آخر الأخبار

أصول الفقه : أصالة البراءة (5)










علي الأصولي

أصالة الاحتياط


وبعد إتمام ما تم ذكره في هذه الأوراق حول البحث الأصالتي، عقلا وشرعا، حول أصالة البراءة المشهوري، كان لزما علينا ووفقا للبحث المنهجي العلمي ووفاء المدرسة السيد الشهيد المظلوم في الأوساط العلمية وحتى وصلت المظلومية وعمت وشملت بعض طلبته وطلبة طلبته، وانتصارا لمنهجه ومختاره، حيث تخليت عما كنت التزم به سابقا ( والمبنى المشهوري البرائتي ) سوف أتعرض لمبناه في هذا الأصل، ومسلكه وهو مسلك ( حق الطاعة ) وبعد النظر الكثير والتأمل العميق وجدت في مسلك البراءة ثغرات وثغرات، زيادة عما سجله السيد محمد باقر الصدر،



ومن هنا كان لزما علي إكمال البحث في الأصل العملي وبعد أن بينا مسلك ( قبح العقاب بلا بيان ) سوف نستعرض مسلك ( أصالة الاحتياط ) مع النقض لكل ما ذكرناه سابقا ودللنا عليه لتقوية المسلك المشهوري،

والبحث المنهجي الأصولي في أصالة الاحتياط، يقع ببابين:

أولا: الاحتياط العقلي،

ثانيا: الاحتياط الشرعي،




الباب الأول: الاحتياط العقلي



أصل الإشكالية بين مسلك ( قبح العقاب ) ومسلك ( حق الطاعة ) يمكن بنقطة جوهرية كل مسلك يرى أن هذه النقطة لصالحه، فكلا الاتجاهين يستدلان بالعقل على مسليكهما،


بعد الاتفاق على أن حق الطاعة واجب بلا كلام ( بصرف النظر عن ملاك هذا الحق )


ذهب المشهور إلى الاستدلال على مسلكه، هو بدعوى الوجدان العرفي العقلائي، ففي باب المحاورات العقلائية ترى الناس لا يؤاخذون على ارتكاب مخالفة ما، في خصوص التكليف الواقعي بشرط الجهل وعدم العلم، في الحكم بأقسامه واقعيا كان أو ظاهريا، وهذا يصلح لان يكون منبه اساس على ارتكازية قاعدة ( قبح العقاب بلا بيان ) وعقليتها،


السيد الشهيد الصدر الأول، وجد أن هذه الإحالة ودعوى الوجدان غير تامة بالمرة، لان المشهور نظر إلى حق الطاعة للمولى برتبة واحدة وبدرجة واحدة،


والصحيح هو أن المولوية العرفية ليست برتبة المولوية الحقيقية، فلابد من أن تكون المولويات بنحو مشكك بحسب التعبير المنطقي، وذلك لأننا لا بد من فهم طبيعة نفس المولوية، فإن كانت المولوية جعلية فكلام المشهور صحيح، وأن كانت المولوية ذاتية فلا بد من إعادة النظر في إطلاق قاعدة ( قبح العقاب بلا بيان ) وما يشمل المولوية الحقيقية والمولوية العرفية،


ومن هنا إذا ثبت التفريق المولوي وهو ثابت وصحيح فسوف نصل إلى نتيجة حتمية وهي ان ملاك المولوية الجعلية اضعف من ملاك المولوية الحقيقية الذاتية، فتلك مولوية بجعل جاعل وهذه مولوية ذاتية لا جعل فيها من اي جهة كانت،


وعلى ضوء ما ذكر أعلاه يمكن ترتيب التكليف والتكليفات إذ مع المولوية الجعلية الاعتبارية تكون موارد أداء التكليف العلم فقط، وأما إذ كانت المولوية ذاتية حقيقية فيكون أداء حقه بشكل أوسع من دائرة العلم،



