أحمد مبلغي⇭
النقطة السابعة: حجية القاعدة الفقهية الحاصلة على أساس الاستقراء:
هذه الحجية يتضح ثبوتها عبر الالتفات إلى أمور:
١. مثلما يمكننا استخلاص معنىً من نصٍ واحد (آية أو رواية)، يمكننا أيضًا
استخلاص معنى ومحتوى من ملاحظة مجموعة من النصوص.
وهذا شيء حدث في الاستدلالات الفقهية ، وتلقاه الفقهاء على أنه مقبول
كدليل، وعلى أساسه، فقد قاموا بتكوين بعض الاستنتاجات والاستدلالات، وأظهروا
للحكاية عنه عبارات مثل: "يستفاد بلحاظ مجموع الروايات"، و"المتفاهم
من مجموع الروايات"، وما إلى ذلك.
٢. ان سرّ إمكانية صيرورة وتبلور مجموعة من النصوص كدليل مقبول، هو أنه كما
ينعقد الظهور لنص واحد، فكذلك بالإمكان أن يتم انعقاد الظهور في معنى مّا لمجموعة
من النصوص .
طبعا، هذا الظهور الخاص يحصل لمجموعتها، وليس لكل واحد منها؛ أي أن كل نص
بمفرده، فانه ليس له هذا الظهور، بدلا من ذلك، فهو لمجموعتها، بمعنى انها عندما
تجتمع معا تمتلك هذا الظهور. وبعبارة أخرى، محل تولّد هذا الظهور هو مجموعتها.
ولقد أجاد الشهيد الصدر في قوله:
"ان حجية الظهور تشمل الظهور المتحصل من مجموع أدلة متفرقة عند
ملاحظتها جميعا كخطاب واحد" (شرح العروة الوثقى ٢: ٩١).
٣. في بعض الأحيان ينعقد لمجموعة من الروايات -التي تعطي حكما واحدا لموارد
مماثلة- الظهور في أن هذه الموارد تم ذكرها كامثلة ومصاديق.
بناءً على هذا الظهور، يمكنك في هذه الحالة، تعميم الحكم الوارد في هذه
الروايات إلى أشباه تلك الموارد.
فلا ينبغي الترديد في تعميم الحكم؛ لأنه يجب علينا إما أن لا نقبل حجية
الظهور، أو أننا إذا قبلناها فعلينا القيام بهذا التعميم.
ولقد أجاد الشهيد الصدر أيضا، حيث قال:
"الفهم العرفي .... قد يوجب ظهور الدليل أحيانا في مثالية المورد.
وهذا الفهم العرفي قد يدعي بلحاظ كل رواية بمفردها، وقد يدعي بلحاظ مجموع
الروايات بمعنى أن العرف بعد ملاحظة الروايات في الموارد المتعددة يستظهر بلحاظ
المجموع مثالية تلك الموارد، وإن كان قد لا يستظهر المثالية لو اقتصر على ملاحظة
بعض الروايات في مورد واحد أو موردين، لأن احتمال دخل خصوصية مورد واحد أو موردين
قد يكون احتمالا عرفيا، بينما لا يكون احتمال دخل خصوصيات الموارد المتفرقة جميعا
احتمالا عرفيا، وإن كان موجودا ثبوتا". (شرح العروة الوثقى ٢: ٩١).
يوضح بيانه كيف أن النصوص اذا كان كل منها بمفرده (أو كانت بعضها، ولا كلها)،
لا يحصل لها مثل هذا الظهور (أي: الظهور في المثالية)، لأن العرف يحتمل أن كانت
هناك دخالة لخصوصيات الموارد، ولكن إذا جائت النصوص واجتمعت معًا فالعرف يستظهر
عدم دخالة الخصوصيات، فيحمل الموارد المنصوص عليها على المثالية.
٤. من هنا يتبين أننا في الواقع، من خلال هذا الإلغاء (الذي نفعله فيما يتعلق
بخصوصيات الموارد) نصل الى مناط الحكم.
ومن الواضح أنه عندما نصل الى المناط، فعلينا تعميم الحكم إذا كان لهذا
المناط مظلة استيعابية.
وهذا هو معنى تأسيس القاعدة الفقهية على أساس الاستقراء.
في الواقع، إن العملية التي يتم على أساسها تأسيس القاعدة، هي عمل تنقيح
المناط، ولكن ليس تنقيح المناط الذي يتم تنفيذه حيال نص واحد، (ذلك الذي اصبح أمرا
شائعا)، بل تنقيح المناط الموجّه إلى مجموعة من النصوص، التي كل منها يعطينا الحكم
لمورد، ونحن نلغي خصوصية الموارد كلها، فنحصل على المناط، فنصنع هكذا قاعدة فقهية.
النقطة الثامنة: دور النص في القاعدة المصطادة على أساس الاستقراء:
إنه علم مما ذكرنا أن القاعدة الفقهية التي نصل اليها عبر عملية الاستقراء،
تستمد كيانها واعتبارها من النص، ولكن ليس من نص واحد بمفرده بل من الظهور الذي
ينعقد لمجموعة من النصوص.
النتيجة: تبيّن من كل ما ذكر:
أولاً: أن الاستقراء بما هو هو لا يحقق حجيةً لقاعدة فقهية ما، طالما لا تصاحب
هذا الاستقراء، عملية تنقيح المناط.
ثانياً: أن الظن باللحوق (لحوق الموارد المشكوكة بالغالب) الذي قد يتحدث عنه في
الاستقراء، هو في الواقع ظن تبعي، والظن الأصلي الذي يعبأ به هو الظن [أي: الاطمئنان]
بالمناط.
ثالثاً: أن قاعدة تقديم الأبدان على الأديان ثبتت حجيتها بالاستناد إلى مجموعة
متراكمة من النصوص، قد عولجت ولوحظت دلالتها بالرجوع الى نوع خاص من عملية تنقيح
المناط؛ النوع الذي اوجد الاستقراء الأرضية لتحققه.
[سنذكر في المنشور القادم، تطبيقات قاعدة مراعاة تقديم الأبدان على الأديان
إنشاء الله].
⇭ مرجع دينى ايرانى
0 تعليقات