سيد قطب.. ومسلسل الاختيار!!

نصر القفاص

فى واحد من مشاهد مسلسل "الاختيار" سنجد الإرهابي "هشام عشماوي" جالسا بين مجموعة يسمعون شيخا, يحدثهم عن "الجهاد" ويدلهم على كتاب "معالم فى الطريق" الذي ألفه "سيد قطب" خلال فترة سجنه.. وكان مسموحا له بأن يقرأ ويكتب كيفما شاء, لأن فترة سجنه الأولى قضاها فى المستشفى حتى صدر قرار العفو عنه عام 1964!! فإذا به يتحرك لتنفيذ مؤامرة ثابتة بالضرورة وواضحة المعالم, كانت تستهدف تدمير منشآت عديدة بينها القناطر الخيرية لإغراق الدلتا بأكملها..

 وتشمل جريمته مع الذين تمت محاكمتهم فى عام 1965 تنفيذ اغتيالات بالجملة..

والتفاصيل تم نشرها وتناولتها مذكرات الذين شاركوا فى تنفيذ هذه الجرائم.. وبينها كتاب "التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين" الذى نشره "على عشماوى" أحد أبرز المتهمين فى القضية.. لكن عمليات تزوير التاريخ وغسيل السمعة لقادة الإرهاب الإخوانى, جعلتهم يكررون الجرائم حتى وصلنا لأخطر وأهم المعارك التى يخوضها المجتمع المصرى ضدهم فى أعقاب ثورة "30 يونيو" التى كشفتهم بما لا يحتمل شكا أو تشكيكا.

لن أخوض فى التفاصيل.. لكنني فقط سأتوقف عند كتاب "معالم فى الطريق" الذى أسس لكل الإرهاب الذى عاشته مصر, خلال أكثر من نصف قرن.. وبلغ ذروته بالمعركة الدائرة على أرض سيناء طوال السنوات الماضية, والتى قدم آلاف من شباب الوطن أرواحهم دفاعا عنها فى مواجهة سرطان زرعه الاستعمار الانجليزي فى الجسد المصرى.. والمؤسف أننا نتناول الكتاب "معالم فى الطريق" ومؤلفه – سيد قطب – على أنها أفكار تستوجب المناقشة والحوار.. مع أن المسألة حسمها الأزهر منذ زمن طويل, خلال محاكمة "سيد قطب" بتقرير كتبه الشيخ "محمد عبد اللطيف السبكى" رئيس لجنة الفتوى بالأزهر, بتكليف من فضيلة الإمام الأكبر الشيخ "حسن مأمون" شيخ الأزهر – آنذاك – بناء على طلب النيابة خلال المحاكمة.

التقرير الذى استندت إليه المحكمة خلال نظرها قضية "تنظيم سيد قطب" حافل بكشف فساد هذا الفكر والتأكيد على أنه ضد الإسلام كدين.. وفى مقدمته أكد: "الكتاب أسلوبه استفزازي ويفاجئ القارئ بما يهيج مشاعره الدينية, خاصة إذا كان من الشباب أو البسطاء الذين يندفعون فى غير روية إلى دعوة الداعي باسم الدين".

وحفل التقرير – وهو دراسة – بتفنيد كل ما جاء فى كتاب "معالم فى الطريق" مؤكدا على أنه كارثة ستؤدى إلى كوارث فى المستقبل.. وهو ما حدث فعلا.. لأن الكتاب من صفحاته الأولى يقول: "وجود الأمة المسلمة يعتبر قد انقطع منذ قرون كثيرة.. ولابد من إعادة وجود هذه الأمة لكى يؤدى الإسلام دوره المرتقب فى قيادة البشرية مرة أخرى" وذلك جعل رئيس لجنة الفتوى بالأزهر يتوقف لكى يشير إلى أن المؤلف ينكر وجود أمة إسلامية منذ قرون كثيرة.. ومعنى هذا أن المسلمين عاشوا فى جاهلية لقرون حتى جاء "سيد قطب" إلى الدنيا.. أى أنه جعل نفسه نبيا!!

