نصر القفاص
عكف الشيخ "على عبد الرازق" على دراسة فكرة الخلافة سنوات.. انتهى
بعدها إلى كتابه "الإسلام وأصول الحكم" عام 1925, ففجر الكتاب عواصف
فكرية وسياسية.. صاحبتها "زوبعة" مجتمعية صنعها الذين لا علاقة لهم
بالفكر ولا السياسة.. قبل "الشيخ على" الحوار والمناقشة مع من يستحقون
داخل الأزهر الذى كفره رجاله, وخارجه مع من هاجموه بحثا عن حظوة لدى الملك "فؤاد"
وترتب على هذه الحالة أزمة وزارية لدفاع "عبد العزيز باشا فهمى" عن حق
صاحب الرأي فى أن يعبر عن أفكاره.. وبعدها كان اجتهاد الدكتور "طه حسين"
فى كتابه "فى الشعر الجاهلى" الذى فرض عليه معركة مع "الأزهر"
و"البرلمان" فضلا عن "أراجوزات الموالد السياسية"!!
وبقى أصحاب الفكر على مواقفهم ثابتين.. لا تعرف أغلبيتنا الساحقة تفاصيل ما
حدث, وأهمها أن "الشيخ على" و"الدكتور طه" دفعا ثمنا فادحا
لثباتهما على موقفهما لأنه تم بناؤه على علم ودراسة ومنهج.. ويكفى أن أقول أن
كليهما, وجدا نفسيهما بلا دخل ولا وظيفة ثمنا لاجتهادهما.
رأيت إنعاش ذاكرة من يرى بضرورة مناقشة صاحب الرأي, دون اتهامه أو تخوينه..
لأؤكد أنه هناك فارق شاسع بين الرأي والجرأة على المجاهرة بالإقدام على ارتكاب "أم
الجرائم" وهى "الخيانة"!! فالذين يقبلون أن "الخيانة وجهة نظر"
قدمنا لهم ما حدث فى فرنسا قبل أن يكتسحها "هتلر" خلال الحرب العالمية
الثانية.. والذين يتصورون أن ما طرحه "نيوتن" – صلاح دياب – أو من
يكتبون له.. رأى أو أفكار.. عليهم أن يسألوا أنفسهم.. هل يتخفى صاحب فكرة أو رؤية
خلف اسم مستعار؟!.. ذلك لا يعنى سوى خوفه من أن يتم ضبطه متلبسا بأفكاره.. ويترتب
على ذلك سؤالا موضوعيا.. هل ما تم طرحه متعلقا بسيناء تحديدا هو أفكار أو رؤية؟!..
الإجابة قدمها هذا "المجهول"
حين قال أن ما طرحه سبق تنفيذه فى "سنغافورة" و"هونج كونج" و"كوريا
الجنوبية" ليبدو كما لو كان يقدم لنا وجبة من العسل وكلها سم.. وباعتباره حدد
نوع العسل, فهو يعلم ونحن يجب أن نعلم أن نماذجه الثلاثة هى عبارة عن تجارب وظيفية
تخدم أصحاب المصلحة فى رعايتها.. وأقصد بذلك تحديدا بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية,
وهما ضامنتين لاستمرار نجاحها الذى شاركتا فى صناعته.. وإن كانت الأغلبية الساحقة
التى استهدف "المجهول" مخاطبتها, لا تعلم تفاصيلا فيمكننا أن نفتح ملف
هذه التجارب للتنوير.. أما إن كان يقصد تحريض هذه الأغلبية بتقديم ما يلمع على أنه
ذهب.. فنحن نعلم أن مصر وطن وحضارة وتاريخ.. وليته يدلنا أو يشرح لنا تاريخ نماذجه
الثلاثة.. لأن الذهاب بأن يجعلنا يجب أن نحاكى "سنغافورة" و"هونج
كونج" و"كوريا الجنوبية" تشبه دعاوى الذين روجوا لضرورة وأهمية أن
نتعلم فنون الزراعة الحديثة من إسرائيل.. وهو منهج واحد يحفظه هذا "النيوتن"
ونحن نفهمه ونعرف ما وراءه.. لذلك نرى فيما أقدم عليه "خيانة" وكلنا
ضمير مستريح.. ولأن ما طرحه "المجهول" هى أفكار "لقيطة" سنجده
طرح فكرته مقترنة بكلمة "حاكم" على أن تربطه بالوطن الأم علاقة لا
تتجاوز "الدفاع" و"الخارجية" وهو الأساس الذى منحت على قاعدته
بريطانيا تصريح 28 فبراير عام 1922 لمصر.. وذلك أمر لا يتطلب اجتهادا لإثباته.. أى
أنه طرح فكرة قديمة للاستعمار, اعتقادا منه أن الذاكرة الوطنية نسيت هذه التفاصيل..
شأنه شأن "البرنسات الجدد" الذين يحملون أكثر من جنسية, وارتباطهم
بالغرب أكبر وأعمق من ارتباطهم بمصر.. وسأمد الخط على استقامته لمناقشة "المجهول"
فى فكرته "اللقيطة" بطرح سؤال.. ولماذا سيناء؟!
