هادي جلو مرعي
كانت ساحة تايم سكوير خالية من المارة، ومن السيارات، وكانت الأضواء مبهرة،
ولوحات الإعلان تشير الى حياة مستمرة على الشاشات فقط. فقد توقف كل شيء، أو يكاد
بإستثناء الطعام والشراب والدواء، ومايؤمن دوام الحياة المهددة بالفناء بسبب فيروس
كورونا الصغير، بينما البنايات الشاهقة وكأنها لاتعي مايجري. وحده الرجل الشاب
الأبيض يصرخ عاليا: توبي يانيويورك، توبي يانيويورك.
في الهند كان الآلاف من المريدين يجلسون في الساحات المتصلة بالمعابد
الهندوسية يرددون الأدعية والتلاوات المعروفة عند أتباع تلك الديانة القديمة،
يطلبون الخلاص والرحمة والشفاء من الوباء اللعين، وفي كنائس ومساجد المسلمين
والمسيحيين واليهود، وفي كل معابد الأرض المشيدة لتمثل الرب، وطريقة عبادة خاصة،
الجميع صاروا قريبين من محراب التوبة والصلاة والتعلق بأمل ما يأتيهم من مسجد، أو
كنيسة، أو معبد، أو من رجل عارف، فالحياة تلهي الناس عن النهايات، وعن الحقيقة
التي سيواجهونها نهاية الأمر عندما يجدون انفسهم وجها لوجه مع الرب ليحاسبهم على
خطاياهم، ويتقبل الناس ذلك الآلهاء، ويندمجون معه، ولكن وفجأة تأتيهم الصفعة. صفعة
كورونا التي أخلت شوارع الكوكب، وعزلت البشر عن بعضهم، وحجرت على المليارات،
وأوقفت الطيران والسفن والسيارات، وجعلت السماء والأرض والبحار خالية من الأجسام
التي كانت معتادة أن تخوض فيه متجهة الى آلاف الأمكنة في الجهات الأربع، وصار
الناس في مواجهة خطر المرض المعدي، والموت الزؤام.
الرجل الذي يجول في ساحة تايم سكوير يتهم كما يتهم غيره في مثل هذه الظروف
بالتخلف والجنون والجهل والشعوذة، ولكن لابد من التوقف عند نقاط مهمة تتعلق بسلوك
البشر وإنحرافهم عن الأخلاق والسلوكيات القويمة، وإصرارهم على الأخطاء والجشع،
والبحث عن الأموال والمناصب والمتع الزائلة التي يتقاتل بسببها الناس، ويكادون
يفنون أنفسهم بالحروب والصراعات والجشع الذي لاينتهي، ويرسم للبشرية المستقبل
الموبوء بالخوف والرعب.
في كل الأحوال فالبشر بالفعل قد تحولوا الى وحوش كاسرة تنهش الأجساد
الضعيفة، وتحيلها الى أجسام ممزقة منهوبة لم تعد فيها حياة، وهو أمر لايمكن
تجاهله، ويختلف الناس في شرح مايجري، أهو غضب من الرب، أم هي طبيعة الحياة؟
0 تعليقات