نعمه العبادي
في غمرة حيرة التفكير بمخارج منجية من جائحة كرونا، وفي ظل تضارب الأنباء
عن أمكانية الوصول الى علاج ناجع لمكافحته، أطل علينا (برونو ماسشيز) بمقال مهم
ومثير جداً، نشره في العدد الاخير لمجلة (الفورين بولسي)، وهي المجلة الاهم في
العالم، يحمل عنوان (المراقبة هي السبيل الوحيد للأمان من فيروس كرونا).
يرتب برونو مقاربته لهذه الوصفة الأمريكية على مجموعات مقدمات مستعيناً
بالدور الذي ادته المراقبة (بحسبه) في مجال مكافحة الإرهاب، ويضع العالم أمام
معادلة يصوغها بحنكة، حيث يكون طرفا الخيار، أما القبول بقيود الحظر الحالية وكل
ما فيها من تبعات اقتصادية واجتماعية ونفسية، أو القبول بنظام مراقبة نتنازل فيه
عن الخصوصية بقدر يضعنا بشكل عار ومكشوف أمام متعقب البيانات، الذي يريد أن يعرف
كل شيء عنا وعمن حولنا وممن نتصل بهم ونتواصل معهم، ليكون قادر على توجيه الرسائل
المناسبة لكل هؤلاء.
ويستكمل ماسشيز بأن (المدافعين عن الخصوصية سيجدون صعوبة في اقناع الجمهور
بأن التعريفات التقليدية للخصوصية ذات قيمة أعلى من حرية مغادرك منزلك)، ويضيف (إن
قيمة الخصوصية لها أهميتها بالطبع، ولكن من الممكن تطوير مفهوم الخصوصية، مع حدود
جديدة تتوافق مع التحديات العملية التي يواجهها المجتمع الآن).
ويحاول ماسشيز أن يحكم قبضته ليكون خياره هو طوق النجاة الوحيد لما يعانيه
عالمنا من خطر ما يحله به الآن، ومن الأوبئة المتحملة، فيقول:( تهدف المراقبة إلى
وقف أو منع التطفل قبل أن تخترق دفاعات المجتمع، وبالنسبة لأولئك الذين يصرون على
مستويات أقل من المراقبة، فإن البديل الوحيد هو بناء مجتمع أكثر مرونة يمكنه
التعامل مع تلك التدخلات بعد حدوثها. قد يبدو هذا أكثر جاذبية، ولكن في الواقع
يمكن أن تكون التكاليف الاجتماعية والفردية مرتفعة للغاية. خذ حالة الأوبئة
المستقبلية مثالًا.
سيتعين على المجتمع المرن أن يستثمر بشكل كبير في الرعاية الصحية، مما يخلق
فائضًا كبيرًا لاستخدامه في حالات الطوارئ. وسيتعين تدريب المواطنين على مجموعة من
السلوكيات المناسبة، بل قد يضطر المجتمع إلى إعادة تصميم مدنه وشبكات النقل،
وتغيير قوانين العمل، والهياكل الاقتصادية؛ حتى يظل التفشي المحتمل للأوبئة تحت
السيطرة عند هذه النقطة، قد يميل البعض إلى القول بأن الفيروس قد انتصر).
ومع انه يقر بشكل واضح بالتوظيف السيء الذي تم في ظل إباحة الخصوصية تحت
ذريعة مكافحة الإرهاب فيما سبق، وما يمكن ان يحدث في ظل التصرف بالبيانات التي يتم
جمعها والتصرف بها من اجل مواجهة هذا الوباء والوباءات القادمة، إلا انه يعود
مدافعاً عن هذا السبيل بعد أن تأكد أن العالم في حالة ارتجاف عميقة، يمكن أن يذعن
لما هو اخطر من هذا الخيار.
وفي الختام يتبادر الى الذهن سردية المثل الحكيم القائل: (اللي يشوف الموت
يرضى بالصخونة)، فهل هناك عدداً مهيئاً للكثير من صور (الصخونة-السخونة) التي
سيوضع العالم بالخيار أمامها في ظل موت كرونا الذي يتسرب مثل الزيت بين مشابك
الأصابع مع نهاية غير واضحة لمستقبله؟
0 تعليقات