فلو كان يقصد مصلحة الوطن
والمشاركة فى التنمية.. أو كان يتمتع بقدر من الذكاء, لطرح علينا تنفيذ الفكرة فى "الوادى
الجديد" مثلا ومساحته أكبر من سيناء!!
وإن كان الطرح نفسه لأى شبر من أرض الوطن مرفوض شكلا وموضوعا.. وضف لذلك
التجاهل المتعمد لكل ما بذلته – وتبذله – الدولة من جهد فى تنمية سيناء على مدار
السنوات القليلة الماضية.. وتقديم المليارات لتنفيذ مشروعات يراها الأعمى.. كما
مشروع الأنفاق الأخير, الذى يربط الشرق بالغرب لأول مرة فى تاريخ مصر.. لكنه مع
الذين دفعوه لهذا الطرح لا يريدون غير سيناء!!
دائما نجد أن تجار المخدرات يخشون بضاعتهم.. لذلك يحرصون على إخفاء أسمائهم
والتبروء من بضاعتهم.. كما فعل "نيوتن" عندما فوجىء بالوعى الجمعى
والعقل الوطنى ينتفض فى وجهه.. بل أنه فوجىء بتخلى من اعتقد أنهم يمكن أن يسندوه
أو يساندوه, بالإسهام فى الدفاع عنه عندما ارتكب جريمته.. سارع بالاعتذار وإنكار
بضاعته – المخدرات – وظهر من يعتقدون أننا لا نقبل مناقشة أو حوار حول أفكار.. وهؤلاء
عليهم أن يتذكروا ما حدث عند طرح ما سمى بمشروع "هضبة الأهرام" ففى هذه
اللحظة وقف المجتمع خلف الدكتورة "نعمات أحمد فؤاد" عليها رحمة الله فى
مواجهة السلطة.. ولم يقبل الشعب المصرى الجريمة التى حاولت الحكومة ارتكابها.. فسارعت
الأخيرة بالتراجع والانسحاب.. وبقى أن أذكر أن فكرة – إذا جاز أنها فكرة – هذا "النيوتن"
هى ذات الجريمة التى أقدم على ارتكابها "محمد مرسى" وجماعته.. وعلى
الذين يمارسون الديماجوجية حول موضوع "تيران وصنافير" أن يمتنعون!!
إحتراما من جانبى لبعض الذين اعتقدوا فيما طرحه "المجهول" بأنه
أفكار.. يجب أن أسألهم توضيحا لتوقيت الطرح.. فهذا يحدث خلال فترة عصيبة تمر بها
الكرة الأرضية.. ويحدث بينما العالم قد دخل فى حالة ركود اقتصادى.. بما يؤكد خطورة
الأمر.. فهل اعتقد صاحب البضاعة – المخدرات – أن هذا هو الوقت المناسب للشراء, على
اعتبار أن المجتمع ساذج.. أو رهانا على احتمال عدم قدرة القيادة السياسية على تحمل
ضغوط الحاضر والمستقبل.. أشير إلى ذلك لأن التوقيت وحده مريب, وكاشف لحقيقة ممارسة
فعل "الخيانة" وصاحبه يعلم أن الحكومة أجلت طرح حصة من بنك "القاهرة"
فى عملية خصخصة بسبب هذه الظروف!!
ولو أنه فكر لفهم.. لكن "نيوتن"
قام بتنفيذ أمر صدر له, واستعد "الطابور الخامس" للمشاركة فى هذا الجزء
من خطة "الإشغال" للقيادة السياسية و"الإرباك" للمجتمع.. فكانت
الصدمة, وكان الرعب من المجتمع الذى كفى القيادة السياسية شر القتال.. ويبدو أن "نيوتن"
لم يتعلم من صاحبه, الذى سبق أن عرض شراء جزيرة من "اليونان" ليجمع فيها
"السوريين"!! فتجاهلته "اليونان" التى كانت فى عرض بحر أزمتها
الاقتصادية الطاحنة.. ولم يصدقه "السوريون" باعتباره أعدى أعداء فكرة
القومية العربية.. فضلا عن أنه ليس رجل البر والإحسان.. لكنه يرى فى نفسه أنه "ملاك
بجناحين" على غرار "مبارك" وكلهم أشقاء من أم واحدة!!
الأفكار تستحق أن نناقشها.. أما الجرائم فلا يمكن قبولها.. من يطرح أفكارا
لا يستحى من اسمه أو يخجل منه.. والذين يتاجرون فى المخدرات, يخشون بضاعتهم لذلك
ينكرونها.. وهكذا فعل "نيوتن" تاركا من ورطهم يبحثون عن حمرة الخجل!! وهناك
فارق كبير بين الرغبة فى تنوير المجتمع, وبين محاولة خداعه والكذب عليه.. واعتقادى
أن المسألة كلها تفرض علينا أن نحتفى بشعبنا الذى يفرز نخبته الجديدة, ويستمتع فى
أوقات فراغه بمسرحية "انتهى الدرس يا غبى" التى أذكرها لأتذكر المبدع
العبقرى "لينين الرملى" الذى أمتعنا وصدمنا بأفكاره.
0 تعليقات