آخر الأخبار

الإسكندرية السلفية سؤال التحول (2)












محمود جابر

لا يمكن ان نتقبل هذا التحول فى مدينة مثل الإسكندرية، ولا يمكن ان نقبل هذا التحول بسهولة ونحن نقلب فى أوراق هذه الفترة بأسمائها، على مستوى العمل السياسي والبرلماني أو العمل الطلابي والسياسي ووعى الشارع السكندري.




ففى اسكندرية السبعينات كان يوجد نواب برلمانيون بحجم الدكتور محمود القاضى و عادل عيد و كمال احمد، وهؤلاء أسماء وطنية وسياسية لا يمكن ان نمر على أسمائهم مرور الكرام، فهؤلاء الثلاثة كانوا أحد ضمن خمسة عشر نائبا اجبروا السادات على حل البرلمان المصرى فى 28 ابريل 1979 ، وحسب الدكتور عصمت سيف الدولة، فإن رئيس المجلس «لم يكن حصيفا»، ففى اليوم التالى 11 إبريل «مثل هذا اليوم عام 1979»، أصدر رئيس الجمهورية قرارا باستفتاء الشعب فى حل المجلس، والاستفتاء على المعاهدة».. كتاب «هذه المعاهدة..دار المسيرة - بيروت».



كان مجلس الشعب قد واصل مناقشاته حول الاتفاقية منذ صباح السبت 7 إبريل 1979، ففى هذا اليوم، ووفقا لسيف الدولة، عقدت لجنة مشتركة من لجان، العلاقات الخارجية، والشؤون العربية، والأمن القومى، وحضرها الدكتور مصطفى خليل، رئيس الوزراء ووزير الخارجية، وفكرى مكرم عبيد، نائب رئيس الوزراء، والدكتور بطرس غالى، وزير الدولة للشؤون الخارجية، وحلمى عبد الآخر وزير الدولة لشؤون مجلس الشعب، واللواء حسن أبوسعدة رئيس هيئة العمليات بوزارة الدفاع، واستمعت اللجنة إلى شرح واف من «خليل» و«غالى» و«أبو سعدة»، ثم عقد المجلس جلسته العامة لمناقشة الاتفاقية يوم 9 إبريل، ووافق الأعضاء على اقتراح رئيس المجلس بأن تكون مدة كلام كل نائب عشرة دقائق، لأن الذين طلبوا الكلام زاد عن 60 نائبا، ارتفعوا إلى سبعين بعد أن ألقى مقرر اللجنة الدكتور فؤاد محيى الدين تقريرها.

بدأ المهندس سيد مرعى حديثه، واستمر ساعتين بعد أن حصل رئيس المجلس على موافقة النواب بتجاوزه المدة المحددة سلفا «10 دقائق»، وحسب «سيف الدولة»، فإن «مرعى» لم يدافع عن المعاهدة بل هاجم الدول العربية وقادتها، وقال إنهم لم يدعموا مصر إلا بأحد عشر مليار جنيه فقط منذ 1967 حتى 1979 أى 12 سنة، فسئل: وماذا عن التسليح؟ فقال ليس لدى بيانات.. فرد العضو كمال أحمد: «أنكم بهذه الصورة لا تناقشون الاتفاقية ولكنكم تناقشون إعلان الحرب على العرب»، واستمر المجلس فى الاستماع إلى النواب فى جلسة المساء، وفى اليوم التالى «10 إبريل» واصل جلساته، وكان الدكتور محمود القاضى نائب الإسكندرية هو المتحدث فى المساء باسم النواب الرافضون للمعاهدة وهم، محمود القاضى، ممتاز نصار، خالد محيى الدين، دكتور محمد حلمى مراد، عادل عيد ( الاسكندرية)، كمال أحمد (الاسكندرية)، صلاح أبوإسماعيل، قبارى عبدالله، أحمد محمد إبراهيم يونس، محمد كمال عبد المجيد، أحمد ناصر، طلعت عبد الرحمن، عبد المنعم إبراهيم، محمود زينهم، أحمد طه، وامتنع الدكتور محمد شامل أباظة.


هنا ومن خلال هذا الموقف المعارض للسلطة والمتمسك بالقضية الوطنية سنجد ثلاثة من رموز الاسكندرية وهم الدكتور محمود القاضى، وعادل عيد، وكمال احمد .

هذا جزء من واقع الاسكندرية فى نهاية عقد السبعينات ....

أما الجزء الثاني منه وهو العمل الطلابى

فمظاهرات 1968 بجامعة الإسكندرية خير شاهد على قوة الحركة الطلابية ونبض المجتمع السكندرى ..

