آخر الأخبار

فقه أصول المنهج (6)











على الأصولي


قال الماتن:

الخطوة الخامسة: هي أغربها إلا أنها انسبها: إن الأمر بصيغة المفرد له معنى واحد، وهو الذي يجمع على أوامر، وإما الأمور فليس لها مفرد اي لم يوضع - أمر - لكي يكون لها مفرده مادته فقط،

فإن قيل: بأن وضع المادة وحده غير عرفي،

قلنا : بل هو عرفي وأدل دليل على إمكانه وقوعه، والتبادر معلول للوضع، وهو دليل لمي عليه؛ وهذا التبادر بما أنه عام، فهو دليل على الوضع التعيني للمادة، وهذا معناه ان الأمر لم يوضع بمعنى الشأن، ولا بمعنى الشيء أصلا، وإنما الجمع - أمور - دال عليه فقط ولا مفرد له، وإنما المراد من المفرد الاستقلالي للأمر هو ما يجمع على أوامر ، وكذلك هو المراد من الآيات نفسها، وهو الذي يعبر عنه الأصوليون بالطلب، وسيأتي الحديث عنه، ولم يرد شيء في اللغة من هذا القبيل إلا مجازا، وإنما هذه الأمثلة التي ذكروها ليست موروثة من اللغة الأصلية، وإذا لم نكن نحس فيها بالمجاز، فإنما هو باعتبار تنزيل - الأمر - المفرد الاستقلالي، منزلة - المادة - في الأمور، وحيث إن المادة موضوعة للشيء جزما فيمكن أن نقصد بتنزيلها الشيء أيضا، وهذا ما يحدث ارتكازا لمدى المشابهة بينهما، فهو أقرب إلى الحقيقة وأن لم يكن حقيقة، وهو مفهوم عرفا، لأن لكل جمع مفرد غالبا، من الناحية العرفية، إلا أنه لا يوجد في اللغة الأصلية منه أثر، وإنما هو من حديث علماء الأصول الذين ليسوا من أهل اللغة، وعلى اي حال، فالأمور بعمنى الأشياء جزما، فالمادة موضوعة للشيء، فإذا كان لها تنزيل استقلالي فلا يراد به إلا ذلك، وأما العكس؛ وهو دعوى رجوع مفرد الأوامر إلى مفرد الأمور فهو وأن كان معقولا، باعتبار أن الأمر بمعنى الطلب، هو شيء من الأشياء، إلا أنه سيأتي بالتدريج أسباب القناعة ببطلانه،


أقول ( وهذه هي الأطروحة الخامسة أو الخطوة الخامسة، التي عبر عنها الماتن بأنها أغربها إلا أنها أنسبها،

والتي أوقعت بعض من اطلع عليها في بعض الاشتباهات،




حاصلها: أننا يمكن أن ندعي ان الأمر تجمع على أوامر، بينما الأمور لا يمكن لنا أن نجمعها - اي ليس لها مفرد في اللغة –

ومن هنا حاول الماتن ان يوضح مفرد الأمور التي ليس لها الأمر بحسب اللغة، إذ قال: مفرد الأمور مادتها فقط - والمادة - أ - م - ر - بدون اللحاظ إلى هيئتها وصيغتها، وليس عزيز على عدم وجود مفرد لبعض الكلمات، خذ مثلا النساء والمقاليد إذ لا تجد لها مفرد في اللغة،
وعدم عرفية هذا المفرد، مردود بالوقوع وهو عدم إمكان إفرادها إلا بمادتها، والتبادر دليل الوضع فهو معلول له، وهذا ما يمكن أن ندعيه بالدليل الآني،


ملاحظة: ذكر في المتن ما نصه ، وهو دليل لمي عليه: والصحيح أن هذا خطأ مطبعي لعدم تناسب الكلام مع الدليل اللمي بل يتناسب مع الدليل الاني، والدليل الأني يسري من المعلول للعلة، وهو مما حدا بالماتن ان يدعي بأن التبادر معلول للوضع وهذا التبادر عام، والتبادر منشأءه كثرة الاستعمال الدال على الوضع التعيني للمادة،


وبناء على ما ذكر فإن الأمر لم يوضع بمعنى الشأن ولا الشيء لان الشأن والأمر معان مفردة، نعم جمعها أو قل جمع الأمر أمور دالة عليه فقط ولا مفرد له، والمراد من المفرد الاستقلالي هو ما يجمع على أوامر وقد ذكرتها بعض الآيات القرآنية - إليه يرجع الأمر كله - و - قل ان الأمر كله لله - و - وأمره إلى الله - ونحو ذلك، مما يكون جمعها أوامر، و هو المعبر عنه بلسان أهل الأصول بالطلب،


وما تجده من أمثلة فهي تساق مجازا وليست من اللغة وأن لم نشعر بمجازيتها لكثرة الاستعمال وتنزيلها منزلة الأمر المفرد الاستقلالي منزلة المادة، في الأمور وكل ذلك فهو لوجود المشابهة بين الاستعمالين، وما يذكروه الأصوليون فهو من نحتهم، ولا حجية في نحوتاتهم لأنهم ليسوا من أهل اللغة )




قال الماتن:
واما العكس، وهو دعوى رجوع مفرد الأوامر إلى مفرد الأمور فهو وأن كان معقولا، باعتبار أن الأمر بمعنى الطلب، هو شيء من الأشياء، إلا أنه سيأتي بالتدريج أسباب القناعة ببطلانه،


مضافا إلى الالتفات إلى أمرين:


