته وحده ولا تعم أحدا ممن يرتبط به بعلاقة قربى أو صداقة أو شراكة أو غير ذلك خلافا لما كان موجودا في تشريعات أخرى.


كما أسس لمبدأ المساواة أمام القانون ( لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)، كما اثبت مبدأ المسؤولية وعممه على كل المكلفين مع ووضع قواعد لرفع المسؤولية، وتوسيع دائرة الحقوق لتشمل حتى الحيوانات.


إلا أن هناك الكثير من الأحكام الفرعية التي تضمنتها قانون العقوبات كقطع اليد والرجم وأمثالها، وقد صارت تمثل حرجا لأي محاولة لطرح الرؤية الإسلامية..


وكان هناك على الدوام اتجاهان:

 الأول من خارج المنظومة الدينية ويرى ان هذه العقوبات قاسية ولا يمكن الاستمرار بتطبيقها لا سيما مع ما يمكن ان تمثله من حرج أمام الرأي العام وانتقادات باعتبار أنها تمثل خرقا خطيرا لحقوق الإنسان.



والاتجاه الثاني، وهو الفقهي يرى أنّ هذه الأحكام توقيفية لا تقبل التغيير بأي حال وأن تغييرها غير جائز ولا مشروع. وواقعا فإنه لم يتمكن أي فقيه من تقديم رؤية ناهضة فقهيا للخروج من هذا المأزق، فالبعض (في الوسط الشيعي) اختار تجميد الحدود لأن من يقوم بها هو الإمام، وهو غير موجود.


وهناك من رأى بأن النقد الخارجي لا يمكن أن يكون سببا للتنازل عن شرع الله، وبالتالي بقي مصرا على هذه الرؤية الفقهية.


وهناك من فضل جعل المسألة من المسكوت عنها لا سيما مع عدم الابتلاء بها.


وبأي حال، لم يقدم أي فقيه –بحسب علمي واطلاعي- رؤية يمكن ان تجاوز هذا الإشكال وتخرج منه.


بحسب قراءتي واطلاعي فاعتقد أن ما قمت بتقديمه من رؤية اجتهادية عن الموضوع في كتاب "نقد الإسلام السياسي" واعتقد أني لم أسبق إليه يمكن ان يمثل منطلقا فقهيا لحل هذه الإشكالية، والمساهمة ببناء فقه حيّ ناهض ناضج يتجاوز النمطية والتقليدية، ويكون مثالا حيا على العقلانية والنضج والمرونة في سبيل تحقيق العدالة للأفراد والجماعات.

إرسال تعليق

0 تعليقات