ولنبدأ بسرد قصة ما حدث فى نوفمبر 1968 بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية، فقد استعان عبد الناصر ببعض الشخصيات الوطنية فى حكومته بعد الهزيمة الفاجعة فى 67 وما تلاها من محاكمة المسئولين عنها فيما يعرف بأحكام الطيران والحكم الهزيل عليهم وعلى رأسهم "صدقى محمود" قائد القوات الجوية وخروج المظاهرات بالقاهرة ضد هذه الأحكام فى فبراير 68 بتنظيم وقيادة من الجناح اليساري فى منظمة الشباب وشارك فيها بقوة وكثافة عمال المصانع الحربية بحلوان.


 اصدر عبد الناصر على اثر ذلك ما يعرف ببيان 30 مارس فى محاولة لامتصاص غضب المصريين، وتم تشكيل وزارة جديدة شارك فيها بعض العناصر الوطنية وعلى رأسها المرحوم محمد حلمى مراد "الذى شغل منصب نائب رئيس حزب العمل فيما بعد" كوزيرا للتربية والتعليم والذى اصدر بعض القرارات التعليمية ومن بينها إلغاء نجاح الطلبة الراسبين فى مواد بالثانوية العامة مما استتبع قيام طلاب المدارس الثانوية الأزهرية والعامة بالمنصورة بالتظاهر ضد هذا القرار وذلك فى يوم الخميس 21 نوفمبر وتصدى الأمن للمظاهرات بعنف وقتل 4 من الطلاب وأصيب آخرون.

فى صباح يوم السبت 23 نوفمبر فوجئ طلاب كلية الهندسة بالإسكندرية بطالبين قرووين قادمين من المنصورة أحدهما طالب فى إعدادي هندسة هو خيرت الشاطر والآخر فى السنة الثانية وهو ناجى أبو المعاطى الذى كان يحمل قميص طالب أصيب فى الأحداث ملوثا بالدماء وذلك بمدرج إعدادي اكبر مدرجات الكلية ليخطب ناجى فى الجموع محرضا على الثأر لطلاب المنصورة الذين سفكت دماؤهم والى جانبه خيرت الشاطر الذى تحدث هو أيضا وكان يجهش بالبكاء بحرقة طول الوقت، لكن الذى بدأ بالحديث هو ناجى أبو العطا والذى كان خطيبا مفوّها، وثار طلاب هندسة لما حدث وقرروا الخروج بمظاهرة تهتف ضد وزير التعليم محمد حلمى مراد وضد وزير الداخلية شعراوى جمعة.


 وعلى بعد عدة أمتار من الكلية قبل كوبرى الجامعة تصدت قوات مكافحة الشغب للمسيرة التى كان على رأسها الطالب عاطف الشاطر (ليس قريبا لخيرت الشاطر) رئيس اتحاد طلاب الهندسة ورئيس اتحاد طلاب الجامعة ومعه وطالب آخر لعب دورا رئيسيا هو حسن الحلبى، وتم القبض على عاطف الشاطر وثلاث آخرين منهم الحلبى وتم ترحيلهم الى مديرية الأمن.

وعليه قرر الطلاب العودة الى الكلية وعقد مؤتمرا فيها، وبمجرد عودتهم حضر إلى الكلية اللواء أحمد كامل محافظ الإسكندرية "الذى شغل لاحقا مدير المخابرات العامة" وكان من أعمدة التنظيم الطليعي، وفى مدخل الكلية عند البوابة الخارجية المقابلة لمبنى اتحاد طلاب الجامعة وقف وسط حشد طلابى يتحاور معهم وصرخ تيمور الملوانى "المحافظ رهينة..المحافظ رهينة" فامسك الطلاب بالمحافظ ودفعوه الى غرفة الحرس بجوار البوابة وأغلقوا عليه الباب، واستخدم المحافظ التليفون الموجود بالغرفة فى الاتصال بمدير الأمن وطلب منه الإفراج عن الطلبة المعتقلين وتم الإفراج عنهم وعودتهم الى الكلية فى سيارة مدير الأمن وسط تهليلات الطلاب ليقرروا عقد مؤتمر فى مدرج اعدادى.



 حضره المحافظ الذى قاطع الطلاب كلمته ليترك المؤتمر سريعا ويدعوا الطلاب لتشكيل وفدا منهم للإجتماع به فى مكتبه مساءا.


