آخر الأخبار

حتي نصل لمناعة القطيع











د. محمد ابراهيم بسيوني

عميد طب المنبا السابق - مصر




سنكتشف في وقت ما في الشهرين أو الثلاثة أشهر القادمة ما إذا كان COVID-19 موسميًا مثل الأنفلونزا. سيتباطأ انتشاره بشكل كبير خلال فصل الصيف أم لا. عندما يكون لدينا ما بين ٦٠ % الى ٧٠ % من الشعب المصري لديه مناعة مكتسبة لCOVID-19 بما يحقق مناعة القطيع ويوقف انتشار المرض.



لتبسيط مفهوم مناعة القطيع لنفرض جدلا أن هناك قرية يعيش فيها عشرة أفراد منهم مسنان لا يغادران الفراش. زار القرية مريض بمرض معدي والتقي بأربعة أفراد من القرية ثم غادر فهناك احتمال لانتقال العدوى لجميع سكان القرية بما فيهم المسنان.


ماذا لو لم يكن لدى المسنان أي مناعة سابقة من هذا المرض في حين كان لدى ثمانية من سكان القرية مثلا مناعة سابقة من هذا المرض (بالتطعيم أو نتيجة إصابة سابقة به) سيكون لدى هذين المسنين نوع آخر من المناعة تحميهما من الإصابة بالمرض يطلق عليها مناعة القطيع.



‏حيث لن يستطيع هذا الزائر المريض بالمرض المعدي نقل المرض الى المسنين عن طريق باقي سكان القرية لوجود مناعة لدى بقية السكان، هذه المناعة لدى بقية السكان توفر حماية لهذين المسنين وهي ما تعرف بمناعة القطيع.



لنعيد تطبيق المثال السابق على حالة فيروس الكورونا هناك سيناريوهين.


سيناريوا قرية A لديها قيادة لديها وعيا كافيا، وقرية أخرى B على العكس من ذلك.



 ولنفرض أن كل سكان القريتين ليس لديهم مناعة لفيروس الكورونا وزار القرية مريض ناقل للعدوى بفيروس ‫الكورونا.



وان القريتين لدى كل منهما نفس الإمكانيات المتمثلة في مستشفي تسمح إمكانياتها بعلاج خمسة أفراد في نفس الوقت.



في القرية A بمجرد أن علم العمدة بوجود حالات مرضية في قرى مجاورة قام بإغلاق مدرسة القرية ومنع التجمعات وطلب من طبيب القرية شرح طرق الوقاية للسكان.


عند زيارة مريض ناقل للعدوى للقرية قام بنقل العدوى لأربع أفراد من القرية وتم التعرف عليهم فور ظهور الأعراض وتم عزلهم.


وتم إدخال حالة منهم المستشفى لحين تماثلهم جميعا للشفاء ثم خرجوا.


تكرر الأمر مرة أخرى بعدها بشهر وأصيب أربعة آخرون وتم عزلهم وعلاجهم الآن لدينا ثمانية من سكان القرية لديهم مناعة ومسنان ليس لديهم مناعة هنا تعمل مناعة القطيع على حمايتهم.



لننظر الآن للقرية B التي لم تتخذ إجراءات كافية زراهم مريض ناقل للعدوى ومع استمرار المدارس والتجمعات تم نقل العدوى لجميع سكان القرية وظهرت عليهم جميعا الأعراض واحتاج ستة منهم دخول المستشفى (المسنان منهما بالطبع) التي لا تسمح إمكانياتها سوى بعلاج أربعة فقط.



على الطبيب الآن اختيار الأربعة أفراد الذين سيتم علاجهم من الست حالات ، وترك فردين ليواجها مصيريهما في البيت، إما أن يختار الحالات الأسوأ (المسنان + حالتين من الأربعة غير المسنين) أو أن يختار من فرصهم أعلى في النجاة ( الأربعة غير المسنين) ويرسل المسنين الى المنزل لمصيرهم.


بذلك يتضح معني مفهوم مناعة القطيع Herd immunity ومفهوم أهمية إجراءات التباعد الاجتماعي (إيقاف الدراسة ومنه التجمعات) Social distancing وأهمية ذلك لتسطيح منحنى العدوى (ان يصاب سكان القرية على مراحل تلائم قدرات مستشفى القرية)


Flattening the Pandemic's Curve


في حالة فيروس ‫الكورونا مناعة القطيع ستحدث بمجرد وصول عدد الإصابات من 60% إلى 70% من السكان.



الوصول الى هذا العدد بسرعة ينتج عنه وفيات عالية بسبب تسببه في انهيار المستشفيات تحت ضغط الأعداد الكبيرة من المرضى في وقت قصير، بينما تسطيح المنحنى معناه الوصول الى نفس العدد بما يحقق مناعة القطيع في وقت أطول في حدود قدرة المستشفيات مما سيقلل الوفيات.