ولذا اعتبر صاحب ( مسلك حق الطاعة ) ان المشهور وقع في خلط بين المولويات الاعتبارية المجعولة، والمولوية الحقيقية الذاتية، وبالالتفات إلى التمييز بينهما لا يبقى في الإحالة إلى السيرة العقلائية أو الوجدان العرفي، أية دلالة أو منبهية على حقانية قاعدة عقلية بإسم ( قبح العقاب بلا بيان ) ( مباحث الحجج والأصول العملية ج٢ )


نعم: هذا الالتفات ينبه المشهور إلى إعادة النظر في قاعدته وعدم جعل المولويات بسلة واحدة بلحاظ اختلاف ملاك المولويات كفيلة بنقض دعوى الوجدان،


وقلت هناك في بداية مبحث ( أصل البراءة العقلية ) ما يلي:


وفيه: إن التفريق بين المولوية الذاتية والجعلية صحيح ولا كلام، ولكن نحن لا نتكلم بأصل المولوية حتى نأخذ بالمحتمل أو المقطوع وهل هي ذاتية حتى نتوسع بالأخذ أو جعلية حتى نضيق من التوسع، بل نتكلم في الجهة الإثباتية لا في الجهة الثبوتية، حتى يتم إشكالهم على المشهور،
ولعل المشهور تقريبا بل تحقيقا لم يتنبه لهذه النكتة بالمقام التي أشرت لها في أعلاه، أنتهى


وهنا أتنازل عن هذه المناقشة المذكورة أعلاه، لعدم المحصل في جدوائيتها، وهذا التنازل هو لمكان الخلط الدقي الذي تضمنته حيث ذكرت أننا نتكلم في الجهة الإثباتية لا في الجهة الثبوتية، والصحيح أن المناقشة في اي من الجهتين هي فرع ثبوت ( حق الطاعة ) من جهة وملاك هذا الحق من جهة أخرى،


بعبارة أخرى: أن الخطاب المولوي الحقيقي لا يمكن عزله عن نفس المولى وحق طاعته وملاكها بالتالي، فيثبت المطلوب وهو التعامل مع المولى وخطاباته معاملة واحدة لا نتعامل بحسب الجهات، .

صاغت مدرسة المحقق النائيني، هذه القاعدة ( قاعدة القبح ) ومرجعيتها بما يلي: أن التحرك متوقف على المحرك، والمحرك هو وصول الحكم ومع عدمه فلا معنى للحركة، وهذا من قبيل العطشان الذي يتحرك وفق ما يعلم بوجود الماء في المكان لا وفق ما لا يعلم،


وفيه: عدم تمامية هذا البيان برأي السيد الصدر،


لان المحرك إما أن يكون تكويني وإما أن يكون المحرك تشريعي،

ومنشأ التحرك التكويني هو وجود غرض تكويني نحو الشيء ملائم مع قوة من قوى الإنسان ورغباته،


واما التشريعي وهو عبارة عن حكم العقل بلا بداية التحرك سواء كان لدى الإنسان غرض فيه ام لا،


فإن كان النظر إلى التحرك التكويني بالشيء بوجوده الواقعي وأن لم يكن هو المحرك التكويني بل بوجوده الواقعي الواصل لان وجوده الواقعي لا يكون أحد مبادىء الإرادة والتحرك ولا يتدخل في تكوين غرض نفساني له وعملية التحرك عملية شعورية نفسانية بحاجة إلى الوصول إلا أن الوصول له مراتب من جملتها الوصول الاحتمالي وبحسب تفاوت درجات أهمية تختلف المحركية فقد يفرض تحقق المحركية من احتمال وجود الطلب كما هو واضح ( انتهى كلام السيد الشهيد )


نعم: يمكن أن يقال: حتى لو افترضنا أن التحرك تكويني ومثاله العطش فالبحث عن الماء لا يقتصر على الأماكن المعلومة للماء بل يشمل البحث عن الأماكن المعلومة والمظنونة والمشكوكة والموهومة لان الدافع تكويني واحتمال الإصابة وارد على كل حال في هذه الأماكن.






إرسال تعليق

1 تعليقات

  1. جزاك الله خيرا على هذا الموضوع الراقي

    ردحذف