ترأس المؤتمر الدكتور عصمت زين الدين رئيس قسم الهندسة النووية بالكلية "الذى كان عضوا فى تنظيم الطليعة الوفدية قبل حل الأحزاب" وترأسه معه عاطف الشاطر واتخذ المؤتمر قرارا بالاعتصام حتى تتحقق المطالب التى صيغت على عجل وتتلخص فى إقالة وزير التربية والتعليم ووزير الداخلية وإطلاق حرية الصحافة والحريات العامة والحرب لتحرير التراب الوطني، وتم الاستيلاء على مطبعة الكلية لطباعة منشورات الاعتصام و تعليق الميكروفونات على أسوار الكلية لتوجيه النداءات للجماهير وتوزيع المنشورات عليهم وفى وسائل النقل العام وحضرت مجموعات من الأحياء الشعبية المجاورة وخاصة من أهالى حى الحضرة لدعم المعتصمين.


 وقد استمر الاعتصام لمدة ثلاثة أيام تم حشد قوات الأمن لتحاصر الكلية وأوقفت الدراسة بالجامعات والمدارس وتم إنزال الجيش ليعسكر فى مبنى اتحاد الطلاب المواجه للكلية وحلقت طائرات الهليوكوبتر فى سماء الكلية ،  وحدثت عدة مواجهات مع الأمن نتج عن احدها مقتل عميد شرطة .

 وفى اليوم الأخير للاعتصام خرج الطلاب فى مجموعات للتظاهر فى الشوارع المحيطة وخرج اهالى الأسكندرية فى مظاهرات حاشدة مستخدمين العنف والعنف المضاد ليتم الحرق والنهب والتخريب، وفى حصيلة لهذا اليوم الخامس والعشرين من نوفمبر ذكرت الداخلية سقوط 16 شهيدا و167 جريحا والقبض على 462 وتحطيم 50 أتوبيس والكثير من عربات الترام وإشارات وأكشاك المرور والمحلات العامة وكنت فى المظاهرة التى أحرقت مبنى موظفى المحافظة فى الشاطبى.



بالنسبة لقادة الاعتصام فقد القى القبض عليهم وعددهم 14طالبا من كلية الهندسة ومعهم الدكتور عصمت زين الدين وأودعوا فى سجن الحضرة لحوالي 4 شهور وعلى رأسهم عاطف الشاطر وتيمور الملوانى (وكان أثناء ذلك يحمل فكرا دينيا فى أغلبه) وناجى أبو المعاطى وعددا آخر منهم خيرت الشاطر لما نسب له من دورفى إشعال الأحداث وطارق إسماعيل والسيد البدوي" وهو غير رئيس حزب الوفد الذي كان يدرس فى كلية الصيدلة حينها"، وحسنى النجار وبهاء حجازى ومحمد زقزوق وحسام عطعوط وآخرين.

وبعد الإفراج عنهم تم تحويلهم لمجالس تأديب قضت بفصلهم من الدراسة (كانت العقوبة الأقل على خيرت الشاطر فقد تقرر إيقافه لمدة عام واحد)، وتم تجنيدهم جميعا ليقضوا فترة الخدمة العسكرية بالبحر الأحمر.


بعد انتهاء فترة التجنيد تم إعادة قيد الطلبة المفصولين فى عام 1971 والتحقوا بالكلية وكانت الحركة الطلابية بقيادة القوى اليسارية على مختلف تنويعاتها تسيطر على الجامعة ولم يكن النشاط الاسلامى الطلابى قد بدأ بعد الا فى حدود الصلاة والدروس الدينية بمساجد الكليات، وبعد ذلك أخذ الاتجاه الطلابى الإسلامى دعما قويا من نظام السادات لموجهة المد اليسارى فى الجامعة وذلك بواسطة أجهزة أمن الدولة والمحافظين وأمناء الإتحاد الإشتراكى وعلى رأسهم بالإسكندرية "عيسى شاهين" وفى أسيوط "محمد عثمان اسماعيل" وغيرهم.

 ولكن حتى عام 1974 كانت السيطرة المطلقة فى الجامعة للاتجاه اليسارى ، و فى النصف الثانى من السبعينات ظهرت الجماعة الإسلامية  فى هندسة اسكندرية وكان قادتها هم  خالد داوود ومحمد تاج واسعد طه حراز وطلال الانصارى.

اذا الاسكندرية كانت تمثل مركزا للعمل الثورى الطلابى والبرلمانى وجان يجب للسلطة أن تفكك تلك الحالة عبر التعليم، فعبر التعليم يمكن تغيير المجتمع..، وهذا ما أثبته العالم عبر التاريخ وفلسفة التحول يجب أن تبدأ من خلال التعليم لأن النتيجة سوف تكون جاهزة فقط بعد عقد من الزمن فعبر التعليم يمكن اختصار الزمن ونشر الأفكار الجديدة وخاصة في المجتمعات التي يشكل فيها صغار السن العدد الأكبر.








إرسال تعليق

0 تعليقات