هاني عزت بسيونى
.. لكي يبقى الجميل في عينيك جميلاً لا تقترب منه كثيراً ..
فالبعض أجمل من بعيد ، فحافظ على المسافة بينك وبينهم ..
لقد علمتنا الكتابة أن نترك مسافة بين الكلمة والكلمة لكي يفهم الآخرون ما
نكتب .. وعلمتنا حركة المرور أن نترك مسافة بيننا وبين السيارة التي أمامنا حتى لا
نصطدم بها ..
وعلمتنا حركة الحياة أن نترك مسافة بيننا وبين الآخرين حتى لا نصطدم بهم أو
نتصادم معهم ....
استدعيت من الذاكرة قصة رمزية مفادها ، أن مجموعة من القنافذ اقتربت من
بعضها البعض في إحدى ليالي الشتاء المتجمدة طلباً للدفء وهرباً من الجو الجليدي
شديد البرودة لكنها لاحظت أنها كلما اقتربت من بعضها البعض أكثر كلما شعرت بوخز
الأشواك التي تحيط بأجسادها ينخر فيها مما يسبب لها المزيد من الألم ، وأنها كلما
ابتعدت عن بعضها البعض شعرت ببرودة تجمد أطرافها وبحاجتها للدفء في أحضان أصدقائها
!..
هكذا ظلوا على هذه الحال بين ألم الاقتراب وهجر الانفصال الى أن توصلوا الى
المسافة المناسبة التي تقيهم من برودة الجو الجليدي وتضمن لهم أقل درجة من ألم وخز
أشواك الاقتراب ...
رمزية القصة في مابها من حكمة .. فلكل إنسان منا عيوبه وأشواكه الخاصة التي
قد لا تظهر لك ولا تشعر بآلام وخزاتها إلا عندما تكون على مسافة غير مناسبة منها..
البعض يعتقد أنه كلما ازداد قرباً ممن يحبهم فإن هذا سيشعرهم بالسعادة لكن
هذا ليس صحيحاً على الدوام فحتى الاهتمام الزائد قد يفقد معناه وحميميته ويتحول
إلى ان يشعر معه الآخرون بالتعب.
لذلك فإن ترك مسافة للخصوصية ستعطي المزيد من المحبة للأحبة حيث تطوق النفس
البشرية السوية وتحن وتأنس دوماً إلى من يهتم بها في الحدود التي يحرص على أن
يحترمها الآخرون مهما كانت درجة قرابتهم ..
لذا فالحرص على ضبط مسافاتك مع الآخرين حتى وإن كانوا اقرب من حولك من
أبناءك أو أقاربك لن يجعلنا نخسر الناس من حولنا فجميعنا نحتاج لبعض مسافات تفصلنا
وتحترم خصوصيتنا وقدرتنا على التنفس بل ربما تكون علاقاتك الإنسانية أجمل وأكثر
قدرة على النمو والازدهار إن تركت لها المسافة الكافية للنمو.
إدارة المسافات فن يجب تفهمه وإتقانه بقدر المسافة المناسبة التي تسمح لنا
ولهم بالتنفس .. وضبط المسافات من أكبر سنن هذا الكون ودلائل عظمته وسير الكواكب
الدقيق مرتبط باحترام المسافات ..
فلو اقتربت الشمس منا ميلاً واحداً لاحترقت الأرض ولو ابتعدت عنا ميلاً
لتجمد كل ما حولنا ...
.. أليس في الأمر حكمة ..
مجرد خاطرة ... !
0 تعليقات