احدهما: التبادر من المفرد الاستقلالي معنى مفرد الأوامر لا مفرد الأمور،

ثانيهما: إن اللغة في غنى عن الأمر والشيء، وليست في غنى عن الآخر، إذ لا ترادف له بالتساوي، حتى الطلب على ما سيأتي،

ثم قال السيد الأستاذ:

المحاولة الثانية : في إرجاع كل معاني كلمة الأمر إلى معنى واحد حتى الطلب، وهذا يتصور على أنحاء ثلاثة:


النحو الأول: أن يقال بإرجاع غير الطلب إلى الطلب،

وهو ما استقر به المحقق الأصفهاني - قدس سره - وعنده أن غير الطلب هو الفعل، فقال: أنه يمكن القول: أن استعمال كلمة الأمر بالفعل مرجعه إلى استعماله فيه بنحو من العناية، لأن الفعل في معرض ان يتعلق به الطلب، ولذا يصح أن يعبر عن الفعل بالطلب، بملاحظة شأنية تعلق الطلب به،


أقول : وهو واضح المجاز،


وعلق عليه السيد الأستاذ - قدس سره - قائلا: إن هذا لا يمكن الموافقة عليه، لما ذكرناه من أن كلمة الأمر قد تستعمل فيما لا معنى لتعلق الأمر به أصلا، كالأمور المستحيلة،

أقول : والوهمية،

مضافا إلى أن المحقق الأصفهاني، جعل انطباقه على الطلب مجازيا وبنحو العناية، لأن الفعل في معرض ان يتعلق به الطلب، وهذا خلاف مقصود المشهور أكيدا، مضافا إلى أنه عرضه بعنوان: يمكن القول، لا أنه مأخوذ من اللغة، كما هو واضح، وبعرضه على كلماتنا السابقة واللاحقة يتبين زيفه،


أقول ( وهذه الدعوى هي عكس تلك الدعوى تماما، إذ افترض أو تم افتراض عكس الدعوى في هذا المقام وحاصل الافتراض هنا، رجوع مفرد الأوامر وهو أمر إلى مفرد الأمور فتكون المسألة هكذا الأمور مفردها أمر،

وهذا الدعوى من الناحية الثبوتية معقولة باعتبار أن الأمر معناه الطلب، والطلب هو شيء من الأشياء،

إلا أن هذه الدعوى والمحاولة وأن قبلت ثبوتا إلا أنها رفضت إثباتا، لأن المقام هو مقام التحري عن الدليل ومدى قيمته،


وهنا ذكر في المتن ضرورة الالتفات إلى أمرين،

الأول: أن التبادر علامة الوضع والحقيقة، ويمكن استكشاف هذا التبادر فيما لو وجدنا لفظ أمر بمفرده، فسوف نلتفت إلى جمع الأوامر لا جمع الأمور،


الثاني: أننا نجد أن اللغة غنية عن وضع الأمر بوضع الشيء، لأنه شيء ، بخلاف وضع الأوامر التي لا تجد لغير الأمر بدلا، ولا تساوي بين الأمور والأوامر في الغنى حتى على مستوى الطلب، على ما سوف تعرف،


ثم قال السيد الشهيد الصدر الأول، وهو في صدد محاولة إرجاع كل معاني كلمة الأمر إلى معنى واحد، حتى الطلب - أنتبه إلى معنى واحد لا إلى لفظ واحد –

بعد تصوير هذه الإرجاع إلى ثلاثة أنحاء:

أولا: أن يقال، بإرجاع غير الطلب إلى الطلب - كإرجاع الشأن والحادثة وغيرها - و هذا ما عليه المحقق الأصفهاني في كتابه - نهاية الدراية - إذ قال: هناك،


ان لفظ الأمر، وضع لمعنى واحد وهو الجامع بين ما يصح أن يتعلق به الطلب تكوينا وما يتعلق به تشريعا، وأن الأصل فيه ان يجمع على أمور،

وعنده ان غير الطلب هو الفعل، وقال يمكن استعمال كلمة الأمر بالفعل بنحو عناية، لأن الفعل في معرض تعلق الطلب، وقد قال في - الدراية - ان لفظ الأمر وضع لمعنى واحد وهو الجامع بين ما يصح أن يتعلق به الطلب - وكما تلاحظ ان الفعل يصح أن يتعلق به الطلب، إذن يمكن أن نستعمل كلمة الأمر بالفعل، وأن كان بنحو العناية،


وهذا التقريب الأصفهاني، في نظر الماتن من المجاز، وعلق على تقريب الأصفهاني أستاذ الماتن الشهيد الصدر الأول، بعدم الموافقة بدعوى أن الأمر قد استعمل في ما لا معنى لتعلق الأمر به أصلا كالأمور المستحيلة كقولنا - اجتماع النقيضين أمر محال - والمحال لا يتعلق به الأمر حقيقة، وعلق الماتن على ما أفاد أستاذه بقول: أقول، والوهمية - أي ليس فقط المستحيلة بل الوهمية أيضا،


أقول: بالإضافة إلى ما أفاده الماتن وأستاذه، أقول يمكن رد دعوى جامعية المحقق الأصفهاني، بعدم عرفيتها ناهيك عن كون الأمر الذي هو معنى الطلب من المعاني الحدوثية الاشتقاقية، بينما ان الأمر معنى جامد ولا جامع بين الجوامد والمشتقات،

إذن لا يمكن قبول هذه الدعوى وتقريب المحقق الأصفهاني ولا يمكن قبول قوله: يمكن القول، لعدم أخذها من اللغة بل هي من نحت فكره وفهمه ).









إرسال تعليق

0 تعليقات