الوصول السريع الى مناعة القطيع رغم وفياته العالية إلا أن اثاره الاقتصادية السلبية اقل الوصول البطيء الى مناعة القطيع (بإتباع إجراءات التباعد الاجتماعي لتسطيح منحنى العدوى) يحقق وفيات اقل ولكن تأثيره الاقتصادي السلبي اكبر.


الآن الدور على الحكومات في الاختيار بين إنقاذ الاقتصاد أم انقاد حياة اكبر عدد ممكن من الناس (خاصة المسنين والمرضى). الموضوع أكثر تعقيدا وتتحكم فيه عوامل كثيرة متشابكة لم يتسع المجال لمناقشتها هنا.


يتضح لنا ان الوصول لمناعة القطيع لا يعني بالضرورة ما سبق وأعلنه رئيس وزراء انجلترا من ترك الساحة مفتوحة و تقبل نسب عالية من الوفيات وعلينا هنا ان نؤكد مرة أخرى ان هناك فرق بين: ضرورة الوصول لمناعة القطيع .. وسرعة الوصول لمناعة القطيع. في حالة covid-19 تعني مناعة القطيع ان يكون لدى 70% من المجتمع مناعة ضد المرض اما بسبب لقاح او بسبب إصابة بالفيروس الحقيقي نفسه ثم التعافي مما يشكل وقاية لبقية ال 30% من السكان.



مهمة السلطات الصحية في اي مكان في العالم مع اي تفشي او وباء هي النجاح في إدارة عملية الوصول الى مناعة القطيع. وقد تضع الدول لنفسها أهدافا مختلفة لتحقيق ذلك طبقاً لقناعاتها وتركيبتها السكانية وتقدمها العلمي وقدرتها التصنيعية وحالتها الاقتصادية ثم تحدد استراتيجيات المواجهة وتضع خطط لتنفيذها على الأرض.



اما ترك الأمور دون تدخل أو إدارتها بشكل غير ناجح فقد يؤدي لا قدر الله الى كارثة على كل المستويات منها ما أشرت اليه من انهيار في المنظومة الصحية (المستشفيات على الأخص) وارتفاع رهيب في الوفيات وربما كارثة اقتصادية أيضا.



في السيناريو المثالي تختار السلطات الصحية في كل دولة ما تعتقد هي انه الإستراتيجية الانجح من وجهة نظرها طبقاً لظروفها للوصول الى اقل نسبة وفيات واقل ضرر اقتصادي ممكن أثناء الوصول الى مناعة القطيع (مناعة 70% من السكان). وبما ان الوصول الى مناعة القطيع عبر لقاح ليست متاحة في الوقت الحالي فالخيارات المتاحة محدودة ومنها ما هو قابل للتطبيق ومنها ما هو غير ذلك. ولا خلاف الان على ان النجاح هو ان يحقق هذا الخيار (في الوضع المثالي) إمكانية ان يتم انتقاء ال 70% هؤلاء (الذين سيكون لديهم مناعة مكتسبة من خلال إصابتهم بالمرض) من الأشخاص الأفضل فرصاً في الانتصار في تلك الحرب مع الفيروس وان يتم دعمهم بخدمة طبية متاحة في حال احتياجهم لها، على ان يكون ال 30% المتبقون (الذين سيتمتعون بمناعة القطيع فقط) من الفئات الأكثر حاجة للحماية مثل كبار السن و المرضى (لا من ال VIP من رجال السياسة والاقتصاد المهمين) وهذا ما يطلق عليه الآن تسوية أو تستطيح منحنى العدوى. وقد اصبح من المتفق عليه الآن على نطاق واسع (حتى من رئيس الوزراء البريطاني نفسه حتى قبل ان يصاب ويدخل العناية المركزة وكذلك من الرئيس ترامب بعد مقاومة منهما) أن كل بلدان العالم تحتاج إلى "تسوية المنحنى" عن طريق فرض التباعد الاجتماعي.



ومن المتفق عليه ايضاً ان الهدف من ذلك هو إبطاء انتشار الفيروس حتى لا يتسبب تدفق سيول من اعداد المرضى في تعريض نظام الرعاية الصحية للانهيار تماماً، كما حدث (او للدقة كاد ان يحدث) في إيطاليا مؤخراً. وهذا يعني أن المجتمع يحتاج أن يستمر الوباء في الانتشار ولكن بسرعة منخفضة، حتى نصل الى نسبة ال 70% تدريجياً (هذا بالطبع بافتراض أن المناعة تستمر لفترة طويلة، وهو الامر الذي نأمله لكن لسنا متأكدين منه حتى الان) او حتى يتم انتاج اللقاح. والسؤال الان: كم من الوقت سيستغرق ذلك، والى اي مدى يجب أن تكون القيود الاجتماعية قاسية؟


إرسال تعليق

0 تعليقات