وتضمن التقرير – الدراسة أن الكتاب فيه بالنص: "إن مهمتنا هى تغيير واقع المجتمع الجاهلي من أساسه" لذلك يرى فضيلة الشيخ "محمد عبد اللطيف السبكى" أن هذه نزعة تخريبية يسميها المؤلف طريق الإسلام.. وهو يجعل نفسه ممثل لله فى الحكم.. وهذا شطط فى الخيال يجنح إلى الشذوذ عن الأوضاع الصحيحة والتطورات المعقولة.. فهو يرى مجتمعا ينشأ على يديه وعلى يد طليعته المسلمة.. وهنا سنجد أن الإرهابي "هشام عشماوي" تلبسته تلك الأفكار واستغرق فيها مع غيره من أعضاء "جماعة الإخوان" الإرهابية لأنهم يؤمنون بشذوذ هذا الفكر وذاك الهوس الذى يقوم على: "إن الجهاد ضرورة لتحرير الإنسان سواء كان الوطن الإسلامي آمنا أو مهددا"!!

أي أن دعوة "سيد قطب" قائمة على إشعال الحروب.. مع أن الإسلام يدعو إلى مسالمة من يسالم المسلمين.. لكن مؤلف "معالم فى الطريق" يقول: "الانطلاق بالمذهب الإلهي تقوم فى وجهه عقبات مادية من سلطة الدولة ونظام المجتمع وأوضاع البيئة.. وهذه كلها التى ينطلق الإسلام ليحطمها بالقوة" كل ذلك جعل كاتب التقرير – الدراسة – يؤكد أن "سيد قطب" سول له شيطانه أن ينعق فى الناس بهذه المزاعم, ويقتادهم إلى المهالك ليظفر بأوهامه التى يحلم بها.. وانتهى فى دراسته العلمية للكتاب إلى أن مؤلفه – سيد قطب – هو: "إنسان مسرف فى التشاؤم وينظر إلى الدنيا بمنظار أسود ويصورها للناس كما يراها هو أو أسود مما يراها.. وهو استباح باسم الدين استفزاز البسطاء إلى ما يأباه الدين من مطاردة الحكام, مهما يكن فى ذلك من إراقة الدماء والفتك بالأبرياء وتخريب العمران وترويع المجتمع وتصدع الأمن, وإلهاب الفتن فى صور من الإفساد لا يعلم مداها إلا الله.. وذلك معنى الثورة الحركية التى حددها فى كلامه"!!

لأن قراءة هذا الكتاب – الكارثة – ومناقشته تكشف "جماعة الإخوان" وتعرى فكرهم وإرهابهم.. سنجدهم حريصين على عدم الدخول فى حوار حوله, ويكتفون بتلقين من يجندونهم أفكاره الشاذة على أنها جهاد.. وهى لا تختلف كثيرا عما يتحدث به من يطلقون على أنفسهم "الاشتراكيين الثوريين" وذلك يفسر اتفاقهم على ضرورة هدم المجتمع أولا قبل أن يشرعوا فى بنائه من وجهة نظرهم..

والحقيقة أنهم صاغوا أفكار وطرق الهدم.. لكنهم لا يملكون أى رؤية أو أفكار أو آليات للبناء.. لأنهم يؤمنون بصناعة الخراب والدمار..

وذلك ما حاولوا أن يفعلوه فى مصر.. ونفذوه فى سوريا وليبيا والعراق واليمن وقبلهم الجزائر خلال سنوات "الدم والدموع" العشرة.. ورغم أنهم حكموا السودان لأكثر من ثلاثين عاما فقد تركوها غارقة فى الجهل والفقر والفساد.. ورائدهم هو كتاب "سيد قطب" وقبله أفكار "حسن البنا" مؤسس هذا التنظيم العصابى الذى يمثل "الخوارج" بمعنى الكلمة.. لذلك حقت فيهم قولة "على بن أبى طالب" إنها "دعوة حق يراد بها باطل"

على هامش مسلسل "الاختيار" أعتقد أننا نحتاج إلى إعلام يعيد نشر تقرير الأزهر حول كتاب "معالم فى الطريق" لأهميته وضرورته فى تنوير مجتمع يحتاج أن يفهم أصل هذا السرطان الذى زرعه الاستعمار البريطاني فى جسد مصر, ثم فى جسد العالم العربي والإسلامي.. وهو لا يقل خطورة عن "فيروس كورونا" الذى يقاتله العالم, لأنه أصاب عواصم الاستعمار القديم بقسوة.. أما "سرطان الإخوان" الذى ينهش فى جسدنا كمسلمين فهم صانعوه وحريصون على بقائه.